الاثنين، 29 يوليو 2019
الأحد، 28 يوليو 2019
الجمعة، 26 يوليو 2019
الأربعاء، 24 يوليو 2019
الاثنين، 22 يوليو 2019
الدرس الثاني في الروحانيات
يسألونك عن
الروح
بسم الله الرحمن الرحيم
سيداتي أوانسي سادتي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
في الدرس الأول من الروحانيات ، تكلمنا عن
قصة سيدنا سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ وبروز ذلك الذي عنده علم من الكتاب
والذي إستطاع أن يتحدى قوانين الزمان والمكان وأن يأتي بعرش ملكة سبأ في ظرف أقل
من لمح البصر.
وقد بدأت علامات الإستفهام والتساءلات تفرض
نفسها على ساحة المعرفة وتطرقت لمحاولة معرفة من هو ذلك الشخص الذي إستطاع القيام
بهذا الفعل الفريد في تاريخ البشرية والكون
ثم تواصلت الأسئلة وخرجت من النطاق التاريخي
إلى النطاق المعرفي وتساءلت حول ماهية هذا العلم كما أشار إليه سبحانه وتعالى في
قوله بسم الله الرحمن الرحيم قال الذي عنده
علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك النمل/40
فماهو
هذا العلم الذي أشار إليه عز وجل ؟ خصوصا بعد أن أشار سبحانه وتعالى بقوله بسم
الله الرحمن الرحيم واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك الكهف/27 وبعد
أن أشار كذلك بقوله بسم
الله الرحمن الرحيم كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ص/29 وإننا لنلمس
جانبا من التناقض في الفهم ، لكن هذا التناقض ليس من صنع الله عز وجل ، بل من صنع
الإنسان بفهمه القاصر وفلسفته الخاطئة التي دعمتها كلمات بدعة ودجل وشعوذة رجما
بالغيب ولقد
تطرق يعض العلماء بصورة مؤسفة إلى تكفير كل من يبحث في القرآن وفي العلم ، كما
تطرق بعضهم إلى تخصيص البحث لفئة معينة دون غيرها مع أن القرآن نزل لكل الكرة
الأرضية لا لفئة معينة
فالآيات المتلاحقة في نزولها كانت تحثنا على
البحث في العلم ومحاولة الإجابة على ما جاء غامضا في القرآن الكريم بكل تقنيات
البحث وآليات التدبر لهذا القرآن في شكل من الأوامر الصارمة التي يعتبر التقصير
فيها هو تقصير عن التكليف الإلهي خصوصا بعد أن بدأ علم الروح يطرق باب هذا العصر
بكل وضوح .
ولقد عاش الإنسان عصورا مختلفة تميز كل عصر
منها بميزته الخاصة ، فكان عصر سيدنا موسى هو ذلك العصر الذي وصلت فيه التقنيات
السحرية أوج تطورها مما جعل إنسان ذلك العصر يفسر ظواهر الكون تفسيرا سحريا ولا
يزال هذا النوع من الناس يتواجدون في عصرنا الحالي
وكان عصر سيدنا عيسى عليه السلام هو ذلك
العصر الذي تميز بوصول المفاهيم الطبية إلى أقصى ذروتها ، كما كان عصر سيدنا محمد
(ص) هو ذلك العصر الذي وصلت فيه البلاغة لحد الإعجاز الكامل
أما عصرنا الحالي فتميز بوصول العلم
والتكنولوجيا بالصورة التي غيّر فيه شكل الحياة من جذورها وأصبح الإنسان الحالي
يختلف عن الإنسان القديم شكلا ومضمونا لكننا إذا أمعنا النظر جيدا لا نجد أن العلم
والتكنولوجيا كعامل وحيد لغزو هذا العصر ، بل أصبحت المفاهيم الروحانية المعقدة
تطرق باب كل أحد منا لولا تجاهلنا لها
إننا إذا ركزنا إنتباهنا دون تعصب أو أنانية
مع الإبتعاد عن كلمات المنع التي خلقها الإنسان من مثل بدعة وشرك وضلال للاحظنا
حدوث ظواهر غريبة جدا في عصرنا الحالي ولا يستطيع العلم تفسيرها مهما بلغ الإنسان
من إستعداد علمي ، ويقف العقل مشلولا أمام تفسير هذه الظواهر
المفاهيم التي لا يستطيع العلم تفسيرها هي
تلك التي نسميها بالمفاهيم الروحانية أو علم الروحانيات والتي أصبحت تغزو عقولنا
بالرغم من هروبنا منها نتيجة لجهلنا لها ونحن نعلم أن الناس أعداء ما جهلوا ، وأخبرنا
عنها سبحانه وتعالى حيث سماها بعلم الكتاب كما في الآية السابقة
ومن الواضح أن هذا العلم هو علم الروح فالعين
لا تستطيع النظر إلا في حدود رؤيتها بينما الروح تستطيع النظر لبعد مليارات
الأميال ، ولا تسمع الأذن إلا في حدود سمعها بينما الروح تستطيع أن تسمع لذبذبات
تبعدنا بكذا من السنوات الضوئية ، وجلب الأشياء عن بعد لا يمكن أن يكون من صنع
المفاهيم المادية في العلم بل هو من إختصاص الروحانيات
وقد توقف العلماء عند سرعة الضوء واعتبروها
السرعة القصوى بحيث لا يوجد سرعة أكبر منها ، بينما جلب عرش ملكة بلقيس كان بسرعة
أكبر من سرعة الضوء ، ونحن نلاحظ هذه السرعة يوميا أمام عيوننا وفي وعيينا دون أن
ننتبه لها
عندما تنظر لشيء ما وأنت فاتح عينيك ، فإنك
تنظر بعقلك الذي لا يستطيع تجاوز حدود هذا النظر ، ثم عندما تغمض عينيك وتحاول أن
تنظر بداخل نفسك إلى مدينة بعيدة عنك ، فإنك تراها في ظرف أقل بكثير من الثانية ،
هذه المدينة التي بينك وبينها مسيرة عشرة ساعات بالسيارة أو اكثر تراها وأنت مغمض
العينين بسرعة أكبر من سرعة الضوء النظرة
الأولى كنت تنظر بماديات جسمك ممثلة في العينين والعقل ، أما النظرة الثانية فأنت
تنظر بروحك وهذا هو المقصود بالمعنى الضيق لعلم الروح
ولا نجهل أنه في وقتنا الحالي توصل رجال الله
الصالحون إلى القيام بظواهر غريبة يعجز العقل عن تفسيرها ويقف أمهر العلماء أمامها
مشلولا دون حراك ، ولا يستطيع الجن القيام بمثلها إطلاقا كما أثبت ذلك القرآن
الكريم ومن بين
هذه الظواهر، الطيران في السماء ، والمشي على مياه البحر ، وطي الأرض أي قطع
مسافات طويلة في أقل من لمح البصر ، والمجيء بمعلومات دقيقة عن مستقبل العصور
القادمة وكيف تكون ، كما لو كان ذلك سفر عبر الزمن ومنهم من أخبرنا منذ قرنين من الزمن عن
عصرنا الحالي وظهور الطائرات والصواريخ ، والهوائيات المقعرة ، وعلم الرقيم ،
وعالم الأنترنيت وعن حضارة لا يمكن للإنسان تخيلها في ذلك الوقت على الإطلاق ، أوليس
هذا جزء من علم الكتاب الذي أشار إليه سبحانه وتعالى ؟
ولاحظنا من غير رجال الله الصالحين ظواهر
أخرى واقعية وأمام أعيننا مهما حاول شيطان الجهل إصرافنا عنها مثل ظاهرة الخروج عن
الجسد أو ما يسمى بالإسقاط النجمي أوليس هذا جزء من علم الكتاب ؟ ولاحظنا ما
يقوم به رجال اليوغا من ظواهر خارقة ليس لها تفسير علمي على الإطلاق من مثل مسك
سلك الكهرباء الحاوي على ثلاثين ألف فولط أو أكثر ، وذلك الذي يجر شاحنة كاملة
وزنها مئات الأطنان يجرها بأسنانه ، أو ليس هذا جزء بسيط فقط من علم الكتاب ؟ كما
لاحظنا ما يقوم به رجال الكارما والمفاهيم العميقة للتأمل ، أليس هذا جزء من علم
الكتاب ؟
سيقول الشيطانيون أي أولائك الذين يفسرون
الظواهر العلمية بالشيطان بأن هذه أعمال من الشيطان وهم الذين قال عنهم سبحانه
وتعالى بسم
الله الرحمن الرحيم يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم
نوره ولو كره الكافرون
التوبة/32
كما يقول الشبه فقهيون بأن هؤلاء مجوسيين
وملل أخرى ، مع العلم أن المفاهيم العلمية لا علاقة لها بالملل ولا بالجنسيات حيث
أن مجموع الواحد مع الواحد لا يعطي إلا إثنين بالضرورة عند جميع الأجناس سواء
مسلمين أو غير مسلمين
ومنهم من إستند على قول الله تعالى بسم
الله الرحمن الرحيم ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم
إلا قليلا الإسراء/85
لكن الإفرنج بحثوا في الروح ووصلوا لحقائق مدهشة كما لاحظناها بعيوننا ،
وهو ما يدل على أن فهمنا للآية كان فهما خاطئا من أساسه حيث أن الآية لم تضع حدا
للنشاط البشري في البحث ولم تقيّده بل أجازته وباركت فيه فعندما قال سبحانه
وتعالى قل الروح من أمري ربي ، كان من الواضح بأن هذه الآية تفيد التعميم وليس
التخصيص بمعنى أن الآية كانت عامة وليست خاصة ، فهي تقول بأن الروح من أمر ربي
مثلما هو الإنسان من أمر ربي أيضا ، والحياة كلها من أمر ربي والكون ، ولايوجد شيء
على الإطلاق ليس من أمر ربي فأين هو وجه المنع عن البحث هنا ؟
فالإنسان هو من أمر ربي ومع ذلك بحثنا فيه
ووصلنا إلى حقائق ، والكون من أمر ربي وبحثنا فيه ووصلنا ، والمخلوقات كلها هي من
أمر ربي وبحثنا فيها وهذا إنما يدل بأن الآية لم تمنعنا من البحث ويضيف
سبحانه وتعالى قوله وما
أوتيتم من العلم إلا قليلا بمعنى أنه يمكنكم البحث في الروح لولا أن العلم
الذي عندكم قليل ولو طورتم في إمكانياتكم العلمية وجعلتموها كثيرة لوصلتم لأشياء
هامة عن علم الروح
وكما قلنا فقد تواصلت الإستفهامات حول معرفة
ماهو علم الكتاب . والروحانيون فسروا ذلك بأن ذلك الذي يملك علم
الكتاب كان يعرف إسم الله العظيم الأعظم ، وتساءل العلماء حول معرفة هذا الإسم ولم
يهتدوا لشيء لأنه سر من أسرار الله سبحانه وتعالى بحيث أن الداعي به يكون دعاؤه
مستجابا في أقل من لمح البصر
وسأل الصحابه النبي (ص) عن إسم الله العظيم
الأعظم فأجاب بقوله الشريف بأنه ما بين إسم الله العظيم الأعظم وبين بسم الله
الرحمن الرحيم كما هو بين بياض العين وسوادها وهو
ما يشير بأن الرسول الكريم أشار بأنه لا يوجد فاصل بين البسملة الشريفة وبين هذا
الإسم العظيم وكأنه يقول بطريقة غير مباشرة بأن بسم الله الرحمن الرحيم هي نفسها
إسم الله العظيم الأعظم مما يجعل لزومية البحث في هذه الآية أمر مؤكد وضروري وكما
لو كان تكليفا إلهيا
البسملة لها أسرار عظيمة جدا ، وتكاد تكون
المحور الأساسي في علم الروحانيات وهو ما يجعلنا نتطرق إليها بدراسة تفصيلية بإذن
الله ولكم
مني أخلص التحيات الأخوية
الأحد، 21 يوليو 2019
الأربعاء، 17 يوليو 2019
السبت، 13 يوليو 2019
الجمعة، 12 يوليو 2019
الثلاثاء، 9 يوليو 2019
قال الذي عنده علم من الكتاب
الدرس الأول في الروحانيات ، قال الذي عنده علم من الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم سيداتي أوانسي سادتي السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
في هذا الموضوع سوف نتكلم عن الدرس الأول في الروحانيات ، وكما نعلم فقد أرسل الله الأنبياء والمرسلين عبرالدهور والأزمنة وعبر العصور المختلفة بتأييد مطلق تتخلله المعجزات الخارقة التي تبرهن على صدق نبوتهم ورسالتهم كما تبرهن على القدرة الإلهية العظيمة على الخلق والتصرف في مقاليد الكون مع تكليف الإنس والجن بعبادته ، ومن جهة أخرى ليعلمنا مالم نكن نعلمه من قبل.
في هذا الموضوع سوف نتكلم عن الدرس الأول في الروحانيات ، وكما نعلم فقد أرسل الله الأنبياء والمرسلين عبرالدهور والأزمنة وعبر العصور المختلفة بتأييد مطلق تتخلله المعجزات الخارقة التي تبرهن على صدق نبوتهم ورسالتهم كما تبرهن على القدرة الإلهية العظيمة على الخلق والتصرف في مقاليد الكون مع تكليف الإنس والجن بعبادته ، ومن جهة أخرى ليعلمنا مالم نكن نعلمه من قبل.
فقد أيد سيدنا موسى عليه السلام بمعجزة العصا التي ظهرت علائمها في كثير من الأمور الخارقة كهزم سحرة فرعون ، وشق البحر ، وشق الصخور لتفجير الماء ، والمجيء بالطعام لبني إسرائيل ، والكشف عن جريمة قتل غامضة إلى غير ذلك من المعجزات العظيمة
وأيد سيدنا عيسى عليه السلام بشفاء الأمراض المستعصية فكان يشفي الأبرص والأكمه إضافة إلى إحياء الموتى بإذن الله .
وأيد سيدنا سليمان بتسخير الجن والشياطين لخدمته والطير والريح ، كما أيد سيدنا محمد (ص) بمعجزة القرآن الكريم الذي فاق كل المعجزات
القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي نزل بلغة العلم ونادى به في ما يزيد عن مائة وسبعين آية إضافة إلى ما يزيد أيضا عن مائتين وسبعين آية داعية للتأمل .
وجاءت لغة العلم في القرآن الحكيم في جملة من الصيغ التعبيرية والمعرفية ومنها
اللغة التي تطرحها الآية ككل
واللغة التي تطرحها الكلمة في صفتها المنفردة
واللغة التي يطرحها الحرف ، مع العلم أن القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي جاء بلغة هذا الحرف
ثم اللغة التي تندرج في ما وراء الكلام أو ما وراء النص القرآني
ولا تزال الآيات العلمية تغزو تحديات العصر وتأتينا في كل مرة بما لم نكن نعلمه من قبل . وما من عالم يصل إلى نظرية أو حقيقة علمية إلا ويجد القرآن قد سبقه إليها منذ أربعة عشر قرنا لولا تلك الهجمة التي منعت الناس من تدبرهذا القرآن والإستدلال به ، وتلك السحابة القاتمة التي حجبت القرآن على عيون القراء ، وتلك الكلمات المدبرة والمدمرة التي وقفت كحاجز خطير وجدار صلب بين الإنسان والبحث في القرآن أو البحث في العلم كما يظهر ذلك في كلمة دجل ، ضلال ، شرك ، بدعة إلى غير ذلك من الكلمات التي أخرت المسلمين بمئات السنوات إلى الوراء
ولقد وقف العلم والعلماء عاجزين ومشلولين أمام تلك المعجزات الخارقة والظواهر الربانية والحقائق العلمية والأنوار الساطعة التي جاء بها القرآن منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرنا من الزمان والتي تفوق حد تصور الإنسان لها ويعجز العقل عن إدراكها و تحملها . فنلاحظ مثلا أن العالم الجليل آنشتاين من خلال النظرية النسبية توصل بأنه لا توجد سرعة أكبر من سرعة الضوء ، وفي هذه السرعة يتباطأ الزمن أو ينعدم كلية مع تضخم الكتلة المتحركة لدرجة الإنفجار وهو ما جعله يرفض الإعتراف بوجود سرعة أخرى أكبر من سرعة الضوء ويضع ذلك في طيات المستحيل وجاء بعده علماء آخرون بمفهوم التشابك الكمي والذين أقروا بجود سرعة أخرى تفوق سرعة الضوء وكما يقر بذلك القرآن الكريم
يخبرنا القرآن الكريم بوجود سرعة أخرى أكبر من سرعة الضوء في الوقت الذي كانت فيه الناس لا تعرف سوى سرعة الحصان أو سرعة البعير، ولا تعرف سوى الإسترسال في الخيال أو حمل السيف والتوجه لساحة القتال في هذا الوقت بالضبط تنزل الآيات الكريمة من وراء سبع سماوات عن طريق الملك جبرائيل على أعظم خلق الله سيدنا محمد (ص) في شكل قصصي يعبر عما دار بين سيدنا سليمان عليه السلام وبين ملكة بلقيس أو ملكة سبأ. ولم تأتينا هذه القصة من أجل التسلية أو اللهو حيث يقول سبحانه وتعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين الأنبياء/17 ولم ينزل القرآن من أجل قراءته على الموتى ، ولا من أجل تركه جانبا ، بل يشير إلى لزومية الإستدلال به طبقا لقوله عز وجل بعد بسم الله الرحمن الرحيم تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون الجاثية/6
ويخطئ بعضهم في عدم التمييز بين نزول القرآن وبين مخاطبته ، فهو نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، لكنه يخاطب بني الإنسان أجمعين ، وأنت لما تقرأ آية من الآيات تظن أنها تخاطب الرسول الكريم ، لكنها في الحقيقة تخاطبك أنت بالضبط في اللحظة التي تقرأ فيها الكتاب طبقا لقوله عز وجل بعد بسم الله الرحمن الرحيم واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا الكهف/27 وكلمة أتل هي فعل أمر ، وفعل الأمر هو فعل آني أي الآن وفي هذه اللحظة بالضبط التي تقرأ فيها أنت هذا الكتاب ، وضمير المخاطبة واضح جدا دون لبس أو غموض وهو موجه إليك أنت لا غيرك ثم يحثنا سبحانه وتعالى في كثير من الآيات على تدبر القرآن ومنها قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ص/29 وراح بعضهم يتفهم في عبارة أولي الألباب على أنها أولي العقول ، بينما هناك فرق شاسع جدا بين كلمة الألباب وكلمة العقول . فالعقول تشير إلى ما يكتسبه الإنسان من مجموعة الأفكار والأوامر والنواهي والمباديء والتعاليم المختلفة من بئته عن طريق ما يقدمه الناس له في صفة مكتسبة أما الألباب فهي تشير إلى ذلك الجوهر الميتافيزيقي أو الروحي الذي يملكه الإنسان بفطرته الربانية أي أنه يولد معه وهو ما يسمى بالبصيرة فالعقول هي جمع عقل وتدل على ما يكتسبه الإنسان من بئته عن طريق التعلم من الآخرين ، أما الألباب فتدل على يولد مع الإنسان بالفطرة
وكذلك الأسلوب القصصي في الذكر الحكيم لم يأت من أجل التسلية بل من أجل الإستنتاج لما وراء القصة وهو ما يشكل أكبر حجم من الإعجاز للقرآن الكريم وقد إستعمل سبحانه هذا الأسلوب من أجل إستنتاج المفهوم الباطني الذي يتراءى في ما وراء القصة.
وقصة نبي الله سيدنا سليمان مع ملكة سبأ قصة معروفة من خلال الجميع ولذلك نذكرها بإيجاز واختصار من أجل الوصول إلى ما نريد الوصول إليه فقد كان الهدهد موظفا في المخابرات العسكرية لدى الملك سليمان عليه السلام و قام هذا النبي الكريم بتفقد الطير فوجد هذا الهدهد غائبا ، مما عرضه إلى الحكم بالإعدام أو التعذيب إذا لم يأت بشهادة تبرر غيابه . وجاء الهدهد يحمل خبر وجود إمرأة تتولى شؤون قوم وهي تعبد النار دون عبادة الله . وقام سليمان عليه السلام كعادة كل الأنبياء والمرسلين بالتأكد من صحة الخبر تأكدا عيانيا ورفضا للآليات السمعية مهما كان قائلها ، بإرسال رسالة إلي ملكة سبأ مع نفس الهدهد حيث ألقاها أمامها من بعيد هذه الرسالة التي أرسلها سيدنا سليمان عليه السلام كانت ذات هدف ثنائي أو مزدوج ويهدف أولا إلى تجديد الثقة في الهدهد كأحد قواته في المخابرات العسكرية أو عقابه على غيابه وكذبه وثانيا هداية ملكة سبأ إلى الصراط المستقيم ولما وصلت الرسالة إلى الملكة ، قامت هي الأخرى بمحاولة جس النبض للملك سليمان عن طريق إرسال هدية مالية إليه ، فإذا كان نبيا فإنه يرفض هذه الهدية من أصلها ، أما إذا كان على غير ذلك فإنه يكتفي بالمال ويسكت عنها . وفي الوقت نفسه بعثت بجواسيسها لاختبار قوة الملك سليمان وعلمت أن جيشه يتكون من السباع والنمرة والفيلة وقوات أخرى لا عهد للإنسان بها ، وشعرت بالفشل واستسلمت لليأس وقررت المجيء إليه بنفسها
أما سيدنا سليمان عليه السلام ، فإنه لما وصلت الهدية إليه إستاء كثيرا من هذا الرد الغير مشروع ، وطالب على جناح السرعة جلب عرشها قبل أن تصل هذه الملكة مصداقا لقوله عز وجل بعد بسم الله الرحمن الرحيم قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن ياتوني مسلمين النمل/38 وعند ذلك قام عفريت من الجن يعرض قوته الحربية على الملك سليمان وانفرد باقتراح المجيئ بها قبل أن يقوم النبي من مكانه أي قبل أن ينهي جلسته طبقا لقوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين النمل/38 هذه المبادرة طبعا لم ترض الملك سليمان واعتبرها ضعيفة ، لأنها لم تناسب الظرف الحربي لتلك الواقعة ، ذلك لأن الجن يتصرف في حدود الزمان والمكان ولا يستطيع الخروج عن ذلك ، بينما سليمان كان يريدها مبادرة خارج حدود الزمان والمكان إقتناصا للسرعة المطلوبة
هذا المفهوم يدمر تلك الظنون الخاطئة التي تتهم فيها رجال الله الصالحين في أنهم كانوا يستخدمون الجن لأغراضهم الدنيوية . فالجن طبعا يتصرف في حدود الزمان والمكان فقط ، بينما ما قام به رجال الله الصالحون كان يحدث خارج إطارالزمان والمكان مما يدل على أن تدخل الجن في أعمالهم إنما هي أوهام وخرافات تستهدف ضرب كرامات الإسلام والمسلمين وتقضي على السلطة الروحية للمسلم
وفي الوقت نفسه قام أحدهم والذي عنده علم من الكتاب بالإقتراح السريع على الملك سليمان بأنه في إمكانه أن يأتي بعرش ملكة بلقيس في أسرع من لمح البصر ، ولم ينتظر هذا المبادر الرد من الملك سليمان بالموافقة بل جاء بها في ظرف أقل من لمح البصر وذلك طبقا لقوله بسم الله الرحمن الرحيم قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك النمل/40 هذه هي السرعة التي أخبرنا بها سبحانه وتعالى تفوق سرعة الضوء وذلك لأن الآية قالت قبل أن يرتد إليك طرفك وليست بعد أن يرتد إليك طرفك توظيف كلمة قبل تدل على سرعة أكبر من سرعة الضوء وتوظيف كلمة بعد تدل على سرعة الضوء نفسها أو أقل منها ولهذا ركزنا في المحاضرات الروحانية السابقة على أثر الكلمة في النص ودقتها في تحديد المعنى وخاصة تلك المحاضرة التي هي تحت عنوان التشريح المورفولوجي للنص
لم تأت هذه القصة من أجل التسلية بها ، بل جاءت طارحة لمجموعة كبرى من المفاهيم التي نحاول الإختصار فيها ما أمكن ومن بينها هو أنه سبحانه عز وجل أراد أن يخبرنا بوجود لغة أخرى يشترك فيها بنو البشر جميعا وهي لغة ما وراء الكلام التي لا ينطقها الإنسان بلسانه وبجهازه الصوتي بل يستنتجها بمنطقه أو بصيرته من مثل إستنتاج السرعة التي تفوق سرعة الضوء كما أشار القرآن لذلك ومنهم من يسميها باللغة الصامتة كما أن منهم من يسميها باللغة الباطنية أو لغة ما وراء الكلام كما أراد سبحانه وتعالى أن يخبرنا بوجود اللازمان واللامكان الخارج عن نطاق إدراكنا له إدراكا حسيا أو عقليا بل يمكننا إدراكه ببصيرتنا إذا كانت نامية ومن جهة أخرى فإن الله سبحانه يعلم بأن بعض المسلمين بعد خروجهم من عبادة الأوثان في الجاهلية الأولى سيدخلون في الجاهلية الثانية عن طريق عبادتهم للجن الذي سوف يغالون في قدرته مع أنه فاشل لا حول له ولا قوة وقد أقصاه سليمان من الساحة الحربية ورشح بدله الإنسان المالك لعلم الكتاب إنها تلك المقارنة والموازنة بين قدرة الجن وقدرة الإنسان وبعبارة أكثر وضوحا فإنها تلك الموازنة بين التيار السحري والتيار العلمي وظهر في الأخير تغلب التيار العلمي بكل وضوح .
وقد حذرنا سبحانه وتعالى من الإسترسال الوهمي في الإستعانة بالجن في قوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا الجن/6 وهنا أوضح سبحانه وتعالى بأنه كان من بين الناس من إستعان بالجن في قضاء أمورهم الدنيوية ولكن محاولتهم إنتهت بالفشل بل زادهم هذا الجن تعبا وإرهاقا وفشل تام . وهناك مفاهيم أخرى كثيرة لا يسعنا الوقت لكتابتها كلها وتفاديا للخروج عما نحن بصدده
يتساءل العلماء عن ماهية ذلك الذي جاء بعرش ملكة بلقيس ، وظهرت في ذلك ثلاثة إتجاهات الإتجاه الأول يرى بأن الذي جاء بعرش بلقيس هو وزيرالملك سليمان والإتجاه الثاني يرى بأنه الملك سليمان نفسه والإتجاه الثالث يرى بأنه سيدنا الخضر عليه السلام
وبتعقيبنا على الإتجاه الأول نرى بأن الذي جاء بعرش بلقيس ليس هو وزير الملك سليمان ذلك لأنه لا يملك علم الكتاب ولا يوجد لذلك أثر في القرآن الكريم حيث يقول سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم ما فرطنا في الكتاب من شيئ الأنعام/38 أما الإتجاه الثاني الذي يرى بأن الذي قام بهذا العمل هو الملك سليمان نفسه فقد إعتمد على الآية بسم الله الرحمن الرحيم ولقد آتينا داوود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين النمل/15 فالآية أشارت إلى أن الملك سليمان هو الذي كان يملك علم الكتاب بصفته كنبي لكن ما يجعلنا نتراجع عن هذا المعتقد هو التحديد الدقيق الذي قام به سبحانه وتعالى للعلم الذي أعطاه للنبيين داوود وسليمان عليهما السلام حيث أعطاهما منطق الطير لا أكثر ولا أقل طبقا لقوله بعد بسم الله الرحمن الرحيم وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين النمل/16 أي أن العلم الذي علمه سبحانه وتعالى لنبيه سليمان هو منطق الطير وليس التصرف خارج حدود الزمان والمكان ، وهو ما يستبعد تفسير الظاهرة بسليمان عليه السلام أما الإتجاه الثالث فهو يرى بأن المبادرة تمت من طرف سيدنا الخضر عليه السلام لأنه الشخص الوحيد الذي علمه علم الكتاب طبقا لقوله بسم الله الرحمن الرحيم فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما الكهف/65 ذكر الله سبحانه وتعالى العلم الذي علمه لسيدنا الخضر في صورة من التعميم وليس التخصيص بمعنى أنه علمه العلم كله وليس فرع واحد من العلم كما هو شأن سيدنا سليمان الذي علمه منطق الطير فقط ، بل علمه جميع العلوم بما فيها التصرف في الأشياء وجلبها عن بعد خارج إطار الزمان والمكان ومع ذلك تبقى الإتجاهات الثلاثة في حالة صراع يتأرجح بين الشك واليقين
ويتساءل العلماء مرة أخرى حيث يخرجون من الإطارالتاريخي إلى الإطار المعرفي حول محاولة إدراك ماهية هذا العلم الذي علمه لذلك المالك لعلم الكتاب فماهو هذا العلم الذي أشار إليه سبحانه وتعالى ؟ وكيف نصل إليه ؟ هل أشار الله لهذا العلم ليبق غامضا علينا ؟ هل أنزل الله المفاهيم العلمية في كتابه ليبق هذا العلم مجهولا ؟ هل طالبنا الله بالبحث في العلم لكي لا نبحث في العلم ؟ هل يطالبنا الله بالبحث في شيء وفي نفس الوقت يمنعنا منه؟ هل أنزل الله القرآن ليبق كتابا مغلقا ؟ أليس الله هو القائل بقوله بعد بسم الله الرحمن الرحيم واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ؟ الكهف/27 أليس الله هو الذي يحثنا على تدبر القرآن كما في قوله بعد بسم الله الرحمن الرحيم كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ص/29
إنك تلاحظ أيها الطالب أن هناك نوع من التناقض في الفهم ، لكن هذا التناقض ليس من صنع الله بل من صنع الإنسان بفهمه القاصر وفلسفته الخاطئة فالآيات المتلاحقة في نزولها كانت تحثنا على البحث في العلم ومحاولة الإجابة على ما جاء غامضا في القرآن الكريم بكل تقنيات البحث وآليات التدبر لهذا القرآن في شكل من الأوامر الصارمة التي يعتبر التقصير فيها هو تقصير عن التكليف الإلهي وعليه فإنه لابد من البحث عن هذا العلم الذي علمه الله لعبده الصالح ، خصوصا بعد أن بدأ علم الروح يطرق باب هذا العصر بكل وضوح ، وهذا هو هدفنا من وراء كل المحاضرات القادمة التي تتناول المفاهيم الروحانية
ولكم من رابح ميساوي أطيب التحيات الأخوية
وأيد سيدنا عيسى عليه السلام بشفاء الأمراض المستعصية فكان يشفي الأبرص والأكمه إضافة إلى إحياء الموتى بإذن الله .
وأيد سيدنا سليمان بتسخير الجن والشياطين لخدمته والطير والريح ، كما أيد سيدنا محمد (ص) بمعجزة القرآن الكريم الذي فاق كل المعجزات
القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي نزل بلغة العلم ونادى به في ما يزيد عن مائة وسبعين آية إضافة إلى ما يزيد أيضا عن مائتين وسبعين آية داعية للتأمل .
وجاءت لغة العلم في القرآن الحكيم في جملة من الصيغ التعبيرية والمعرفية ومنها
اللغة التي تطرحها الآية ككل
واللغة التي تطرحها الكلمة في صفتها المنفردة
واللغة التي يطرحها الحرف ، مع العلم أن القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي جاء بلغة هذا الحرف
ثم اللغة التي تندرج في ما وراء الكلام أو ما وراء النص القرآني
ولا تزال الآيات العلمية تغزو تحديات العصر وتأتينا في كل مرة بما لم نكن نعلمه من قبل . وما من عالم يصل إلى نظرية أو حقيقة علمية إلا ويجد القرآن قد سبقه إليها منذ أربعة عشر قرنا لولا تلك الهجمة التي منعت الناس من تدبرهذا القرآن والإستدلال به ، وتلك السحابة القاتمة التي حجبت القرآن على عيون القراء ، وتلك الكلمات المدبرة والمدمرة التي وقفت كحاجز خطير وجدار صلب بين الإنسان والبحث في القرآن أو البحث في العلم كما يظهر ذلك في كلمة دجل ، ضلال ، شرك ، بدعة إلى غير ذلك من الكلمات التي أخرت المسلمين بمئات السنوات إلى الوراء
ولقد وقف العلم والعلماء عاجزين ومشلولين أمام تلك المعجزات الخارقة والظواهر الربانية والحقائق العلمية والأنوار الساطعة التي جاء بها القرآن منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرنا من الزمان والتي تفوق حد تصور الإنسان لها ويعجز العقل عن إدراكها و تحملها . فنلاحظ مثلا أن العالم الجليل آنشتاين من خلال النظرية النسبية توصل بأنه لا توجد سرعة أكبر من سرعة الضوء ، وفي هذه السرعة يتباطأ الزمن أو ينعدم كلية مع تضخم الكتلة المتحركة لدرجة الإنفجار وهو ما جعله يرفض الإعتراف بوجود سرعة أخرى أكبر من سرعة الضوء ويضع ذلك في طيات المستحيل وجاء بعده علماء آخرون بمفهوم التشابك الكمي والذين أقروا بجود سرعة أخرى تفوق سرعة الضوء وكما يقر بذلك القرآن الكريم
يخبرنا القرآن الكريم بوجود سرعة أخرى أكبر من سرعة الضوء في الوقت الذي كانت فيه الناس لا تعرف سوى سرعة الحصان أو سرعة البعير، ولا تعرف سوى الإسترسال في الخيال أو حمل السيف والتوجه لساحة القتال في هذا الوقت بالضبط تنزل الآيات الكريمة من وراء سبع سماوات عن طريق الملك جبرائيل على أعظم خلق الله سيدنا محمد (ص) في شكل قصصي يعبر عما دار بين سيدنا سليمان عليه السلام وبين ملكة بلقيس أو ملكة سبأ. ولم تأتينا هذه القصة من أجل التسلية أو اللهو حيث يقول سبحانه وتعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين الأنبياء/17 ولم ينزل القرآن من أجل قراءته على الموتى ، ولا من أجل تركه جانبا ، بل يشير إلى لزومية الإستدلال به طبقا لقوله عز وجل بعد بسم الله الرحمن الرحيم تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون الجاثية/6
ويخطئ بعضهم في عدم التمييز بين نزول القرآن وبين مخاطبته ، فهو نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، لكنه يخاطب بني الإنسان أجمعين ، وأنت لما تقرأ آية من الآيات تظن أنها تخاطب الرسول الكريم ، لكنها في الحقيقة تخاطبك أنت بالضبط في اللحظة التي تقرأ فيها الكتاب طبقا لقوله عز وجل بعد بسم الله الرحمن الرحيم واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا الكهف/27 وكلمة أتل هي فعل أمر ، وفعل الأمر هو فعل آني أي الآن وفي هذه اللحظة بالضبط التي تقرأ فيها أنت هذا الكتاب ، وضمير المخاطبة واضح جدا دون لبس أو غموض وهو موجه إليك أنت لا غيرك ثم يحثنا سبحانه وتعالى في كثير من الآيات على تدبر القرآن ومنها قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ص/29 وراح بعضهم يتفهم في عبارة أولي الألباب على أنها أولي العقول ، بينما هناك فرق شاسع جدا بين كلمة الألباب وكلمة العقول . فالعقول تشير إلى ما يكتسبه الإنسان من مجموعة الأفكار والأوامر والنواهي والمباديء والتعاليم المختلفة من بئته عن طريق ما يقدمه الناس له في صفة مكتسبة أما الألباب فهي تشير إلى ذلك الجوهر الميتافيزيقي أو الروحي الذي يملكه الإنسان بفطرته الربانية أي أنه يولد معه وهو ما يسمى بالبصيرة فالعقول هي جمع عقل وتدل على ما يكتسبه الإنسان من بئته عن طريق التعلم من الآخرين ، أما الألباب فتدل على يولد مع الإنسان بالفطرة
وكذلك الأسلوب القصصي في الذكر الحكيم لم يأت من أجل التسلية بل من أجل الإستنتاج لما وراء القصة وهو ما يشكل أكبر حجم من الإعجاز للقرآن الكريم وقد إستعمل سبحانه هذا الأسلوب من أجل إستنتاج المفهوم الباطني الذي يتراءى في ما وراء القصة.
وقصة نبي الله سيدنا سليمان مع ملكة سبأ قصة معروفة من خلال الجميع ولذلك نذكرها بإيجاز واختصار من أجل الوصول إلى ما نريد الوصول إليه فقد كان الهدهد موظفا في المخابرات العسكرية لدى الملك سليمان عليه السلام و قام هذا النبي الكريم بتفقد الطير فوجد هذا الهدهد غائبا ، مما عرضه إلى الحكم بالإعدام أو التعذيب إذا لم يأت بشهادة تبرر غيابه . وجاء الهدهد يحمل خبر وجود إمرأة تتولى شؤون قوم وهي تعبد النار دون عبادة الله . وقام سليمان عليه السلام كعادة كل الأنبياء والمرسلين بالتأكد من صحة الخبر تأكدا عيانيا ورفضا للآليات السمعية مهما كان قائلها ، بإرسال رسالة إلي ملكة سبأ مع نفس الهدهد حيث ألقاها أمامها من بعيد هذه الرسالة التي أرسلها سيدنا سليمان عليه السلام كانت ذات هدف ثنائي أو مزدوج ويهدف أولا إلى تجديد الثقة في الهدهد كأحد قواته في المخابرات العسكرية أو عقابه على غيابه وكذبه وثانيا هداية ملكة سبأ إلى الصراط المستقيم ولما وصلت الرسالة إلى الملكة ، قامت هي الأخرى بمحاولة جس النبض للملك سليمان عن طريق إرسال هدية مالية إليه ، فإذا كان نبيا فإنه يرفض هذه الهدية من أصلها ، أما إذا كان على غير ذلك فإنه يكتفي بالمال ويسكت عنها . وفي الوقت نفسه بعثت بجواسيسها لاختبار قوة الملك سليمان وعلمت أن جيشه يتكون من السباع والنمرة والفيلة وقوات أخرى لا عهد للإنسان بها ، وشعرت بالفشل واستسلمت لليأس وقررت المجيء إليه بنفسها
أما سيدنا سليمان عليه السلام ، فإنه لما وصلت الهدية إليه إستاء كثيرا من هذا الرد الغير مشروع ، وطالب على جناح السرعة جلب عرشها قبل أن تصل هذه الملكة مصداقا لقوله عز وجل بعد بسم الله الرحمن الرحيم قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن ياتوني مسلمين النمل/38 وعند ذلك قام عفريت من الجن يعرض قوته الحربية على الملك سليمان وانفرد باقتراح المجيئ بها قبل أن يقوم النبي من مكانه أي قبل أن ينهي جلسته طبقا لقوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين النمل/38 هذه المبادرة طبعا لم ترض الملك سليمان واعتبرها ضعيفة ، لأنها لم تناسب الظرف الحربي لتلك الواقعة ، ذلك لأن الجن يتصرف في حدود الزمان والمكان ولا يستطيع الخروج عن ذلك ، بينما سليمان كان يريدها مبادرة خارج حدود الزمان والمكان إقتناصا للسرعة المطلوبة
هذا المفهوم يدمر تلك الظنون الخاطئة التي تتهم فيها رجال الله الصالحين في أنهم كانوا يستخدمون الجن لأغراضهم الدنيوية . فالجن طبعا يتصرف في حدود الزمان والمكان فقط ، بينما ما قام به رجال الله الصالحون كان يحدث خارج إطارالزمان والمكان مما يدل على أن تدخل الجن في أعمالهم إنما هي أوهام وخرافات تستهدف ضرب كرامات الإسلام والمسلمين وتقضي على السلطة الروحية للمسلم
وفي الوقت نفسه قام أحدهم والذي عنده علم من الكتاب بالإقتراح السريع على الملك سليمان بأنه في إمكانه أن يأتي بعرش ملكة بلقيس في أسرع من لمح البصر ، ولم ينتظر هذا المبادر الرد من الملك سليمان بالموافقة بل جاء بها في ظرف أقل من لمح البصر وذلك طبقا لقوله بسم الله الرحمن الرحيم قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك النمل/40 هذه هي السرعة التي أخبرنا بها سبحانه وتعالى تفوق سرعة الضوء وذلك لأن الآية قالت قبل أن يرتد إليك طرفك وليست بعد أن يرتد إليك طرفك توظيف كلمة قبل تدل على سرعة أكبر من سرعة الضوء وتوظيف كلمة بعد تدل على سرعة الضوء نفسها أو أقل منها ولهذا ركزنا في المحاضرات الروحانية السابقة على أثر الكلمة في النص ودقتها في تحديد المعنى وخاصة تلك المحاضرة التي هي تحت عنوان التشريح المورفولوجي للنص
لم تأت هذه القصة من أجل التسلية بها ، بل جاءت طارحة لمجموعة كبرى من المفاهيم التي نحاول الإختصار فيها ما أمكن ومن بينها هو أنه سبحانه عز وجل أراد أن يخبرنا بوجود لغة أخرى يشترك فيها بنو البشر جميعا وهي لغة ما وراء الكلام التي لا ينطقها الإنسان بلسانه وبجهازه الصوتي بل يستنتجها بمنطقه أو بصيرته من مثل إستنتاج السرعة التي تفوق سرعة الضوء كما أشار القرآن لذلك ومنهم من يسميها باللغة الصامتة كما أن منهم من يسميها باللغة الباطنية أو لغة ما وراء الكلام كما أراد سبحانه وتعالى أن يخبرنا بوجود اللازمان واللامكان الخارج عن نطاق إدراكنا له إدراكا حسيا أو عقليا بل يمكننا إدراكه ببصيرتنا إذا كانت نامية ومن جهة أخرى فإن الله سبحانه يعلم بأن بعض المسلمين بعد خروجهم من عبادة الأوثان في الجاهلية الأولى سيدخلون في الجاهلية الثانية عن طريق عبادتهم للجن الذي سوف يغالون في قدرته مع أنه فاشل لا حول له ولا قوة وقد أقصاه سليمان من الساحة الحربية ورشح بدله الإنسان المالك لعلم الكتاب إنها تلك المقارنة والموازنة بين قدرة الجن وقدرة الإنسان وبعبارة أكثر وضوحا فإنها تلك الموازنة بين التيار السحري والتيار العلمي وظهر في الأخير تغلب التيار العلمي بكل وضوح .
وقد حذرنا سبحانه وتعالى من الإسترسال الوهمي في الإستعانة بالجن في قوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا الجن/6 وهنا أوضح سبحانه وتعالى بأنه كان من بين الناس من إستعان بالجن في قضاء أمورهم الدنيوية ولكن محاولتهم إنتهت بالفشل بل زادهم هذا الجن تعبا وإرهاقا وفشل تام . وهناك مفاهيم أخرى كثيرة لا يسعنا الوقت لكتابتها كلها وتفاديا للخروج عما نحن بصدده
يتساءل العلماء عن ماهية ذلك الذي جاء بعرش ملكة بلقيس ، وظهرت في ذلك ثلاثة إتجاهات الإتجاه الأول يرى بأن الذي جاء بعرش بلقيس هو وزيرالملك سليمان والإتجاه الثاني يرى بأنه الملك سليمان نفسه والإتجاه الثالث يرى بأنه سيدنا الخضر عليه السلام
وبتعقيبنا على الإتجاه الأول نرى بأن الذي جاء بعرش بلقيس ليس هو وزير الملك سليمان ذلك لأنه لا يملك علم الكتاب ولا يوجد لذلك أثر في القرآن الكريم حيث يقول سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم ما فرطنا في الكتاب من شيئ الأنعام/38 أما الإتجاه الثاني الذي يرى بأن الذي قام بهذا العمل هو الملك سليمان نفسه فقد إعتمد على الآية بسم الله الرحمن الرحيم ولقد آتينا داوود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين النمل/15 فالآية أشارت إلى أن الملك سليمان هو الذي كان يملك علم الكتاب بصفته كنبي لكن ما يجعلنا نتراجع عن هذا المعتقد هو التحديد الدقيق الذي قام به سبحانه وتعالى للعلم الذي أعطاه للنبيين داوود وسليمان عليهما السلام حيث أعطاهما منطق الطير لا أكثر ولا أقل طبقا لقوله بعد بسم الله الرحمن الرحيم وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين النمل/16 أي أن العلم الذي علمه سبحانه وتعالى لنبيه سليمان هو منطق الطير وليس التصرف خارج حدود الزمان والمكان ، وهو ما يستبعد تفسير الظاهرة بسليمان عليه السلام أما الإتجاه الثالث فهو يرى بأن المبادرة تمت من طرف سيدنا الخضر عليه السلام لأنه الشخص الوحيد الذي علمه علم الكتاب طبقا لقوله بسم الله الرحمن الرحيم فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما الكهف/65 ذكر الله سبحانه وتعالى العلم الذي علمه لسيدنا الخضر في صورة من التعميم وليس التخصيص بمعنى أنه علمه العلم كله وليس فرع واحد من العلم كما هو شأن سيدنا سليمان الذي علمه منطق الطير فقط ، بل علمه جميع العلوم بما فيها التصرف في الأشياء وجلبها عن بعد خارج إطار الزمان والمكان ومع ذلك تبقى الإتجاهات الثلاثة في حالة صراع يتأرجح بين الشك واليقين
ويتساءل العلماء مرة أخرى حيث يخرجون من الإطارالتاريخي إلى الإطار المعرفي حول محاولة إدراك ماهية هذا العلم الذي علمه لذلك المالك لعلم الكتاب فماهو هذا العلم الذي أشار إليه سبحانه وتعالى ؟ وكيف نصل إليه ؟ هل أشار الله لهذا العلم ليبق غامضا علينا ؟ هل أنزل الله المفاهيم العلمية في كتابه ليبق هذا العلم مجهولا ؟ هل طالبنا الله بالبحث في العلم لكي لا نبحث في العلم ؟ هل يطالبنا الله بالبحث في شيء وفي نفس الوقت يمنعنا منه؟ هل أنزل الله القرآن ليبق كتابا مغلقا ؟ أليس الله هو القائل بقوله بعد بسم الله الرحمن الرحيم واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ؟ الكهف/27 أليس الله هو الذي يحثنا على تدبر القرآن كما في قوله بعد بسم الله الرحمن الرحيم كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ص/29
إنك تلاحظ أيها الطالب أن هناك نوع من التناقض في الفهم ، لكن هذا التناقض ليس من صنع الله بل من صنع الإنسان بفهمه القاصر وفلسفته الخاطئة فالآيات المتلاحقة في نزولها كانت تحثنا على البحث في العلم ومحاولة الإجابة على ما جاء غامضا في القرآن الكريم بكل تقنيات البحث وآليات التدبر لهذا القرآن في شكل من الأوامر الصارمة التي يعتبر التقصير فيها هو تقصير عن التكليف الإلهي وعليه فإنه لابد من البحث عن هذا العلم الذي علمه الله لعبده الصالح ، خصوصا بعد أن بدأ علم الروح يطرق باب هذا العصر بكل وضوح ، وهذا هو هدفنا من وراء كل المحاضرات القادمة التي تتناول المفاهيم الروحانية
ولكم من رابح ميساوي أطيب التحيات الأخوية
الثلاثاء، 2 يوليو 2019
أخطار الحرارة في فصل الصيف والتخلص من الحيوانات الزاحفة والعقارب السامة
الوقاية من العقارب والأفاعي
بسم الله الرحمن الرحيم
سيداتي أوانسي سادتي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
في هذا الموضوع سوف نرشدكم إلى كيفية الوقاية من العقارب والأفاعي
فطبعا مع الدخول في موسم الحرارة الشديدة
خصوصا في المناطق الصحراوية المتميزة بمناخ حار تظهر العقارب والزواحف القاتلة
بسمومها وفي إطار
الوقاية من هذه الحيوانات المخيفة ، فإننا نقدم لكم في هذا الموضوع وصفة ثمينة
مجربة للأمن من شرها وطردها نهائيا من المناطق الآهلة بالسكان ومنعها من الدخول
إلى البيوت والمساكن بإذن الله وهي وصفة
عشبية لا تقدر بثمن ومجربة وتتكون أساسا من نبات العرعر
العرعر نبات غني عن التعريف فهو من النباتات
المعمرة والدائمة الخضرة ، ينمو في المناطق الباردة ويتميز برائحته المنعشة
لاحتوائه على الكثير من الزيوت الطيارة وله فوائد طبية كثيرة ومنها علاج الأمراض
الجلدية وبعض الأمراض المزمنة مثل الصدفية والإكزيما والبثور والدمامل وفي علاج
عسر البول والتخلص من حصوات المجاري البولية وثقل المعدة والإستسقاء
كذلك علاج الشهقة والتخفيف من الإصابة بأمراض
القلب وتسكين آلام الأسنان وقروح اللثة وتساقط الشعر يمنع
ظهور الشيب كما يعمل على جبر الكسور ورض المفصل كما يفيد في حالة ضيق الرحم عند
النساء ، والفتق
وبالإختصار ، كاد نبات العرعر أن يكون صيدلية
كاملة ، غير أن الذي يهمنا هو طرد الهوام من الدار والحشرات الضارة والحيوانات
الزاحفة وخصوصا الأفاعي والأعقارب لما لها من خطر على حياة الإنسان بسبب سمها
السريع النفوذ إلى مناطق الجسم المختلفة بما فيها الجهاز العصبي
وقد قامت السلطات الإستعمارية بزرع أشجاره
بمختلف الطرقات والأحياء وعلى الشوارع نظرا في أن رائحته التي تنطلق مع الفجر ومع
هبوب نسيم المساء تفيد في علاج أمراض الصدر بمختلف أنواعها وجميع المسالك الهوائية
ولعلاج حالات الربو والمساهمة في القضاء على الحشرات الضارة
وببالغ الأسف والأسى قضي على هذه الأشجار
وقطعها ونزعها من الأحياء من طرف الشعب بسبب جهله لفوائدها
ومن أجل الوقاية ومنع العقارب والأفعاعي من
الدخول إلى المساكن والبيوت وطردها نهائيا ، نضع أوراق العرعر وبذوره على النار
لاستخلاص دخنه وانتشار رائحته بداخل السكن لمدة ساعة على الأكثر خصوصا مع المساء
إنتشار رائحة نبات العرعر بداخل البيوت
والديار خصوصا مع المساء يطرد الحشرات والأقارب والأفاعي ويمنعها منعا باتا من
الدخول إلى البيوت وإيذاء أهلها لأنها لا تحتمل ذلك الدخن لاحتوائه على تلك الزيوت
الطيارة أو تموت في مكانها إذا لم تستطع الهرب
وكيفية عمل ذلك توضع آنية من الحديد على
النار لغاية إحمرارها بعد تعرضها لدرجة عالية من الحرارة ويوضع عليها كمية مناسبة
من أوراق وبذور العرعر حيث يتصاعد الدخان شيئا فشيئا إلى أن يعم كل السكن ويستمر
على ذلك لمدة ساعة حيث يضيف كل مرة كمية مناسبة من الأوراق والبذور فإن ذلك يؤدي
إلى الأمن التام من خطر الأفاعي ولسع العقارب ويمكن تأثيره أيضا على الحشرات
الضارة بصحة الإنسان
ويجب أخذ الحيطة والحذر نوعا ما في ما إذا
كان بداخل البيت من هو مصاب بالربو ومشاكل التنفس
وأخيرا تقبلوا مني فائق الشكر والتحيات
الأخوية
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)