اعلان

‏إظهار الرسائل ذات التسميات التصوف. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التصوف. إظهار كافة الرسائل

السبت، 20 يونيو 2015

اللغة الصامتة



                                  
الأسباب النفسية للرفض
عندما نتكلم من أجل التعبير عن فكرة ما ، فإن اللسان هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن هذه الفكرة..
وغالبا ما يكون اللسان عاجزا عن إعطاء مفهوم حول الفكرة التي تدور في مجال وعيه.. بل يشعر أحيانا أن المفردات التي يمتلكها غير كافية للتعبير ، من أجل إعطاء لمحة كاملة عن هذه الفكرة..
إن هذا العجز يدفعه في الغالب إلى التعبير بحركات يديه في شكل تقديم إشارات ورموز من شأنها أن تقرب المفهوم للمستمع ، ما دامت اللغة عاجزة عن الإستكمال..
وتظهر تعابير أخرى من غير حركات اليدين ، وهي تلك التي يقوم بها الجسد بصفة عامة ، كاحمرار الوجه ، واصطكاك الأسنان ، وإغماض العينين ، وعض الشفتين.. والهمز والغمز واللمز..
وعندما تعجز هذه الوسائل كلها في تبليغ الأمانة ، فإننا نلجأ إلى الصمت..
وبالرغم من أن هذا الصمت هو الدليل الكافي في العجز والفشل عن إكمال الرسالة المعرفية ، إلا أنه من ناحية أخرى يعتبر وسيلة من وسائل التعبير ، في شكل لغة صامتة ..
وقد نلجأ في كثير من الحالات إلى إبتكار كلمات من شأنها أن توصل المفهوم إلى المستمع .. وقد تنطلق هذه الكلمات لأول مرة على ساحة المعرفة ، إلا أن الدراية بها من طرف المستمع يكوّن شكلا واضحا من صعوبة الفهم أيضا، مما يؤدي إلى النقد والإنتقاد..
والإنتقادات مهما بلغت من الدقة والإنتباه ، ومهما كان الإستعداد العلمي والأدبي لصاحبها ، إلا أنها دائما وسيلة من وسائل التعبير أيضا عن العدوانية نحو الفكرة المطروحة..
فالعدوانية تتم بطرق شتى ، كالعدوانية باستعمال العنف مثل الضرب باليد والعقوبات الجسدية ، أو العزل حيث يتجنب الشخص المبغوض.. أو عدوانية باللسان عن طريق السب والشتم ، أو بالإنتقادات الجارحة..
ومهما كانت الأسباب النفسية للإنتقادات ، فإنها ترجع إلى جهل الإنسان للموضوع الذي ينتقده ..
والناس أعداء ما جهلوا..
فالجهل يؤدي إلى العدوانية..
والعدوانية تؤدي إلى الإنتقاد..
والإنتقاد يقصي صاحبه من ساحة المعرفة.. فلا يكتسب الجديد ، إلا ما يعرفه هو معرفة مكتسبة من طرف الغير..
إنه نوع من الرفض.. رفض الإعتراف بالواقع.. وهو الشكل الأعلى من التعبير عن العدوانية ..
إن هذا الرفض ليس جديد العهد بالنسبة للإنسان مهما بلغ عمره الزمني.. بل يرجع أساسا إلى ذلك السلوك الذي إتخذه وقت طفولته تجاه موقف ما ، كأخيه الأصغر منه مثلا ، والذي كان ينافسه في محبة الأبوين وامتلاكهما لنفسه..
فالوسيلة الوحيدة التي يستعملها الطفل في المبارات مع أخيه إنسياقا وراء غريزة حب التملك إنما هي ذلك السلوك المتميز بالرفض..
سيرفض لا محالة الإعتراف بوجود أخيه..
وهذا السلوك المتميز بالرفض إنما له عواقب نفسية وخيمة وفي طليعتها فقدان الذاكرة[1].. وعدم القدرة على إسترجاع المعلومات في وقتها المناسب ، ويحدث ذلك كثيرا في الإمتحانات العامة ، حيث تحدث إهتزازات من أجل التعبير عن الفكرة الموضوعة كسؤال في هذا الإمتحان إلا أن القدرة عن هذا التعبير تكون غير متوفرة ..
فرفض الإعتراف بالواقع إنما هو إمتداد للسلوك الرفضي الذي كان يستعمله الإنسان تجاه أمر ما وقت طفولته.. ذلك لأن هذا الواقع يهدد وجوده من جهة ، كما يهدد كيانه أو بنيته المعرفية من جهة أخرى..
والبنية الفكرية أو المعرفية للإنسان لها علاقة وطيدة جدا بحالة التثبيت[2] ..
فعندها يصنع الإنسان مجموعة من الأفكار والتصورات والمبادئ التي لا تسمح له بتغييرها ، وقد يتعرض لإضطرابات عند تلقي ما يعاكسها.. وهو ما يظهر تماما عند قراءة الإنسان لفكرة ما ، أو إستماعه لها من شخص آخر ، والتي تعاكس تماما مايدور في ذهنه من الأفكار الملتصقة بحالة التثبيت .. هذا يجعله بطبيعة الحال يسلك سلوكا عدوانيا تجاه ما يقرأه أو ما يستمع إليه ، والإنتقادات هي الشكل الأعلى من هذه العدوانية.. ذلك لأنه يبدأ في الشعور بعدم الأمن على نفسه وعلى معتقده الراسخ في ذهنه..
فتلك الأفكار التي يتبناها هي تلك التي واجه بها الصراع وقت طفولته من أجل خلق التوازن بين فكرتين متضادتين في نفسه..
وإذا ما تعرضت هذه الأفكار إلى إهتزازات من طرف ما يقرأ أو ما يسمع فإن صراع الطفولة يعود من جديد[3] ، مما يلزمه بالتصدي العدواني عن طريق الإنتقادات الجارحة للموضوع المثار ، وهو بذلك يهرب من الحقيقة إلى خلق التوازن النفسي ولو كان ما يسمعه صحيحا[4]..
والطفل يتصدى للعدوان تجاه كل جديد مما يعاكس رغباته ، وأفكاره ، ويمس كيانه الأمني .. حيث أن ولادة طفل جديد ، أو ميل الأبوين لحب أحد الأطفال من أخوته ، أو تقسيم حصص الأكل بصورة تفضيل لأحد الأطفال عنه ، أو... إنما من شأنها أن تعزز السلوك العدواني لهذا الطفل مبادرة برفض الإعتراف .. وهو نفس السلوك الذي يتبناه في ما بعد تجاه القراءة أو الإستماع لفكرة جديدة ، فيتصدى لها بالعدوان عن طريق الإنتقادات الجارحة إنسياقا وراء الآليات التي يحملها اللاشعور..
ولو ضربنا في ذلك مثلا ، عند إستماع أحدنا إلى الإنجازات التي قام بها أهل التصوف ، في التربية الروحية للناس ، وإصلاح سلوكهم ، وكراماتهم .. أو عند الإستماع إلى مدح شخص ما ، فإن ذلك يجعل الفكر يقفز قفزة لا شعورية إلى مرحلة طفولته حيث كان التفضيل والمديح والشكر لأحد إخوته عنه.. وسرعان ما ينطلق الصراع الذي يجبر الإنسان على إتخاذ وضعية دفاعية.. فلن يجد سوى رفض الإعتراف المتميز بالإنتقادات الجارحة ، وقد يتبنى الإتجاهات التي تؤيد موقفه العدواني وربما سيجد ذلك في مذهب ظال..
هذه الفئة التي راحت ضحية عوامل نفسية لاشعورية ، تجدها عاكفة على البحث في الكتب والمجلات والجرائد والقنوات التيليفيزيونية ، ومواقع الأنترنيت عما يؤيد مواقفهم العدوانية ..
ومواجهتهم أو وعظهم غير ممكن بتاتا إلا عن طريق ما يسمى باللغة الصامته ..     
يظهر المواجه في هذه الحالة بدور الصمت التام ، والتظاهر بالتأييد المطلق لأفكارهم ، فلا يقول إلا كلمة واحدة وسط مئات الكلمات .. لكي لا يصدمهم بالحقيقة دفعة واحدة .. ويوما بعد يوم تتحد هذه الكلمات مع بعضها في مجالها اللاشعوري وتتحول إلى حتمية الرجوع عن الظلال..
التعبير الوجداني
يقول أهل الصوفية بأن المفاهيم التي وصلوا إليها من وراء أحكامهم الباطنية ليس لها لغة تطرحها إلا على سبيل إبتكار الكلمات التي من شأنها أن تقرب المفهوم نوعا ما إلى العقل الفاقد للتعامل مع هذه الأحكام.                                                
 إن المفاهيم الصوفية تفتقد إلى اللغة التي تطرح هذه المفاهيم.. ولم يجدوا إلا ذلك التعبير الوجداني المتمثل في الهيجان.. والإحمرار الشديد للوجه.. واصطكاك الأسنان..والإيماء.. والقشعريرة التي تنتابهم.. والإشارات التي يقومون بها عند تقديم مفهوم ما .. وهو يشبه إلى حد ما الحالة التي تنتاب النبي (ص) عند نزول الوحي.
والوجدان عند أهل الصوفية يحل محل اللغة الطارحة للمعنى والمفاهيم التي عجزت هذه اللغة عن طرحها.. وإذا قام الصوفي معتمدا على اللغة فإنه يبعثها لعقول من درجة عالية التي يفتقر إليها هذا الزمان . وإذا كان شأن كل من يبتكر علما جديدا هو المبادرة في إبتكار الكلمات الطارحة للمعنى..فماذا عن الصوفية التي لم تخترع علما جديدا فحسب وإنما وصلت إلى سرية منهاج سماوي كامل.                                                                                         ونرى العالم الحسن بن الهيثم مثلا قد إضطر إلى إختراع كلمات في علم الضوء من أجل توصيل المفهوم إلى القارئ ... وراح يقول عن زاوية الورود .. وزاوية الإنعكاس .. والزاوية يه .. والمفاهيم التي لم يكن العالم قد توصل لها بعد...
  ومن مثل ذلك مجموعة كبرى من العلماء الذين إضطروا لابتكار الكلمات المساعدة على طرح المفهوم اللغوي لشيء ما.. كالعالم فرويد في علم النفس ، لما إهتدى إلى تأسيس علم التحليل النفسي.. حيث وجد نفسه مضطرا إلى إبتكار كلمات من شأنها توصيل المعنى إلى القارئ ..                                                                             
وبالمثل ما جاء في القرآن الكريم من كلمات مبهمة ومطلسمة مازال العالم الإسلامي لم يفهم عنها شيئا من مثل:
" الم..الر..المص..كهيعص..حم عسق..ص..ق...حم..يس.."..
و الصوفي بحكم ما توصل إليه من أسرار باطنية ، يجد نفسه مضطرا إلى طرح المفاهيم طرحا لغويا، ويجد في نفس الوقت العجز التام لهذه اللغة من طرح هذه المفاهيم فلا تستوعبها إلا العقول من الدرجة الأسمى .. لكن هذه العقول تتعامل معها معاملة العقل العادي ، فتترجمها على غير حقيقتها التي جاءت بها، مما يعرض هذه الصوفية إلى الإنتقادات اللاذعة من طرف عقول قاصرة .
فالحلاج مثلا عندما قال:
 " أنا الله "
 كان التعبير الوجداني قد سبق هذه العبارة بأيام وليالي أو سنوات ، غير أن اللغة الوجدانية معدومة من القاموس البشري أيا كان الإدراك  للمفاهيم ، مما دفعه إلى التعبير اللغوي العاجز هو الآخر عن هذا الطرح إلا على سبيل المقاربة فقط .
والعبارة نبعت أولا وقبل كل شيء من مفهوم توحيدي لله سبحانه وتعالى.. ومن عقل يدرك سر هذا التوحيد.. لا من عقل آخر قاصر مؤسس على المفاهيم المادية التي يطرحها العلم من حيث هو دراسة العلاقات بين الأشياء في صورتها الوضعية ..
 فكان الحلاج يدرك عمق مفهوم التوحيد بمفهومه الروحي لا مفهومه المادي .          وأهل التوحيد يعرفون هذا التوحيد بأن الله هو الكائن الذي ليس له يمين ولا شمال.. ولا أمام ولا وراء .. ولا أعلى ولا أسفل .. منزه عن الكيفية إلخ...
وعندما تتأمل هذا التعريف تجده تعريفا ماديا يخلو من الإعتبارات الروحية التي من شأنها أن تعرف الروح بالروح لا بالمادة..
والتطرق للتعريف الروحي يتطلب تضحية عقلية قد يكون العقل عاجزا عليها في كثير من الأحيان.. خصوصا ونحن في حياتنا االعلمية لم ندرس مفاهيم الأشياء إلا بذلك الطابع المادي الذي يتراءى في الحكم على الظواهر بالإعتماد على الإدراك الحسي لهذه الظواهر، واعتمادا على دراسة العلاقات بين هذه الظواهر من حيث أن العقل لم يكن هو الذي أنشأ هذه الظواهر.. أما الطابع الروحي في المعرفة فهو معدوم لبني البشر أجمعين عدا الأنبياء والمرسلين و أولياء الله الصالحين كأهل الصوفية مثلا.                                      
 والتوحيد بطبيعة الحال يهدف للتعريف بالله.. وكيف عندئذ أن نعرّف الكائن الأسمى الخالق لهذا السمو تعريفا ماديا قد يتحدد بحركة اللسان والجهاز الصوتي كطرح لغوي مع أن الخالق لهذا الجهاز هو الذي نريد تعريفه بالإعتماد على هذا الجهاز أيضا ؟
إن هذا التناقض الفكري في الطرح يستلزم منهجا آخر لطرح المفاهيم في شكلها وبشكلها الصحيح.. وهو ما دفع بالحلاج إلى ذلك الإبتكار الذي يقود إلى التناقض بالنسبة للعقل العادي[5]                                                                                             ولنأت إلى حيث التعريف الإلهي للأشياء من خلال القرآن الكريم لتستنتج من ذلك منهجية التعريف الذي ذهب إليه الحلاج على سبيل التقريب والإيضاح.
ولنأخذ في ذلك مثالا عن كيفية تعريف السحر في القرآن الكريم من لدن الله سبحانه وتعالى.. حيث لم يعطنا الله هذا التعريف من الوجهة النظرية والمباشرة للموضوع أي بصورة إنشائية أو سردية .. بل كان التعريف تعريفا تطبيقيا حيث إختار الأرضية الصالحة للطرح.. بما فيها الزمان والمكان المتمثل في أرض مصر ..
  وتمثل التعريف مبدئيا في المعركة التي دارت بين سيدنا موسى عليه السلام مع سحرة فرعون على أرضية الواقع من أجل طرح الملموسية التي يؤمن بها العقل القاصر بطبيعة الحال عن الإدراك لما هو أسمى..
فلم يكلمنا الله عن السحر مباشرة كمفهوم نظري لا يمد هذا العقل بشيء..بل كلمنا عنه من الواقع الذي يتراءى في تجهيز أرضية الطرح وهو ما يقرّب مفهوم ذلك التعبير الوجداني .
 ثم تحديد الزمن المناسب للطرح وهو يوم الزينة ويوم أن يحشر الناس ضحى..
ثم حضر الأشخاص الممثلين للدور السحري..
ثم الحوار الذي دار بينهم..
ثم عملية الإخراج المسرحي ..
وبعد أن وصل بنا الله إلى هذا الحد ، أعطانا ذلك التعريف الذي لا يتم أيضا إلا بقوة الإستنتاج بعقل من درجة عالية أيضا..
وبالرغم من هذا التعريف الإلهي الدقيق للسحر ، إلا أن إستعابه كان نوعا من الإستحالة .. واندفع الناس من ذوي العقول القاصرة إلى إعطاء تعريفا آخر يخرج عما جاء به القرآن الكريم .                                                                                           فعندما طلب موسى من فرعون الإلتزام بأوامر الله سبحانه وتعالى.. وتطبيق نهجه كصراط مستقيم.. وأخرج يده بيضاء للناظرين كمعجزة تبرهن على صدق قوله.. رماه فرعون بانتهاجه لأسلوب السحر وطلب منه مواجهة مع السحرة.. وهذه هي التهيئة الأولى لتعريف السحر..
ثم دار الحوار بين سيدنا موسى وسحرة فرعون ، وهذه هي التهيئة الثانية..
ثم جاءت التهيئة الثالثة في ذلك الإخراج المسرحي التطبيقي أمام العيان لا بذلك الأسلوب السردي في إعطاء المعلومات عن السحر.. حيث قام السحرة بإلقاء أشياءهم عن الأرض فتحولت بصورة وهمية إلى حيات تسعى ، لا بالكلام عنها فقط بصورة سردية..
ثم جاء الطرح لمفهوم السحر على لسان موسى..
 ومن هنا عرفنا الخطوات التي مرت بها العملية المعرفية حتى وصلت إلى طور التعريف بحكم أستنتاجي من طرف سيدنا موسى حيث قال الله على لسانه :
" وقال موسى ما جئتم به السحر..."
أي أن ما قمتم به أيها السحرة من إلقاء لأشيائكم على الأرض فتحولت إلى أشياء تسعى هو السحر..
وهو نفس المفهوم الذي يقول بأن السحر هو ما يلقيه السحرة من أشياء على الأرض ، فتتحول إلى حيات وثعابين تسعى بصورة وهمية(خيالية)..
إذن فالتعريف إقتضى أن يستعمل منهجية لهذا التعريف الذي يتوسطه الإستدراج في الطرح والشفافية المطلقة ومن أرض الواقع.. بصورة تطبيقية لا سردية أو إنشائية..
والأمر أشبه بأستاذين في الكيمياء ، إذ يقول أحدهما بأن الماء هو عبارة عن عملية إتحاد بين الماء والهيدروجين .. بينما يقوم الأستاذ الآخر بإحضار الهيدروجين والأوكسوجين في المخبر ويفاعلهما مع بعضهما لينتج الماء أمام العينين.
وأي التعريفين أصح وأنفع ؟ لا شك أن التعريف التطبيقي أنفع من التعريف النظري (السردي) .
وبالمثل ما قام به القرآن الكريم إذ لم يخبرنا مباشرة وبالقول المجرد عن ماهية السحر.. بل أخبرنا عنه بإجابة تطبيقية من المخبر الذي تمثله أرضية الواقع وحضور السحرة.
 وماذا يفعل الحلاج إذا أراد أن يتبع نفس المنهجية وصولا لتعريف التوحيد الذي هو أصعب من تعريف السحر؟ 
فلم يقل الحلاج مثلا في أن توحيد الله يقتضي تلك الوحدة الروحية والجسدية التي تحدث بين الإنسان وخالقه للدرجة التي يتحول فيها كل جزء من جسد هذا الإنسان وكل روحه لذكر الله فيصبح هذا الجسد وهذه الروح موطنا لوحدة الله... بل جاء بالجسد نفسه الموحد لله وما فيه من روح وقال بأن هذا الجسد ما ترون فيه إلا الله ، كما لو كان الجواب تطبيقيا لنظرية من النظريات.                        
وعندما أراد الحلاج أن يعطينا مفهوما دقيقا جدا عن التوحيد بنفس المنهج الإلهي في الطرح فإنه قال :
" أنا الله ".
وهنا أصبحت المكانية التي أشار إليها القرآن الكريم تتراءى في كلمة " أنا " .. وتبدو العبارة باعثة للشك من الوجهة الظاهرية.. أما من الوجهة الباطنية فتتراءى عند تطرقنا للسلوك الديني و التوحيدي للحلاج .. فهو إضافة إلى الإلتزام بالفرائض الدينية المختلفة ، والنوافل، وعمل الخير من أجل الخير..والزهد في الدنيا و...فإنه لا يحجم أبدا عن ذكر الله بلسانه وبقلبه ومشاعره وعواطفه وكل إحساسه..واستمر على ذلك في تدريب روحي متصاعد إلى أن صار يذكر الله بدقات قلبه وزفرات أنفاسه.. وهكذا إلا أن صارت كل خلية من خلايا جسمه تسبح الله في كل زمان وفي كل مكان .. إي أن الجسد صار كله يذكر الله ، فلم يكن بداخل العباءة التي يلبسها إلا ذكر الله عز وجل.. وهو ما جعله يقول :
" إنكم لا ترون بداخل هذه الجبة إلا الله "
والعقل القاصر عن فهم السلوك الديني والتوحيدي لأهل الصوفية ، يكون قاصرا أيضا عن فهم العبارات التي يقولونها..                                                                              وهكذا فعندما جاء سيدنا الحلاج بتعريف التوحيد تعريفا صوفيا فإنه إختار المنهجية الإلهية في الطرح وحل الجسد محل المكان الذي إنتهجه الله في التعريف .. ذلك لكي لا يكون العقل وحده منفردا فيه فتنعدم الحسية (البصيرة) من المعرفة.. بل أدرج إلى جانب ما يستنبطه العقل ، الذوق الذي يتراءى وراء الإعتبارات الحسية والعاطفية الموجودة خلف المكانية المنتهجة في الشرح والتي تتراءى في كلمة " أنا ".
لقد وصل الحلاج والصوفيون من غيره إلى عملية توحيد بمفهوم آخر يتراءى في:
 إندماج " الأنا " بمفهوم " الله ".. بوحدة كاملة لا تقبل التجزئة المادية باعتبار أن الروح تختلف عن ماهية المادة ، حيث أصبح هذا الأنا متحدا مع مفهومية الله إتحادا يحدث أيضا بين العقل والمشاعر والإحساسات المختلفة ذوقا مشتركا بين هذه الآليات والتي ما زلنا لم ندركها بعد كأناس قاصرين ..
إن التدريبات الصوفية تقوم على أساس الرجوع إلى الفطرة الإلهية في الإنسان..  والخروج عن كل ما من شأنه أن يؤدي بالإنسان إلى الهروب من الواقع.. والهروب من نفسه.. ومنه إلى الهروب من ربه.. فمن عرف نفسه ، عرف ربه..
وبرجوعهم إلى الفطرة يكونوا وجها لوجه مع البصيرة التي خلقها الله فيهم..
وبالبصيرة ، يصل إلى كينونته ووجوده الحقيقي.. ومنه إلى معرفة الأشياء على حقيقتها ، وعودته إلى مهد ما قبل الولادة ليندمج أناه مع وجودية الله.
 والعملية تشبه إلى حد بعيد ذلك الأنا الذي يتميز به الطفل في السنتين الأوليتين حيث يكون مندمجا مع أنا أمه والأشياء من حوله .. فهو لا يستطيع التفرقة بين جسده وجسد أمه.. وهي المرحلة التي تسمى في علم النفس بمرحلة " اللا تمايز "[6] ..
 كما أنها نفس المرحلة التي يصل إليها أهل الصوفية حيث يندمج أناهم أو يتحد مع مفهومية الله ، للدرجة التي لا يستطيع فيها التفرقة بينهما وكأنهما شيء واحد..
وما عسى للغة أن تقول في كيفية طرح هذا المفهوم ؟.. وهو ما لا يمكن لغويا إلا على سبيل المقاربة الفكرية التي تعرض أهل الصوفية لمثل ما تعرضوا له من تلك العقول القاصرة التي لا تناقش المفاهيم إلا بعقول قاصرة.. مع العلم أن هؤلاء الآخرين لا يناقشون الأحكام إلا بعقل وضعي يلتزم بقوانين العلم التي لا تخرج أبدا عن نطاق التعريف المادي للظواهر في إطار العلاقات بين هذه الظواهر.. غير أن العلاقات بين الظواهر ليست هي العلم بل هي التمهيد المسبق لما يجب أن يصل إليه العلم .
وأنت ترى أيها القارئ الكريم أنك ربما عجزت حتى عن مفهوم الطرح المتعلق بمفهومية إندماج ووحدة الأنا بمفهوم الله بشكل وصل بالصوفي إلى عدم القدرة على التمييز والتمايز بين فكرتين قد إلتصقتا مع بعضهما في وحدة تكاد تكون عضوية وحسية..              
فكيف إذن من الطرح الصوفي للفكرة ؟.    
 وبالمثل نفس الإشكال يظهر في مفاهيم الصوفية المطروحة بلغة أخرى ما زلنا لا نعلم قواعدها بعد.. والناس أعداء ما جهلوا ..  
                                                         


[1] - مدرسة التحليل النفسي ، ميكانيزمات الدفاع
[2] - هي مرحلة غير ناضجة من مراحل نمو الإنسان وقت طفولته والتي يثبت عندها ويحن بالعودة إليها...
[3] - حالة النكوص
[4] - ميكاكيزمات الدفاع النفسي تجاه الأوضاع الصراعية
[5] -العقل الذي يعتمد في دراسة الظواهر على المعطيات المادية
[6] -علم نفس الطفل

الأربعاء، 6 مايو 2015

الأسباب النفسية للرفض



                                   
بين الفكرة والكلمة
عندما نتكلم من أجل التعبير عن فكرة ما ، فإن اللسان هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن هذه الفكرة..
وغالبا ما يكون اللسان عاجزا عن إعطاء مفهوم حول الفكرة التي تدور في مجال وعيه.. بل يشعر أحيانا أن المفردات التي يمتلكها غير كافية للتعبير ، من أجل إعطاء لمحة كاملة عن هذه الفكرة..
إن هذا العجز يدفعه في الغالب إلى التعبير بحركات يديه في شكل تقديم إشارات ورموز من شأنها أن تقرب المفهوم للمستمع ، ما دامت اللغة عاجزة عن الإستكمال..
وتظهر تعابير أخرى من غير حركات اليدين ، وهي تلك التي يقوم بها الجسد بصفة عامة ، كاحمرار الوجه ، واصطكاك الأسنان ، وإغماض العينين ، وعض الشفتين.. والهمز والغمز واللمز..
وعندما تعجز هذه الوسائل كلها في تبليغ الأمانة ، فإننا نلجأ إلى الصمت..
وبالرغم من أن هذا الصمت هو الدليل الكافي في العجز والفشل عن إكمال الرسالة المعرفية ، إلا أنه من ناحية أخرى يعتبر وسيلة من وسائل التعبير ، في شكل لغة صامتة ..
وقد نلجأ في كثير من الحالات إلى إبتكار كلمات من شأنها أن توصل المفهوم إلى المستمع .. وقد تنطلق هذه الكلمات لأول مرة على ساحة المعرفة ، إلا أن الدراية بها من طرف المستمع يكوّن شكلا واضحا من صعوبة الفهم أيضا، مما يؤدي إلى النقد والإنتقاد..
والإنتقادات مهما بلغت من الدقة والإنتباه ، ومهما كان الإستعداد العلمي والأدبي لصاحبها ، إلا أنها دائما وسيلة من وسائل التعبير أيضا عن العدوانية نحو الفكرة المطروحة..
فالعدوانية تتم بطرق شتى ، كالعدوانية باستعمال العنف مثل الضرب باليد والعقوبات الجسدية ، أو العزل حيث يتجنب الشخص المبغوض.. أو عدوانية باللسان عن طريق السب والشتم ، أو بالإنتقادات الجارحة..
ومهما كانت الأسباب النفسية للإنتقادات ، فإنها ترجع إلى جهل الإنسان للموضوع الذي ينتقده ..
والناس أعداء ما جهلوا..
فالجهل يؤدي إلى العدوانية..
والعدوانية تؤدي إلى الإنتقاد..
والإنتقاد يقصي صاحبه من ساحة المعرفة.. فلا يكتسب الجديد ، إلا ما يعرفه هو معرفة مكتسبة من طرف الغير..
إنه نوع من الرفض.. رفض الإعتراف بالواقع.. وهو الشكل الأعلى من التعبير عن العدوانية ..
إن هذا الرفض ليس جديد العهد بالنسبة للإنسان مهما بلغ عمره الزمني.. بل يرجع أساسا إلى ذلك السلوك الذي إتخذه وقت طفولته تجاه موقف ما كأخيه الأصغر منه مثلا ، والذي كان ينافسه في محبة الأبوين وامتلاكهما لنفسه..
فالوسيلة الوحيدة التي يستعملها الطفل في المبارات مع أخيه إنسياقا وراء غريزة حب التملك إنما هي ذلك السلوك المتميز بالرفض..
سيرفض لا محالة الإعتراف بوجود أخيه..
وهذا السلوك المتميز بالرفض إنما له عواقب نفسية وخيمة وفي طليعتها فقدان الذاكرة[1].. وعدم القدرة على إسترجاع المعلومات في وقتها المناسب ، ويحدث ذلك كثيرا في الإمتحانات العامة ، حيث تحدث إهتزازات من أجل التعبير عن الفكرة الموضوعة كسؤال في هذا الإمتحان إلا أن القدرة عن هذا التعبير تكون غير متوفرة ..
فرفض الإعتراف بالواقع إنما هو إمتداد للسلوك الرفضي الذي كان يستعمله الإنسان تجاه أمر ما وقت طفولته.. ذلك لأن هذا الواقع يهدد وجوده من جهة ، كما يهدد كيانه أو بنيته المعرفية من جهة أخرى..
والبنية الفكرية أو المعرفية للإنسان لها علاقة وطيدة جدا بحالة التثبيت[2] ..
فعندها يصنع الإنسان مجموعة من الأفكار والتصورات والمبادئ التي لا تسمح له بتغييرها ، وقد يتعرض لإضطرابات عند تلقي ما يعاكسها.. وهو ما يظهر تماما عند قراءة الإنسان لفكرة ما ، أو إستماعه لها من شخص آخر ، والتي تعاكس تماما مايدور في ذهنه من الأفكار الملتصقة بحالة التثبيت .. هذا يجعله بطبيعة الحال يسلك سلوكا عدوانيا تجاه ما يقرأه أو ما يستمع إليه ، والإنتقادات هي الشكل الأعلى من هذه العدوانية.. ذلك لأنه يبدأ في الشعور بعدم الأمن على نفسه وعلى معتقده الراسخ في ذهنه..
فتلك الأفكار التي يتبناها هي تلك التي واجه بها الصراع وقت طفولته من أجل خلق التوازن بين فكرتين متضادتين في نفسه..
وإذا ما تعرضت هذه الأفكار إلى إهتزازات من طرف ما يقرأ أو ما يسمع فإن صراع الطفولة يعود من جديد[3] ، مما يلزمه بالتصدي العدواني عن طريق الإنتقادات الجارحة للموضوع المثار ، وهو بذلك يهرب من الحقيقة إلى خلق التوازن النفسي ولو كان ما يسمعه صحيحا[4]..
والطفل يتصدى للعدوان تجاه كل جديد مما يعاكس رغباته ، وأفكاره ، ويمس كيانه الأمني.. حيث أن ولادة طفل جديد ، أو ميل الأبوين لحب أحد الأطفال من أخوته ، أو تقسيم حصص الأكل بصورة تفضيل لأحد الأطفال عنه ، أو... إنما من شأنها أن تعزز السلوك العدواني لهذا الطفل مبادرة برفض الإعتراف .. وهو نفس السلوك الذي يتبناه في ما بعد تجاه القراءة أو الإستماع لفكرة جديدة ، فيتصدى لها بالعدوان عن طريق الإنتقادات الجارحة إنسياقا وراء الآليات التي يحملها اللاشعور..
ولو ضربنا في ذلك مثلا ، عند إستماع أحدنا إلى الإنجازات التي قام بها أهل التصوف ، في التربية الروحية للناس ، وإصلاح سلوكهم ، وكراماتهم .. فإن ذلك يجعل الفكر يقفز قفزة لا شعورية إلى مرحلة طفولته حيث كان التفضيل والمديح والشكر لأحد إخوته عنه.. وسرعان ما ينطلق الصراع الذي يجبر الإنسان على إتخاذ وضعية دفاعية.. فلن يجد سوى رفض الإعتراف المتميز بالإنتقادات الجارحة ، وقد يتبنى الإتجاهات التي تؤيد موقفه العدواني وربما سيجد ذلك في مذهب ظال..
هذه الفئة التي راحت ضحية عوامل نفسية لاشعورية ، تجدها عاكفة على البحث في الكتب والمجلات والجرائد والقنوات التيليفيزيونية ، ومواقع الأنترنيت عما يؤيد مواقفهم العدوانية ..
ومواجهتهم أو وعظهم غير ممكن بتاتا إلا عن طريق ما يسمى باللغة الصامته ..     
يظهر المواجه في هذه الحالة بدور الصمت التام ، والتظاهر بالتأييد المطلق لأفكارهم ، فلا يقول إلا كلمة واحدة وسط مئات الكلمات .. لكي لا يصدمهم بالحقيقة دفعة واحدة .. ويوما بعد يوم تتحد هذه الكلمات مع بعضها في مجالها اللاشعوري وتتحول إلى حتمية الرجوع عن الظلال..
هذا الموضوع سوف يتم إستكماله في صفحات أخرى من هذه المدونة تحت عنوان :
" اللغة الصامتة ".


[1] - مدرسة التحليل النفسي ، ميكانيزمات الدفاع
[2] - هي مرحلة غير ناضجة من مراحل نمو الإنسان وقت طفولته والتي يثبت عندها ويحن بالعودة إليها...
[3] - حالة النكوص
[4] - ميكاكيزمات الدفاع النفسي تجاه الأوضاع الصراعية

الثلاثاء، 5 مايو 2015

إلى بعض أساتذة الجامعات





في كثير من الأحيان يوقف بعض أساتذة الجامعات محاضراتهم ، ويخرجون عن نطاقها ، لينتقلوا بالطلبة إلى نوع هام من فسلجيات الفكر ..
ويتم هذا الإنتقال بطريقة خيالية بحتة ، بدون أي داعي أو مقدمة ، أو إرتباط بالمحاضرة التي يلقونها ..
ويدخلون مباشرة في تعريف السحرعلى أنه إتفاق بين الساحر والشيطان مقابل القيام بأعمال محرمة ترضي هذا الشيطان ..
ويقوم هذا الشيطان في مساعدة الساحر على القيام بأعماله السحرية التي يؤدي بها التأثير على الطبيعة بما فيها الإنسان..
هذا الإجراء يتم نتيجة لإبرام إتفاقية كاملة بين الإنسان والشيطان ، فيقوم الطرف الأول بأعمال كفرية ، ويقوم الطرف الثاني مقابل ذلك بتلبية رغبات الساحر والوصول به إلى قمة تقنيات السحر..
وهذه الاعمال التي ترضي الشيطان ، عبارة عن كتابة آيات القرآن بقذارة .. وبصورة معكوسة مخالفة لقول الله عز وجل.. ووضع هذه الآيات أسفل قدميه ، أو وضع المصحف الشريف في فخذه والدخول به للمرحاض.. وكتابة طلسمات .. واسماء الشياطين .. وعبارات مبهمة تحمل معاني كفرية.. إلى آخر ذلك من الكلام الفارغ..
ولم يدر هؤلاء بأن السحر جاء في القرآن تحت مفهوم :
 " النفاثات في العقد "
وليست الطلسمات .. وليست كتابة آيات القرآن بقذارة .. أو كتابتها بصورة معكوسة.. أو مخالفة لشرع الله ..
وإنهم بهذا الكلام يخالفون التعريف الذي أنزله الله في كتابه العزيز.. 
إنه هروب وابتعاد عن الحكم بآيات الله ، والحكم بكلام الإنسان..
فالقضية طرحت للإختيار بين قول الله وقول الإنسان..
فالله سبحانه وتعالى أخبرنا بأن السحر هو النفث في العقد..
والإنسان أخبرنا بأن السحر هو قيام الساحر باتفاق مع الشيطان..
وعلينا الإختيار.. من هو الكلام الذي نستمع إليه ؟..
هل نستمع لكلام الله أم نستمع لكلام الإنسان ؟..
فإن إستمعنا لكلام الله ، فإن هذا يعني الصراط المستقيم..
وإن إتبعنا كلام الإنسان فإن هذا شرك وكفر بالله..
ثم لا بد من الرجوع إلى البعد التاريخي ...
فالسحر كان موجودا قبل نزول القرآن بما يزيد عن سبعة آلاف سنة..
وحتى قبل نزول التوراة ..
فمن أين جاء الفراعنة المصريون بهذا السحر إذن ؟ .. حيث لم يكن لا قرآن.. ولا كتابة آياته بقذارة .. ولا آيات معكوسة ؟ ...
ولم يوجد كتاب سماوي في ذلك الوقت ليخالفه الساحر من أجل إكتساب مصداقية سحره..
وهم بهذه الصورة يحملون إلى إعتقاد الناس – دون تعمد- بأن القرآن نفسه سحر ، مادامت كتابة آياته سحرا.. ولذا أصبحت كلمات القرآن الكريم ، ترمى في المزابل والمراحيض ، أو تبول الناس عليها حينما يجدونها مكتوبة على أوراق من أجل التداوي بها..
ويقول هؤلاء بأن قراءة القرآن بشكل رقيا هو أمر شرعي في حين أن كتابته هي شرك وسحر.. وهي نفس الفكرة التي تقول بأن القرآن سحر..
فالمنطق الذي شرّع للناس جواز أمر قراءة القرآن من أجل التداوي به ..
هو نفس المنطق الذي حرم كتابته من أجل هذه المداوات..
وهو نفس المنطق الذي يرمي إلى سحرية القرآن والعياذ بالله..
ألم يكن شيخ الإسلام إبن تيمية نفسه ، يكتب آيات القرآن من أجل التداوي بها ؟ ويقول بصريح العبارة بأنه وجد التداوي بكتابة آيات القرآن أنفع من التداوي بقراءته..
ألم يكن حجة الإسلام ، الشيخ أبوحامد الغزالي رحمه الله يكتب القرآن من أجل مداوات الناس به ؟..
ألم يقل معظم العلماء المسلمين ، بأن كتابة القرآن ، لأغراض إستشفائية أنفع من كتابته سبعين مرة ؟..
والإيمان بان سحرية القرآن تنطوي وراء كتابته ، يعدم تماما كرامات القرآن التي إنعدمت من الكتب السماوية الأخرى ..
ثم أن هذه الكرامات لا توجد إلا في التداوي بكتابته..
وإعدام كرامات القرآن تعني إعدام القرآن نفسه.. وبالتالي إعدام الإسلام..
وإننا لنطالب هؤلاء بتقديم دليل أكيد من الكتاب أو السنة ينص بأن كتابة القرآن سحرا..
وإلى جانب ذلك يقوم هذا النفر من الأساتذة ، خارج مجال محاضراتهم ، باعتبارات مؤسفة ، ليقولوا للطلبة بان أهل الصوفية مشركون ، ويستخدمون الجن في أغراضهم الدنيوية ..
ولم يدر هؤلاء بأن أهل الصوفية لا يعرفون في حياتهم إلا إناء الماء من أجل الوضوء .. والفراش الذي يسجدون عليه..
والسبحة التي يرددون بها أسماء الله في كل زمان ومكان ..
حتى تحولت أنفاسهم الطيبة كلها لذكر الله ..
 يصومون النهار ويقومون الليل ..
ولا يعرفون إلا عمل الخير من أجل الخير..
ولا يعرفون من الكلام الدنيوي إلا الوعظ والإرشاد للناس..
ولا تنشط أرجلهم إلا لعمل الخير..
ولا تتحرك أياديهم إلا لسبل الصلاح..
ثم لا يعرف هؤلاء من بعض أساتذة الجامعات أنه بفضل رجال الصوفية في الجزائر ، تم الإنتصار على قوات الإستعمار والحلف الأطلسي ..
وأنهم بفضلهم أصبحوا يتمتعون بتلك المناصب التي يستعملونها للطعن في رجال أبرياء ..
والطلبة بحكم إصابتهم بعقدة الإتكالية التي تظهر بمظهر التقديس للآخرين.. يعتقدون بأن هؤلاء الأساتذة يملكون أسمى مقاليد المعرفة ، فيصدقونهم و للأسف في كل ما يقولون .. ولا يعلّمونهم بأن كرامات أولياء الله الصالحين هي بمثابة المعجزات النبوية التي تبرهن بدورها على ما جاء به الإسلام من صدق في الأحكام.                                                                                     
كيف تنظر النزعة الإستعمارية اليوم إلى رجال الصوفية التي إنتزعت منها حلمها الأبدي من إحتلال للوطن العربي وزرع لعقيدتها المسيحية واليهودية ؟
يجب على هؤلاء الأساتذة أن يعلموا بأن الأسباب السياسية العالمية وخاصة اليهودية منها تقف وراء الحركة المعادية لأولياء الله وأهل الصوفية لما خلقوه من مساندة لحركات التحرر في العالم ولما قامت به من خلق أجيال إستطاعت أن تطرد أقوى أمبراطورية في العالم بما فيها فرنسا وقوات الحلف الأطلسي .                
قد يؤدي تحليل الموضوع والرجوع به إلى الوراء إلى تراجع هؤلاء الأساتذة وتفطنهم ثم كفهم عن ضرب أقدس أناس عرفهم التاريخ على وجه الكرة الأرضية ، وذلك حينما يعلموا بأن هذه الفئة الطاعنة عرفت منذ القديم بالعدوانية للعرب والرسالة التي يحملونها .. وهجمت هجوما عنيفا على الرسالة السماوية وقت نزولها .. فلم ينجو الرسول من ضربات ألسنتهم ومكايدهم .. كما لم تنجو الرسالة من متابعتهم .. وما زالت إلى اليوم تحرف التعاليم الإسلامية ، وتضرب روادها ومشايخها وقادتها العرب بالضرب المبرح..
وإني لأكاد أجزم بأن هذه الفئة من الأساتذة قابلة للتصليح ، طالما لم تكن متعمدة لهذه العدوانية النكراء ، وطالما هم يحملون الطبشور الذي هو بمثابة السلاح في مواجهة أعداء الإسلام والوطن ، وأعداء لمشايخه وقادته .. بل هم جزء من هؤلاء الأولياء ، إنما راحوا ضحية فكر معاد للعرب منذ نشأتهم وسيفيقوا من غشيتهم عاجلا ..
وأشكر الباقي من الأساتذة الذين لم يتأثروا بضربات الرياح العاصفة ، والذينهم وقفوا صامدين تجاه أي فكر يضرب عقيدتهم ومشايخهم وقادتهم العظماء..
وإنه لمن الواجب علينا أن نقف كل يوم وقفة خشوع ترحما إلى شهدائنا الأبرار إبتداء من حمزة عم النبي(ص) إلى آخر شهيد بالثورة الجزائرية المباركة.. وشهداء الدول العربية الأخرى.. وإلى آخر شهيد في فلسطين.. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار..