اعلان

‏إظهار الرسائل ذات التسميات السحر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السحر. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 20 أغسطس 2015



المغالطات المنطقية المشهورة

يعمد بعض من السياسيين ، والمحامون، والخطباء ، والصحفيون ، والكتاب ، والمؤلفون .. وكذلك الذين يتحركون من أجل تفجير الوضع في بلد ما ، إلى إستخدام مجموعة من الطرق والأساليب ذات الصبغة الديماغوجية الهادفة إلى التظليل والإيهام والمغالطة من أجل الإقناع بما هو مزيف ..
وقد أشار آرسطو إلى بعض منها كما يلي :
/1  المغالطة بالعرض:
وهي استنتاج قاعدة عامة من حالة شاذة ..
أو تطبيق االخاص على ما هو عام ..
 مثل الحكم على سكان بلد معين بحسن الخلق أو الذكاء من خلال مخالطة أحدهم ..
 فقد ندخل بلدا ما ، ونخالط أحد سكانه مخالطة طويلة ، نكتشف من ورائها إيجابيات أخلاق ذلك الشخص ، من حسن في المعاملة ، واستقامة في السلوك ، والكرم.. وعند ذلك نحكم على جميع سكان هته البلاد بحسن الأخلاق بناء على حسن أخلاق الشخص السابق.
فالمقياس المستعمل هنا ، هو مقياس خاطئ من أصله ، ذلك لأن لزيد سلوك ، ولعمر سلوك آخر يختلف.. ولأن السلوك هو وليد البئة التي يعيش فيها الإنسان.. والبئة ليست بئة واحدة بل هي بئات متعددة..
فالبئة الحالية التي يعيش فيها الإنسان ، ليست هي البئة التي إنحدر منها هذا الإنسان..
وليست هي البئة التي قضى بها طفولته..
وليست هي البئة التي عاش فيها أجداده القدماء..
فقد نجد إنسانا يعيش حاليا في بئة ما بجسده.. لكنه يعيش بفكره وسلوكه في بئة ترجع إلى مئات أو آلاف السنوات..
أو نحكم على الإسلام من خلال المنتسبين إليه...
فالمسلمون غالبا ليسوا هم الإسلام..
فالمسلمون شيء والإسلام شيء آخر..
فهم يمثلون جزء من الكل..
ويستحيل جدا أن يكون جزء الشيء هو كله[1]..
وعندما نرى جماعة أو فئة منهم منحرفة عن النهج والصراط المستقيم ، نحكم على الإسلام كله بالإنحراف عن الحقيقة ..
إن هذا المقياس هو مقياس بالعرض.. أي بتطبيق ما هو خاص على ما هو عام.. أو التسوية بين الجزء وكله..
والكثير من أشباه المثقفين يذهب ضحية لهذا الإيهام الخطير.
وقد نرى في الجامعات ، طالبات منحرفات ، فنحكم على كل الطالبات الباقيات بالإنحراف.. بينما منهن من تقوم الليل.. وتصوم كل إثنين وخميس.. وتترقب أوقات الصلاة مثلما يترقب الرضيع لأمه.. تنام بالإستغفار ، وتستيقض به..
ويقول الرسول (ص) :
" حسبنا ونسبنا لا ينقطع إلى يوم الدين "
ومن الأساتذة من يظهر بسلوك قبيح ، وليس عندئذ بقية الأساتذة...
مقياس العرض هو ذلك المقياس الذي يملكه الإنسان الذي لا زال يعيش بعقل إنسان ما قبل التاريخ..أو الإنسان الذي يأخذ منه الجهل مأخذا عظيما.. أو الذي لا زال يعيش بعقل الصغار..
2/ مغالطة المصادرة على المطلوب ( مغالطة تحصيل الحاصل ) :
وهي أن نحكم على شيء ما حكما مسبقا دون أي دليل ، ثم نبدأ في البرهنة عليه بعد ذلك ..  مثل أن  نلقي  بشخص في السجن دون أي تهمة أو دليل قانوني أو شرعي ، ثم نبدأ بعد ذلك في البحث عن تهمة نوجهها إليه ..
في هذا النوع من المغالطة ، التي قال بها آرسطو ، يكون الحكم سابقا للدليل..
أو مثل الذي يستحسن نظاما من الأنظمة أو دينا معينا أو مذهب ما ، ثم يشرع بعد ذلك في التنقيب عن دليل يوافق معتقده أو رغبته وهواه..
 /3 مغالطة تجاهل المطلوب :
وهي تلك التي يتم فيها عمليتان أساسيتان في المغالطة والإيهام .. وهما :
التجاهل والإستبدال..
وفيه  يتم تجاهل الموضوع المراد أثباته، واستبداله بإثبات غيره ، حيث يتوهم المستمع أو القارئ في أن المتكلم أو الكاتب قد جاء بالحجة  والدليل الرسمي للموضوع المقصود .. فتلاحظ أن هناك موضوعان تداخلا مع بعضهما بحيث جاء الثاني منهما من أجل الإيهام والمغالطة..
وهذا الأسلوب نجده سائدا جدا في المجتمعات التي يتوفر فيها الجهل..
كأن  نسأل احدهم أين تذهب الروح عند خروجها من الجسد ؟
فيجيب و أين يذهب النور عند إنطفاء الشمعة ؟
لاحظ أن الموضوع الأول والأصلي هو " الروح و الجسد "
والموضوع الثاني أو الإيهامي هو " النور والشمعة "
تداخل الموضوعان في ما بينهما بحيث طغى هذا الثاني على الأول بالإعتماد على عملية الإستبدال وأصبحت عملية الإيهام واضحة..
وكان يسأل شخص عن سبب اندلاع الحرب العالمية الثانية  
فيجيب باسباب انتشار المجاعة..
 وكان يقال لماذا هذا الشخص لا يصلح ان يكون مديرا
لانه طويل اوقصيراو قبيح المنظر اوماشابه ذلك ..
أو يسأل أحدهم ما تعريف السحر ؟
فيقال بأن الجن مخلوق من مارج من نار..
فالموضوع الأول والأصلي كان المطلوب فيه هو تعريف السحر
وجاء الموضوع الثاني يتكلم عن عملية خلق الجن ..
وبوضوح أكثر:
كان الموضوع الأول هو السحر..
وجاء الموضوع الثاني يتكلم عن الخلق..
وقد ظهر هذا النوع من المغالطة في كتاب :
" الصارم البتار في محاربة السحرة الأشرار"
حيث يهم الكاتب بإعطاء تعريف للسحر على ضوء الكتاب والسنة فيأتي بأحاديث تتكلم  عن الملائكة ، والجن والشياطين ، والرؤيا الصالحة وغير الصالحة ، والآذان ...
وهنا يتوهم القارئ في أن الكاتب جاء بالأدلة التي تعطي تعريف السحر .. في حين أن الكاتب جاء بأحاديث تتكلم عن عملية الخلق.. ولا علاقة لهذا بذاك..
والمهم في هذا النوع من المغالطة الآرسطوية هو أن القارئ أو المستمع يصاب بالوهم الناتج عن عملية المغالطة بالإستبدال.. وقد راح شعبنا ضحية لهذه المكيدة وأصيب بزيغ في إيمانه الديني..
4/ مغالطة التركيب :
 وهى تنشأ عندما يستعمل لفظ له نفس التعريف بمعنيين مختلفين
مثل:
 كل عسل لذيذ
العسل مائع
ـــــــــــــــــــــــــــ
النتيجة : المائع لذيذ
فتلاحظ عندئذ أن الموضوع الأول يقول بأن العسل لذيذ..
ويأتي الموضوع الثاني ليقول بأن أحد صفات العسل هو أنه مائع..
تداخل الموضوعان مع بعضها بالشكل الذي يسمح للمخادع في أن يلقنك نتيجة عمياء وهي أن كل مائع لذيذ..
ويقابلها في البلاغة ما يسمى بالتورية ، مثل : فدارهم ما دمت في دارهم
5/ مغالطة التقسيم :
وهي التي تنشأ من تقسيم الأشياْء أو تحليلها ، مثل قولنا : العدد 3 هو زوج وفرد في نفس الوقت ، لأنه يتألف من 1، 2 .
 فعند جمع 1 مع 2 نحصل على العدد 3

6/مغالطة جمع المسائل في مسألة واحدة :
وهي الجمع بين متاضدين والإجابة عنهما بجواب واحد .
مثل أن يقال لك :
هل القميص الذي كان يرتديه فلان أسود ام أبيض؟
السواد والبياض متضادان..فإن قال المجيب " نعم " فإن هذه الإجابة في نظر المستمع تنطبق على اللونين مع بعض وتحدث المغالطة.
وهل الوقت الآن ليلا ام نهار؟
فتجيب فقط بنعم
/7 مغالطة الشك :
الذي يشك لا يصدق بالحقيقة . بينما ينسى أن شكه صدق وحقيقة . أي أنه لا يشك بأنه يشك
اوالذي يشك في حقيقة الوجود ويتغافل عن وجود شكه ووجود ذهنه الذي يقوم بعملية الشك.
 /8مغالطة النرجسية والغرور :
وهو أن يشعر الشخص بصحة معتقداته دون معتقدات غيره.. وأن أفكاره هي دائما الأحسن والأصح .. ولايستطيع غيره بلوغ فعله اوالرقي الى منزلته ويظن ان الجهد المبذول من قبله هو اضعاف الجهد عند الغير فيوهم له انه الافضل.. ويبطل كل الأدلة التي تثبت خطأه الراسخ في ذهنه بطلانا قسريا مهما كانت هذه الأدلة..
هذا النوع من المغالطة تتوفر كثيرا في المجتمعات التي تعرضت لضغوط نفسية واجتماعية كبيرة..
/9 مغالطة الثبات المطلق :
 التغير هو سنة من سنن الكون.. والأشياء دائما في تغير بما فيها الإنسان ..
فإذا علمنا في الماضي بأن شخصا ما ، كان قليل الثقافة والعلم والخبرة ، او انه كان منحرفا.. فليس بالضرورة أن يبق هذا الشخص جاهلا أو منحرفا حتى هذا الزمن الحاضر.. فجهله وانحرافه كان في زمن ماضي ..  وقد يكون  قد تعلم او تحسن سلوكه اوتغير جذريا، وفقا لمبدأ التغير في الإنسان والكون .. بينما يظل حكما ماضيا ثابتا في أنه جاهل ومنحرق..
هذا الثبات في الحكم على الأشياء هو نوع من المغالطة التعسفية.


[1] - بديهية

السبت، 4 يوليو 2015

جنية في صورة أرنب





إنه شاب إنجليزي في الستة والعشرين سنة من عمره ..
بدأت هذه المشكلة الصحية تراوده في سن العشرين..
تظهر عليه أرنب وهو في اليقضة ، وتسبب له الكثير من المشاكل والمتاعب والأضرار الصحية..
تسبب له أحيانا خدوش في جسمه..الهلع والخوف.. عدم القدرة على الإستقرار النفسي .. الأرق.. الفقدان المؤقت للذاكرة...
تظهر مرتين في الأسبوع.. ثلاثة أو أربعة.. للدرجة التي اصبح فيها لا يمشي وحده.. من شدة الخوف..
لا أحد يرى هذه الأرنب سواه..
إتصل بالمعالجين الروحانيين ودون نتيجة..
هؤلاء المعالجين الروحانيين يؤمنون بالنظرية الشيطانية في الأمراض الجسدية والنفسية..
إنهم يؤمنون بأن هناك أرواح خبيثة من الجن تسبب السلوك الشاذ والأمراض لبني البشر على إختلاف دينهم .. سواء مسيحيين أو مسلمين أو..
وغالبا ما يكون سبب إيذائهم للبشر يعود إلى ظلم هؤلاء البشر لهم.. كأن يرموا عليهم الماء الساخن في المجاري القذرة.. أو يدوسونهم بارجلهم.. أو يأكلون طعامهم المعد لهم.. أو يقطعون عنهم الطريق بشبابيك.. أو يضربونهم عندما يكونوا في صفة حيوانات ليلا.. أو..
ومع العلم أن هؤلاء البشر على غير دراية بظلمهم ، إلا أن الجن تحاسبهم كما لو كانوا يعلمون..
هذا هو منطق الجن حسب قول هؤلاء المعالجين الروحانيين..
وينتشر الجن حسب زعمهم مع المساء ، بعد صلاة العصر.. وهي المرحلة التي يبدأ فيها المجوسيون في عبادتهم.. ولذلك أغلب الأمراض تبدأ حسب زعمهم مع المساء..
وهو ما جعل حتى مجتمعنا يؤمن بسببية الجن في الأمراض التي تصيب البشر..
وفي الحقيقة ، مرحلة المساء تمثل تلك الفترة التي ينقطع فيها أمل الإنسان لما ينتظره من خير له.. وانقطاع الأمل يدل على شدة اليأس ، مما يسمح للعقل الباطني في سيطرته على العقل الواعي ، فتخرج الأعراض من عقالها.. لكن كثيرنا لا يعلمون..
وقصة هذا الشاب ترجع حسب زعمهم لنفس الأسباب..
فقد تسبب في إيذاء أحد الأرواح من الجن التي كانت تظهر على صورة أرانب.. مما جعل هؤلاء الجن ينتقمون منه..
لكن هذا التشخيص لم يأت بنتيجة طوال ستة سنوات..
فالتعاويذ التي يعرفونها لم تفلح في شيء على طول هذه المدة..
ويوما كان هذا الشاب في الجامعة ، يستعد للإختبار .. وإذا به يصيح ويستغيث بأعلى صوته.. الأرنب..الأرنب..
ولم يكن زملاءه على علم بقصته ولا الإدارة .. إلا أنهم وجهوه لطبيب نفساني..
ومن هنا بدأ الشاب في جلسات متواصلة مع هذا الطبيب وهو على غير إقتناع بالعلاجات النفسية..
وعلم النفس بطبيعة الحال لا يؤمن بمبادرة الأرواح في خلق إضطرابات مرضية لبني البشر ويعدها كنوع من تخيلات المريض أو ما يسمى بالهلوسة..
ومع مرور الوقت ، إستعان هذا الطبيب بمجموعة من زملائه في الطب النفسي .. وبدأوا في حوار مستمر معه يوما بعد يوم..
وأصبحت المعركة واضحة..
المريض يحاول أن يثبت للأطباء بأن أعراضه ناتجة عن روح من الجن تظهر له عيانيا..
والأطباء يحاولون أن يبرهنوا له أن هذا ضرب من الخيال ناتج عن صدمة نفسية حدثت في طفولته فنسيها وسقطت في عقله الباطني ، وأصبحت تلوح بصورة حية في مخيلته..
المريض يقول بأنه يراها رؤيا العين..
والأطباء يقولون بأنه يراها هو وحده ولا يراها الآخرون..
لم يكن للمريض سوى حجة واحدة.. وهي أنه لابد من رؤية هذه الأرنب من طرف الأطباء..
لكنه كان يرى أن هذا نوع من المستحيل.. لأن هذه الأرنب تختار وقت خلوه بنفسه.. فلا تظهر عليه إلا عندما يكون وحده..
وحدثت الأزمة.. واشتدت بين رغبة الأطباء في إقناع المريض بأن هذه حالة هلوسة ناتجة عن صدمة نفسية مقرها العقل الباطني للمريض.. وبين رغبة المريض في رؤية الأرنب من طرف الأطباء ..
وحدثت المعجزة..
فيوما خرج الأطباء رفقة مريضهم في نزهة في البادية.. ووصلوا حيث الأشجار والنباتات والأزهار على حافة الوادي.. فجلسوا هناك في حوار مع مريضهم..
وإذا بالشاب يصيح بأعلى صوته : هاهي الأرنب.. هاهي الأرنب.. هاهي على حافة الوادي..
لقد ظهرت أمام عيونكم..
لكن الأطباء لم يروا شيئا.. وحاولوا إقناعه بأنه يراها وحده .. وهو دليل أكيد على أنها موجودة في مخيلته..
وصاح الشاب مرة أخرى : هاهي تجري تجاههكم.. هاهي تجري على حافة الوادي بسرعة وفوق الماء.. سيطير الماء على ثيابكم وأوجههكم..
وفعلا طار الماء عليهم حتى بلل وجوههم وثيابهم.. لكنهم لم يحركوا ساكنين..
وصاح الولد مرة أخرى في حماس :
" والآن بعد أن صار الملموس أمامكم .. فما أنتم قائلون ؟ "
وسكت الأطباء حتى بدا للشاب أنهم إقتنعوا الآن بعد هذه الحجة الملموسة ، والدليل القاطع..
لكن الأطباء سكتوا عنه ليهدأ من روعه أولا ثم يستمروا في محاورته..
وقال أحدهم :
" الماء تطاير علينا بقوة تركيزك ، وليس من طرف الأرنب.. فأنت كنت تتوقع بأن الماء سوف يطير علينا بمفعول أقدام الأرنب.. وتحول هذا التوقع إلى قوة تركيز من طرفك..وقوة التركيز تؤدي على ماهو متوقع.."
وعندئذ أيقن الشاب بألا نتيجة من الإستمرار في إقناع الأطباء بما يحدث له..
وأيقن الأطباء باللاجدوى في محاورة هذا المريض.. وقرروا الإنفصال عنه..
على أن هذا الإنفصال والمقاطعة ليس كإستسلام للفشل.. بل قرروا تغيير طريقة العلاج.. سوف ينصرفون إلى محاورة والديه..
لقد ركزوا الحوار بداية مع أبيه لعدة شهور.. ثم إتجهوا إلى أمه..
وكان الذي دفعهم إلى تغيير طريقة العلاج ليس هو الإستسلام للفشل.. بل نتيجة لقوة الملاحظة والتحليل..
فلقد علم الأطباء أن ظهور الأرنب كان دائما ملازما لخلوة المريض بنفسه..
وظهرت لأول مرة بصورة معاكسة حينما كان في الجامعة وليس وحده.. وهذا راجع إلى أن تلك الأيام كانت أيام إستعداد للإختبارات التي لم يكن جاهزا لها بسبب شرود ذهنه مع حالة صحته النفسية.. فكانت الظروف التي ظهرت فيها الأرنب هي ظروف أزمة حقيقية.. وهذه الازمة هي التي أحيت الأزمة الأولى التي حدثت  في طفولته..
وظهرت لثاني مرة بصورة معاكسة أيضا ، حينما كان المريض يعيش أزمة متمثلة في محاولة الإثبات للأطباء في أن هذه الأرنب هي أرنب حقيقية وليست متخيلة.. وهذه الأزمة كانت أقوى من الأزمة الاولى التي ظهرت في الجامعة..
وبطبيعة الحال كلما دخل الشاب في أزمة ما ، فإن هذه الأزمة تحيي الأزمة الأولى التي حدثت أيام طفولته.. وهذه الأزمة لها علاقة بالأبوين أو بإحداهما فيما يتعلق بتربية طفلهما وما يوجهان له من عقاب..
فالارنب هي صورة للعقاب الذي كان يتوقعه الطفل من أحد أبويه..
هذا العقاب الذي هو المعنى الكامل لعقدة الخصاء التي يضنها البعض في أنها أرواح الجان..
وركز الأطباء حوارهم مع الأم .. يوما بعد يوم.. وشهر بعد شهر..إلى أن ظهرت الحقيقة ساطعة كنور الشمس في وضح النهار..
لقد كان هذا الشاب في طفولته الثانية ، كثير الحركة.. مشاغب.. لا يستقر في مكان واحد.. ولا يعبأ أن يضع يده على النار.. أو يلمس سلك الكهرباء.. أو..
وكانت أمه ذلك اليوم مشغولة بإعداد الطعام وتهيئة الجو لضيوف قادمين عندهم.. فلم تجد حلا للأمن على إبنها إلا أن قامت بربطه بأحد الحبال مع الخزانة ، وتركته وحده وانصرفت إلى المطبخ..
وفجأة دخل فأر كبير، يريد مهاجمة الولد ، ولم يصح أو يبكي أو يحدث أي حركة.. بل إستسلم لشدة الخوف الشديد حتى أغمي عليه..وارتفعت درجة حرارة جسمه للدرجة التي أدخلوه بعدها المستشفى..
واعترف والده بأنه الذي قام بقتل الفأر بنفسه..
هذه الصدمة سقطت في العقل الباطني للمريض.. وبدأ الفار يظهر له على هيئة أرنب كلما كان وحده أيام الازمات التي مر بها..
فالصدمة تفعل فعلها كلما سقط الإنسان في ظروف مشابهة لصدمته التي عاشها في الطفولة..
ولم يكن للأطباء إلا أن أوضحوا لمريضهم ملابسات المشكلة للدرجة التي إقتنع بها.. وشفي تماما من حالته..
فما نعتقده أنه مس من الجن ، ما هو إلا ضرب من الصدمات النفسية التي سقطت في اللاشعور وأصبحت تلوح بأعراض مرضية توهم الناس في أنها أرواح شريرة..

الثلاثاء، 30 يونيو 2015

الجني والعقل الباطني



                                    

لقد ظهر على ساحة المعرفة السحرية ، خصوصا في الآونة الأخيرة ، مع بداية الألفينات .. أناس يدعون أنهم يكلمون الجن بواسطة الرقيا .. الرقيا الشرعية على حد قولهم .. حيث
 يخبرهم هذا الجن عن أمور غيبية ، غالبا ما تتعلق بمعلومات حول الساحر الذي قام بمبادرة سحرية للشخص المريض ..
عندما يصاب أحدهم  بأعراض مرضية ذات مشابهات ، يختلف أهله في مصدر هذه الأعراض ، خصوصا حينما تظهر غالبا وقت المساء ، وهم يعتقدون أنه وقت إنتشار الجني ونشاطه ، وحينما يبدأ أهل المجوس في عبادتهم .. فيظن أهله أن هذا ضرب من الشيطان ومس من الجني..
هذه الأفكار تدعمها البئة المتخلفة التي يعيشها هؤلاء ، إلى جانب الفئة التي تعمل على إشهار هذا النوع من المعرفة في الأوساط العربية .. خصوصا في الدول التي خضعت إلى الإستعمار بصفة مطولة..
وهؤلاء لا يعرفون الطبيب إلا في حالات إستثنائية جدا .. بل يعرفون من يسمى عندهم بالراقي..
هذا "الراقي" الذي حل في الآونة الأخيرة محل "الطالب" في السنوات المنصرمة.. بحجة أن كتابة القرآن على أوراق هو تميمة والعياذ بالله..
يقوم الراقي بقراءة القرآن على المريض المصاب بأحد الأعراض التي تبعث على الإعتقاد في أنها أعراض سحر أو مس جني... خصوصا وأنه يتطرق أثناء قراءته إلى الآيات التي ذكر فيها خلق الجن.. فيتوهم المستمع إلى أن هذه الآيات تتكلم عن مس الجن للبشر..
هذه الآيات تتكلم عن خلق الجن ، ولم تتكلم عن المس الجني بتاتا.. لكن الترابط الذي يحصل في ذهن المريض وأهله بين وجود الجن وبين مسه لبني البشر هو الكارثة..
فوجود الجني شيء.. ومسه لبني البشر شيء أخر..
هذه الوهميات الخفية جدا هي تلك التي يجب الإنتباه إليها بحذر كبير..
وعندما يبدأ الراقي في قراءته للقرآن على رأس المريض ، فإنه يحدث ترابط فكري في ذهن هذا المريض ، خصوصا وهو يعتقد بأن هذا كلام الله ، فيسقط في أحابيل الوهم ، ويصاب وعيه بحالة الكبت التي تسمح لعقله الباطني بالإنطلاق في الكلام..
المريض قبل سقوطه في حالة الغيبوبة ، يشك في أن فلان بالضبط هو الذي سحره ، مما هيأه للإصابة بالمس.. لكنه لا يستطيع البوح بذلك بسبب شدة الكبت[1]..
هذا الكبت يقوم له الراقي بالمرصاد حيث يفك عقاله ويتركه يتكلم بحريته..
وهنا يصعب على المريض الكلام بشخصيته المستقلة ، فيفتعل شخصية أخرى مثل الجني المزعوم لتتكلم عوضا عنه ..
يقوم هذا الجن الوهمي ، بالكلام مع الراقي على لسان المريض ، كما لوكان ليس لديه لسان مستقل عن لسان هذا المريض ، بعد أسئلة معينة يقوم بها هذا الراقي.. فيصف لهم إنسانا بريئا مما يصفون.. وتظهر عدوانية أهل المريض لهذا الشخص الموصوف وقد تنتهي لما لا يحمد عقباه...
المريض بطبيعة الحال لديه أفكار مكبوتة في وعيه ، وتصورات خاطئة عن أسباب مرضه ، وتشخيص وهمي.. ولم يستطع التصريح بها بسبب هذا الكبت..
وعندما يقوم الراقي بقراءة القرآن ، فإنه يتطرق إلى الآيات المتكلمة عن السحر ، مما يسمح بكبت وعي المريض.. حيث تنطلق أفكاره من عقالها ، ويبدأ عقله الباطني في الكلام عما كان مكبوتا فيه.. وعند ذلك ينخدع الراقي ، وأهل المريض في أن الجني هو الذي يتكلم وتحدث المصيبة الكبرى..
وليس هذا تعمدا من الراقي..بل أن إجتهاده جره إلى هذا المعتقد..
والسول (ص) يقول :
" من إجتهد وأصلح فله أجران ، ومن إجتهد وأخطأ فله أجر واحد "
هذا الراقي إجتهد وأخطأ فلن يحرم من الأجر.. لكن عليه أن يتوب عن خطئه وفقا لحديث حبيبنا(ص) :
" كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون "
عليه أن يعترف بخطئه في تشخيصه للمرض.. هذا أولا..ثم عليه أن يعترف بخطئه الأكبر والعياذ بالله حينما إعتبر كتابة القرآن تميمة..
فالذي يتكلم مع الرقاة ليس بجن على الإطلاق ، وما هو إلا صدى العقل الباطني للمريض..
ولو فحصنا ذلك المريض فحصا نفسيا أو طبيا ، لوجدنا أنه يعاني من أسباب أخرى لا علاقة لها بالجن أو بالسحر إطلاقا..
كما لو قمنا بتحريات لوجدنا أن هذا الشخص المتهوم لا يعرف شيئا عن السحر إطلاقا ، وليس له سوابق عدوانية أو حتى معرفة بالشخص المريض .. بل أن ذنبه الوحيد هو قراءته للقرآن الذي يعتبرون كتابته سحرا وتمائم والعياذ بالله .. فالقرآن وحامل هذا القرآن في نظرهم شيء واحد وهو السحر ..
إن القرآن هو القرآن ، سواء تلوته أم كتبته .. وكيف يكون موقف هؤلاء الرقاة أمام الآية :
" ومن أظلم ممن إفترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون "
ومن جهة أخرى فإن هذا الذي يدعي مكالمة الجن ، ما هو إلا شخص يتكلم مع العقل الباطني للمريض لا أكثر ولا أقل[2]..
والدليل على ذلك هو أن هذا المريض حينما يوجه إليه هذا الراقي سؤالا فإنه لا يجيب إلا عن أشياء موجودة في وعيه بمعرفة مسبقة.. ولا يتكلم عن أشياء غير موجودة في هذا الوعي ، فهو يتكلم بحسب ما يوجد في وعيه من مكبوتات .. فإذا كان يشك في أن فلان هو الذي سحره فإنه أثناء الرقيا ، ينطق عقله الباطني بمحتوى ما هو موجود في وعيه[3] .
وإن جئت لمحاورة هذا المعالج.. فإنه يستدل بأحاديث وآيات لا علاقة لها بالموضوع على الإطلاق..
سيقول لك مثلا ، الآية :
" خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار "
وهذه الآية تتكلم عن خلق الجن.. ولم تتكلم عن مسه لبني البشر..
وهناك الكثير من الآيات بهذا الشكل ، ولم تتطرق بتاتا إلى مسألة المس..
أو يقول مثلا :
" إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم "
هذه الآية تدل على إمكانية رؤية الجن لنا ، وعدم إمكاننا على رؤيتهم..
ورؤيتهم لنا لا يعني المس..
أو يتطرق إلى الحديث :
" إن الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم في العروق "
هذا الشيطان يجري في دم ابن آدم من أجل الوسوسة التي جاءت واضحة في سورة الناس والتي لا تحتاج إلى تفسير أو مفسر..
إنما أقول لهؤلاء الرقاة ، مرحبا بكم ، لو أنكم إستعملتم الرقيا من أجل علاج الأمراض النفسية والجسدية.. بدلا من إستعمالها في أمور وهمية كالسحر والمس الجني.. فما تعتقدونه عن المس الجني ما هو إلا صدى العقل الباطني للمريض.



[1] - الكبت وسيلة من الوسائل التي يسلكها المريض في مواجهته لشيء ما في نفسه
[2] -التنويم المغناطيسي و وظيفة اللاشعور-
[3] - عن دراسات تطبيقية وتجارب شخصية طيلة أربعين سنة ، توحي بتدخل العقل الباطني للمريض وتستثني لعبة الجن من الموضوع