تحصين عظيم من الجن والمس والسحر والحسد
حديث السلام والوقاية
يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم . الحديث صحيح لا بمدلول الرواة فحسب بل بمدلول مطابقته للقرآن الكريم في الكثير من الآيات ، ومنها قوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها الأعراف/ 180 . فهو يقول عليه الصلاة والسلام بأن إسم الله كفيل بتحصين الإنسان وحفظه من جميع الآفات والمساوئ والمضار من أمراض ومن مكائد الجن ومردة الشياطين ، والسحر والحسد ، وكل ما يضر بالإنسان ، وطبعا هذا كلام النبي الذي لا ينطق عن الهوى مصداقا لقوله عز وجل بعد بسم الله الرحمن الرحيم وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى النجم / 3 ، 4. ومن جهة أخرى فقد أمرنا سبحانه وتعالى إتباع سنة رسوله الكريم في أوامره وأقواله وأفعاله مصداقا لقوله عز وجل بعد بسم الله الرحمن الرحيم وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا الحشر / 7
طرح المشكلة الرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد بأن أسم الله حفظ وأمان للإنسان من جميع المضار ، غير أننا لا ندرك هذا الإسم الذي تكلم عنه هذا النبي الكريم ولا نعرفه ، بل أن معرفته تدخل في أطار المجهول بمجهوليتنا نحن لتدبر الأحاديث وتدبر القرآن . وطبعا اسماء الله الحسنى معروفة حسب قول العلماء وتقدر بتسعة وتسعين إسما شريفا ، فأي إسم منها هو المقصود من طرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
لزومية تدبر الأحاديث والقرآن ومن أجل فك الطلاسم والألغاز ومجهولية المعاني الواردة في آيات القرآن وأحاديث الرسول ، يأمرنا سبحانه وتعالى بالتدبر الجيد لهذه الآيات والأحاديث مصداقا لقوله عز وجل بعد بسم الله الرحمن الرحيم كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر اولو الألباب سورة ص / 29 فمن الواضح بأن الله سبحانه وتعالى يأمرنا بتدبر القرآن وليس مجرد قراءته ، ولا يستثنى من ذلك تدبر الأحاديث النبوية الشريفة ، على غرار ما ظهر في أقوال بعض الضالين وميلهم لتحريم البحث في القرآن حتى أن منهم من يقول من أين أتيتم بهذا ، وازداد غرورهم بأنفسهم حيث يتساءلون في عتو ونفور فيقولون وهل أنتم تعرفون الرسول أكثر منا . هذا الغرور ناتج بطبيعة الحال عن هجرانهم لتدبر القرآن وما جاء فيه من العلم العظيم ، وهم لا يدروا بأنهم وقفوا ضد قوله تعالى ورفض تكليفه . التدبر معناه النظر في معنى الآية بمدلول الطرح الدقيق للكلمات بحيث أن هذه الكلمات موضوعة في مكانها المناسب بدقة لا متناهية ولا يمكن تعويض أي كلمة منها بكلمة أخرى على الإطلاق ، وبحيث أن هذه الكلمات هي التي تبني المعنى الدقيق للآية ، ثم النظر في ما وراء هذه الآية ، والنظر في جميع الصيغ اللغوية الطارحة للمعنى ، وقد تكلمنا عن ذلك في المحاضرات المتعلقة بعلم الكلمة وذلك عبر قناتنا وليس في هذه المدونة .
البحث عن الإسم بواسطة بواسطة التدبر والتحليل وقد يقول بعضهم أن هذا الإسم هو أسماء الله الحسنى كاملة ، ومع الأسف الشديد نقول لهم أن الرسول ص قال مع إسمه بلغة المفرد ولم يقل مع أسمائه بلغة الجمع ولابد من ملاحظة دقة الكلمات التي تحدد دقة المعنى في قوله الشريف . ومن حيث العبارة ( بسم الله الذي ) نرى أن هذا الإسم يحدد صفة رحيمة من صفات الله سبحانه وتعالى وليست صفة من صفات القهر أي لابد وأن تكون هذه الصفة رحيمة إذ ليس من المعقول أن يقول الرسول شيئا نفعيا في الإنسان عن طريق صفة القهر في الله سبحانه وتعالى ، وبهذا تكون معظم الأسماء قد أستثنيت من البحث ولم يبق سوى الأسماء الدالة على رحمته سبحانه وتعالى . ثم نلاحظ في قوله ص بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شيء في الأرض ولا في السماء ، بأنه ذكر كلمتين مختلفتين متعاكستين تماما وهما : الأرض والسماء . الأرض تدل على ما يخرج منها من هوام وحيوانات مؤذية وأمراض وخاصة بالليل ولذلك يقول سبحانه وتعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق ، والفلق هو الليل والليل معناه الظلام ونحن لا نستطيع أن نر في الظلام بل نسمع فقط ولذلك ذكر رسولنا الكريم إسمه تعالى السميع .
وإذا كانت الأرض تدل على ما يخرج منها ، فإن السماء تدل على ما يعرج فيها من جن وشياطين وملائكة ، وهي تدل على الصفاء ، النور ، بعكس الظلام ، لكننا لا نستطيع أن نر كل شيء في السماء وخاصة الجن والشياطين و الملائكة ، ولو كان كذلك لقال الرسول إسمه تعالى البصير بدلا من العليم . إسمه تعالى العليم يدل على أننا لا نستطيع رؤية كل ما يعرج في السماء لكن بإمكاننا أن نعلم بعضا من ذلك ، فنحن لا نرى كوكب الزهرة ولا المشترى ولكننا على بعض العلم بها ولاحظ الترتيب النبوي للكلمتين : في الأرض ولا في السماء ، فذكر الأرض قبل السماء ، ولاحظ الترتيب في الإسمين السميع العليم فذكر السميع قبل العليم مما يدل على أن لإسمه السميع علاقة بما يخرج من الأرض ، ولإسمه العليم علاقة بما يعرج في السماء . وهكذا يصبح الإسمان الشريفان وهما السميع العليم موضع الشك في أنهما مقصود الرسول الكريم في حديثه السابق.
بينيات الحديث وبرجوعنا مرة أخرى إلى الحديث السابق في قوله صلى الله عليه وسلم وهو بسم الله الذي لا يضر مع أسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ، وعندما نصل إلى كلمة وهو نتساءل هو ماذا؟ .... هو السميع العليم ، وكأن الرسول يخبرنا بطريقة ضمنية أو بطريقة ما بين الكلمات ، كأن يقول لنا بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شيء في الأرض ولا في السماء ، وهذا الإسم هو السميع العليم . وربما يكون المفهوم صعبا نوعا ما على الفهم ولكن هذا هو التدبرالذي هو تكلفة إلهية والذي يأخذ التحليل منهجا حتميا له .
الإشكال والطرح اللغوي في التحليل وبقي الآن إشكال واحد وهو أن الرسول قال إسمه بلغة المفرد ولم يقل إسميه بلغة المثنى مع أننا نلاحظ وجود إسمين هما السميع العليم وليس إسم واحد . عندما نتطرق لإسمه السميع نجد أن له معنى خاص به يختلف عن معاني الأسماء الأخرى وبالمثل إسمه العليم ، فالسميع له معنى ، والعليم له معنى آخر يختلف ، لكن إذا مزجنا الإسمين مع بعض يصبح لهما معنى آخر يختلف كلية عن معنى السميع وعن معنى العليم ويصبح لهما قوة باطنية تكمن في الإتحاد كما لو كانا إسما واحدا وليس إسمين ولذلك قال الرسول إسمه ولم يقل إسميه . أراد الرسول ص أن يدلنا على الخلق الإلهي للقوة القاهرة ضد الكائنات المؤذية لعباده وذلك عن طريق المزج بين قوتين تسنيا للإتحاد بحيث يصبحان قوة واحدة لها مميزاتها بشكل يختلف عن القوات الأخرى في الدرجة والتأثير.
ولتقريب المعنى أكثر نتطرق إلى القوة القاهرة الضارة التي بعثها الله في الريح ، وإلى القوة النافعة التي بعثها في الرياح ، بمعنى أن الريح شيء والرياح شيء آخر ، وذلك من خلال الآيات التي تكلمت عن ذلك ، فنتدبر في ذلك أن الله عندما يذكر الريح لأسباب نفعية فيما يحتاج إليه الكون والطبيعة والإنسان يذكره بلغة الجمع فيقول الرياح كقوة مشتتة غير متحدة مع بعضها فلا تؤدي إلى التدمير بل تؤدي إلى مافيه خير لمخلوقاته ، كما في قوله عز وجل بعد بسم الله الرحمن الرحيم وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين . الحجر/22 فهو يقول في عزيز قوله بأنه أرسل الرياح من أجل تلقيح الأزهارالأنثوية بغبار الطلع الناتج عن الأزهار الذكرية في ما يفيد النباتات على وجه الطبيعة وما يفيد الإنسان ، وطبعا التقنية الإهية النفعية المستعملة هنا هي تقنية التوزيع والتشتيت .
الفرق بين القراءة والتدبر وربما وإلى هذا الحد يكون القارئ قد أدرك بأن هناك فرق كبير بين القراءة والتدبر ، حيث أن القراءة تعني ذلك التوجه السطحي لآية من الآيات أو حديث من الأحاديث أو نص من النصوص توجها خاليا من الإدراك العقلي للمواضيع التي يطبعها الإستفهام ، وبه تظل المفاهيم السماوية غامضة إلى يوم الدين مثل ما كان الغموض في في إسمه تعالى السميع العليم . فإذا قرأنا الحديث قراءة سطحية فإننا لن نصل إلى شيء ، أما إذا تدبرناه بعقل يطبعه قوة الإنتباه والتركيز ، فإننا نصل إلى أشياء وأشياء ، خاصة حينما ندرك بأن الإسم الذي نريد معرفته مذكور في صياغ الحديث وبكل وضوح ونصل إليه بتقنية بسيطة وهي التخلص من أنانيتنا وتحيزنا الشديد لمن يعتقدون بأنهم المالكين لزمام الحقيقة وما هم منها في شيء عدى الوهم والضلال .
دلائل العمل والتطبيق الذاكر لإسمه تعالى السميع العليم أو الكاتب له بمواصفات العلماء ، لن يضره شيء مما يخرج من الأرض وما يعرج من السماء ، غير أن هذا الذكر يكون طبقا لقوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم وكل شيء عنده بمقدار الرعد/ 8 فالله سبحانه وتعالى قدرالأشياء تقديرا حسابيا ورياضيا حتى في ذكر أسمائه لأن الشيء كلمة شاملة لكل ما هو موجود من حيث هو موجود فلا تدفعنا أنانيتنا إلى إعتبار أن ذلك الشيء هو شيء والآخر ليس بشيء .
التقدير الحسابي لإسمه السميع هو 451 ، والتقدير الحسابي لإسمه العليم هو 181 ، والتقدير الحسابي للإسمين مع بعض هو 632 . وطبعا الذاكر لإسم الله السميع العليم أو الكاتب له بعدده المعين وهو على حالته الصادقة مع الله ، يكون محصنا من الأمراض ومن مكائد الجن ومردة الشياطين مهما كان شكلها وقوتها ولا يؤمن بذلك إلا أولي الألباب ولا قوة تفوق قوة الله . هذا الإسم الشريف يقترب كثيرا من إسمه تعالى القهار ولا يحتاج القارئ أو المعني بالأمر في بعض الأعمال إلى تحصين آخر خصوصا في الأماكن المهجورة والتي تسكنها طوائف الجن .
أما عن كيفية العمل به فقد شرحنا كثيرا مرارا وتكرارا كيفية التصرف بأسماء الله بطريقة شرعية صحيحة ، وإن كان هناك نقص ما فاطرحوه في التعليقات .
