اعلان

الجمعة، 3 يوليو 2015

مـن واقـع الوفاء





في ضواحي بوغزول.. كانت تسكن الحاجة مريم.. وهي  في عمر يناهز الثمانين..
مات زوجها عنها منذ حوالي عشرين سنة..
تزوجت بناتها..
وتزوج أولادها ، الواحد تلو الآخر ، وانفصلوا عنها في سكنات أخرى مع زوجاتهم دون مراعات لحقوق الوالدين وبرهم .. ودون مراعاة لصلة الرحم..
بقيت الحاجة مريم وحدها في الدار ، وليس لها ما يؤنسها سوى كلبة من كلاب الصيد..إسمها " ريشة "..
وشيئا فشيئا..ويوم بعد يوم.. أصيبت الحاجة بمرض شديد ألزمها الفراش..وعجزت عن النهوض من مكانها.. ولم يصبح لديها القدرة على تحضير الأكل أو الإتيان بالماء..
ولما أشرفت على الهلاك ، لم يبق لها إلا الإستنجاد بكلبتها ريشة..
فنادتها حتى جاءت وبدأت تحاورها :
" عزيزتي ريشة.. منذ أن ربيتك.. لم أبخل عليك يوما بتقديم أحسن المأكولات من طعام ، ولبن ، ولحوم.. ولم أتركك جائعة أبدا.. وكنت لا أنام حتى أطمئن عليك بأنك في أحسن حال ، لا تعانين من الجوع ولا العطش.."
" حبيبتي ، كنت أعتبرك بمثابة إبنتي.. لكنني أظن أنك أحسن من بناتي وأولادي.. حيث أنهم رحلوا عني وبقيتي أنت معي تؤنسيني.. فإذا كانت تربيتي لك في محلها .. فآتيني بقدح الماء لأشرب وأتوضأ.."
وعند ذلك صاحت ريشة صيحة شديدة كأنها تعبر بها عن حزنها على مولاتها الحاجة مريم.. ثم أخذت إناء الماء بفمها وقدمته لها لتشرب..
وجاءتها ببعض البقايا من الخبز فغمستها بالماء ، وراحت تعطيها قطعة بعد الأخرى حتى إطمأنت من أكلها وشبعها..
ولا زالت ريشة تخدمها ، وتقدم لها ما تحتاجه من أكل أو شراب ، وتنام بجانبها..
وما إنفكت تأتيها ببعض النباتات كالشيح وغيره ، بحيث تنقعه في الماء وتعطيها تشرب..
وبعد مدة .. طلبت الحاجة مريم من ريشة أن تذهب لإحدى بناتها ، التي تسكن منها على بضعة كيلومترات ، فتخبرها بأن أمها على وشك الموت..
إنطلقت ريشة كالسهم الخاطف ، حتى وصلت لإبنة الحاجة مريم.. وراحت تومئ وتشير برجلها إلى الجهة التي تسكنها الحاجة ، وتصيح أحيانا أخرى ، حتى تفطنت إبنتها في أن أمها قد تكون في خطر ، فأسرعت إليها على عربة من عربات الخيل مع زوجها..
أخبرت الحاجة مريم إبنتها بالدور الذي لعبته معها الكلبة ريشة .. وماتت بعد يومين..
ولقد ظلت ريشة عازفة عن الأكل والشرب طيلة أيام حتى ماتت هي الأخرى ..

ليست هناك تعليقات: