اعلان

الاثنين، 27 يوليو 2015

فرضية التخاطر




لقد قلنا في الموضوع السابق تحت عنوان ( مؤشرات التخاطر) ، بأن هناك مجموعة من الملاحظات التي صاغها الإنسان عبر العصور السابقة والعصر الحالي ، والتي تلفت الإنتباه بأن هناك أشياء تفرض نفسها على ساحة المعرفة ، وتلزمنا بالإنتباه إليها بالتفاتة علمية من أجل تفسيرها ، وتوضيح جوانبها الخفية وألغازها المبهمة ..
ولا يجهل أحدنا أبدا بأن هناك أمور غير طبيعية ، أو غير عادية ، تحدث لنا في كثير من المرات ، على مدار الحياة ، غير أننا  نجهل تفسيرها وأسبابها..
جهل التفسير للحوادث وعدم معرفة أسبابها ، لا يرجع إلى الفشل في المعرفة فحسب ، وإنما يرجع بالدرجة الأولى إلى عدم الإهتمام ، اللامبالات والتجاهل ورفض الإعتراف بالواقع..
ورفض الإعتراف بالواقع هو نوع من التحدي الذي يستعمله الإنسان الخائف والفاقد للشعور بالأمن.. حيث أن رفضه للفكرة في أي مجال كانت ، هو رمز للشجاعة والإنتصار بالنسبة إليه..
فعندما يرفض الإنسان الإعتراف بفكرة ما ، فإنه يشعر بنشوة الإنتصار على الذي طرح هذه الفكرة.. وإنما ذلك إنتصار وهمي ومؤقت إذ تعود الفكرة تراوده في يوم من الأيام ولم يجد لها سبيل ، بحكم ضياع وقتها ومناسباتها التي حدثت فيها..
والحادثة العلمية لا يمكن دراستها إلا بالعلم ، ولا مجال للميادين الأخرى من مناقشتها مهما كانت أدلتها الوهمية..
وإذا تدخل العلم في تفسير هذه الحوادث المعقدة ، والألغاز المبهمة ، فإنه يبدأ  بتطبيق خطوات المنهج التجريبي في دراسته التي تبدأ كالعادة بمجموعة من الخطوات ، وأولها الفرضية ..
لتدخل بعد ذلك خطوة التحقق من هذه الفرضية والتحقيق فيها عن طريق التجربة..
ثم خطوة الملاحظة..
ثم خطوة الإستنتاج..
ونعني بالفرضية تلك الخطوة التي يبدأ بها العالم في دراسته لظاهرة من الظواهرالتي  أثارت إهتمامه ، حيث يضع تفسيرا مبدئيا أو إفتراضيا لتلك الظاهرة.
أما التجربة ، فنعني بها تلك الإجراءات التي يتخذها العالم من أجل التحقق من تلك الفرضية التي وضعها..
ويلي التجربة مباشرة ، خطوة الإستنتاج الذي نعني به الإنتقال من الحكم الذاتي على الظاهرة إلى الحكم الموضوعي ، حيث يتمكن العالم من وضع التفسير الأخير لهذه الظاهرة ، والذي لا يختلف عنده إثنان ، مهما إختلفت جنسياتهم أو عقيدتهم .
حينما يضع العالم فرضيته ، فإن تفسيره للظاهرة يكون ذاتيا ، مع تدخل المعارف المسبقة في هذا التفسير التي تشكل عائقا  إبستيمولوجيا ..
وحينما يصل لخطوة الإستنتاج ، فإنه ينتقل من الحكم الذاتي إلى الحكم الموضوعي ، حيث تتلاشى في كثير من الحالات المعارف المسبقة بحكم خطئها ، وتتلاشى العوامل الإبستيمولوجية تحت ضوء المعطيات الباشلارية.
وفي مثل موضوعنا هذا ، فإن العالم يفسر الظاهرة التي أشرنا إليها تحت مفهوم التخاطر..
أي أن العالم بعد ملاحظته لتلك الظواهر المعرفية والشعورية والعاطفية التي أدت إلى حدوث تواصل بين إنسان وآخر دون أي وساطة .. يفسرها بمفهوم التخاطر..
ونعني به ذلك التواصل الذي يحدث بين إنسان وآخر ، دون أي وساطة ، في زمان معين ، وفقا لأسباب وشروط مجهولة..
ويقوم الإفتراض على أساس وجود قدرة خاصة لدى الإنسان تمكنه من إرسال أفكار أو مشاعر أو عواطف إلى إنسان آخر لديه القدرة أو الإستعداد لاستقبال هذه الأفكار..
وبهذا يصبح لدينا مبدئيا مفهومين أساسيين في فرضية التخاطر وهما :
الإرسال:
وهو المبادرة التي يقوم بها إنسان ما من أجل التواصل مع إنسان آخر تواصلا مجردا من أي جهاز..في زمان ومكان معين.
الإستقبال :
هو ذلك الإستعداد الذي يملكه الإنسان في لحظة ما ، من أجل تلقيه لأفكار مرسولة من طرف غيره.
غير أن هذه المفاهيم التي جاءت بها الفرضية ، هي مفاهيم ذاتية ، كأي رأي من طرف أي إنسان ، ليس لديه أي دليل علمي في ذلك الحكم.. وهو ما يرفضه العلم رفضا قاطعا ، إذا لم يتم التحقق منه عن طريق التجربة والملاحظة والإستنتاج ، حيث يدخل الحكم في إطاره الموضوعي بدلا من إطاره الذاتي .. وهو ما سنتطرق إليه في المواضيع القادمة ، حيث نقوم بتطبيق تجارب من أجل التأكد من صحة الفرضية ، والتأكد من صحة التخاطر.

ليست هناك تعليقات: