لن يفلت..
على كل طريق رقيب..
ليس أمامه إلا الصحراء..
إنهم ثلاثة فقط..
محمد وأبو بكر ودليلهما عويقب..أعرف الناس بالصحراء..
- ماهذا ؟ أعراب يسيرون غربا ؟
نعم ، نعم ، ومثلك يعرف..
يقولون أنك تقتفي أثر الطير بأنفك..
- يامحمد أخرج ولك بنا أن نعود بك حيا إلى مكة..
- أحذروا ، هذه المغارات مليئة بالأفاعي..
- ليسوا هنا..هذه الحمامة عشها قائم..
ونسيج العنكبوت لم يتمزق..

- فعلا...
أثناء عودتك من سفرك الذي سافرته لمدة طويلة من الزمن.. فإن الأعداء
ستتفقدك..
أعداءك الذين يحبونك أن تبقى على ظلالك القديم..
سيبحثون عنك..سيقتفون أثرك..يريدون أن يعيدوك إلى ملتهم.. ملة الهرب من
الله والنفس والمجتمع..
حاول أن تختف في بعض المغارات..
لكن أحذر.. إن هذه المغارات مليئة بالأفاعي ..
أفاعي لديها أنياب بارزة.. وسم قاتل..
تقوم أنيابها مقام المراقبة
الشديدة.. على علم بأي ورقة تسقط من شجرة.. وبحركة أي دابة حتى ولو كانت نملة..
إنها لا تعرف الأوقات الشرعية للصلاة ، لكنها تعرفك إن دخلت المسجد أم لا..
هي لا تصلي.. لكنها تراقبك هل صليت أم لم تصل..
إنها تعرف أي دكان دخلته .. وأي دار خرجت منها.. ماذا تحمل في يدك.. ومع من
تكلمت..
مراقبة على مدار السنة.. بل على طول الدهر..
أنت لا تعرف تاريخ إزدياد أولادك لكن هم يعرفونه..
تخرج أحيانا من منزلك وأنت لا تعرف إلى أين ستذهب.. لكن هذه الفئة تعرف
مسبقا إلى أين أنت ذاهب..سترصد حركاتك.. وتتنبأ بمصيرك قبل أن يحدث..
إنها فئة وظفت نفسها للمراقبة و التجسس دون أن يوظفها أحد..
تلتقط الأخبار مثلما يلتقط الطير الحب..
دونما فائدة..
ولا ندري.. ربما لهم فوائد..
لو أن مجهودات التجسس والمراقبة صرفوها في الدراسة لكانوا علماء..
فأثناء عودتك من سفرك المشؤوم ..ستراقبك هذه الفئة.. وستخبر عنك أعداءك ..
ويعيدونك إلى ملتهم ولن تفلح إذن أبدا..
أهل الكهف كانوا يخافون من جنود الملك دقيانوس..
والرسول(ص) كان يخاف قريش قبل إسلامهم..
ومجاهدوا الثورة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي كانوا يخافون من الخونة..
أما أنت فتخاف من فئة ظالة..
فئة متجسسة عليك وعلى الغير.. دون معرفة هويتهم وأهدافهم من وراء هذا..
فاخرج ليلا بعد صلاة العشاء..وتوقف بعد صلاة الفجر..
لكي لا يعرفوا حركاتك وسكناتك..
إن أنيابهم تمثل شدة وقوة المراقبة الدقيقة..
خبرة طويلة جدا..
وتدريب دقيق..
إنه يقتفي أثر الطير بأنفه..
أما السم القاتل فيمثله كلامهم وكلماتهم الخطيرة..
فما أن تلتقي به حتى تتحول الساحة إلى سوق للنميمة..
كل الجرائد عنده ..
النهار والشروق و...
قال فلان..وضرب فلان فلانا.. والتقى فلان بفلان..وشتم زيد عمرا.. وطلق فلان
فلانة..و..
دون الخروج بنتيجة..
إن هذا الكلام الذي تسمعه سيثنيك عن عزمك لا محالة إلا إذا كانت إرادتك
قوية جدا..
سيثنيك عن الرجوع.. لأنه كلام مخيف جدا..
كلام يبعث على التشاءم..
إنهم يحاولون أن تبقى على عدوانيتك..ولذلك يخبرونك ماذا قال الغير عنك من
سلبيات.. ليزداد حقدك بازدياد عدوانيتك..
لكنك أثناء رجوعك ركبت على مركبة إسمها الحب المعاكس للعدوان..
وسرت بحركات بطيئة على عكس حركاتك السريعة أثناء سفرك..
والتزمت بألا تؤمن بشيء حتى تراه بعينك.. فلا تنصت إلى ما يقولونه من
نميمة..
وارتبطت بما يراه إحساسك وبصيرتك وفطرتك الربانية فيك.. ورميت العقل
جانبا..
ذلك لأن العقل مليء بتوجيهات الآخرين ذات الأفكار البتراء..
الإحساس أو البصيرة شيء فطري فيك..
المغارات التي تحاول أن تختبئ فيها أثناء عودتك.. مليئة بالأفاعي .. فكن
حذرا..
لكن سم هذه الأفاعي لن يؤثر فيك أبدا ، إذا كنت ملتزما بالحب.. حب كل شيء
فيه خير..
حب الإنسان.. وحب الكون..وحب الطبيعة.. وحب الله.. وحب الوطن .. بحيث لا
يترك هذا الحب نصيبا للعدوانية أبدا..
ولن تؤثر فيك هذه الأفاعي ما دمت تسير ببطء واطمئنان..
ولن تؤثر فيك مادمت قد رميت السمعيات جانبا.. والتزمت بالمرئيات
والملموسات..
هذه قمة الإيمان الصادق..
إننا نخاف من الأفاعي وهي بعيدة عنا ، ولا نخاف من أفاعي تعيش معنا..
لا تعادي من يعاديك.. فبحبك له يمكنك أن تغير من عدوانيته..
هذه العدوانية هي التي خلقت الأمراض الجسدية والنفسية و الإجتماعية بيننا..
ألم تر أن السماء تبخل بمطرها إذا حل العدوان في مجتمع ما ، وفشي المنكر
بينهم .. وخصوصا إذا أريقت الدماء ؟
ألم تجرب بأن الماشية يكون لحمها رديئا إذا ذبحها شخص عدواني ؟
وعلى العكس يكون لحما طيبا إذا ذبحها شخص حنون ومحب..
ألم تر أن الصواعق تنزل حيث يكون المنكر والعدوان ؟
وعلى العكس تبتعد عن مناطق الرحمة وحب الخير..
بالحب تستطيع أن تغير مجتمعات نحو الرحمة والحب..
وبالحب تبني وطنك ودولتك.. وبه تداوي أمراضا عجزت العقاقير الطبية عن
علاجها ..
وفي الآية :
" وإنه لحب الخير لشديد "
إن تلك الأفاعي الموجودة في المغارات ذات الأنياب الجاهزة للسع.. إنما
هدفها زرع العدوان بين أفراد المجتمع.. لأنها تعلم أن هذا العدوان هو الذي سيفتك
بها..
العدوان أشد ضررا من الأسلحة الفتاكة.. والسموم القاتلة..
لأن العدوان هو الذي يدفعك إلى حمل السلاح..
أحمل وردة بيدك ، بدلا من تحمل خنجرا.. وسترى أن الفرق كبير جدا..
عندما تحمل وردة بيدك فإن ملائكة الله تحيط بك..
وعندما تحمل خنجرا فإن الشياطين تلازمك..
عد إلى نفسك وذاتك الحقيقية..وإلى حب مجتمعك ووطنك.. وإلى حب الخير وحب
الله..
ولا تخاف من الأفاعي مادمت في حب الخير.. إنما أحذرها فقط..
إبتسامة في وجه أخيك صدقة..
إن الذي يخبرك عما هدته السيول ، لن يخبرك أبدا عما أنتجته هذه السيول من
نباتات وفواكه وحبوب وخضار..
والذي يخبرك على أن فلان يغتابك.. لن يخبرك أبدا في أن فلان آخر يحبك
ويمدحك..
والذي يستمتع بصوتك الجميل ، يستمتع أيضا بعويلك وبكائك..
فكن حكيما بالحكمة التي أودعها الله فيك..
فهناك من يزرع الحقد والكراهية والبغضاء بين أفراد المجتمع ، ويريد تمزيق
الصفوف..
فكن أنت ممن يزرع الحب والتآلف والتعاطف بين أفراد هذا المجتمع من أجل بناء
صرح العروبة والإسلام..
وستكتشف بعد حين أنه بمحبتك وابتسامتك ، وحنانك وعطفك .. أنت مجاهد حقا..
وأنت العابد الحقيقي لله..
فالعبادة لا توجد وراء العدوان..بل توجد وراء المحبة الصادقة..
وتذكر قوله(ص):
" المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق