يسألونك عن
الروح
بسم الله الرحمن الرحيم
سيداتي أوانسي سادتي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
في الدرس الأول من الروحانيات ، تكلمنا عن
قصة سيدنا سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ وبروز ذلك الذي عنده علم من الكتاب
والذي إستطاع أن يتحدى قوانين الزمان والمكان وأن يأتي بعرش ملكة سبأ في ظرف أقل
من لمح البصر.
وقد بدأت علامات الإستفهام والتساءلات تفرض
نفسها على ساحة المعرفة وتطرقت لمحاولة معرفة من هو ذلك الشخص الذي إستطاع القيام
بهذا الفعل الفريد في تاريخ البشرية والكون
ثم تواصلت الأسئلة وخرجت من النطاق التاريخي
إلى النطاق المعرفي وتساءلت حول ماهية هذا العلم كما أشار إليه سبحانه وتعالى في
قوله بسم الله الرحمن الرحيم قال الذي عنده
علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك النمل/40
فماهو
هذا العلم الذي أشار إليه عز وجل ؟ خصوصا بعد أن أشار سبحانه وتعالى بقوله بسم
الله الرحمن الرحيم واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك الكهف/27 وبعد
أن أشار كذلك بقوله بسم
الله الرحمن الرحيم كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ص/29 وإننا لنلمس
جانبا من التناقض في الفهم ، لكن هذا التناقض ليس من صنع الله عز وجل ، بل من صنع
الإنسان بفهمه القاصر وفلسفته الخاطئة التي دعمتها كلمات بدعة ودجل وشعوذة رجما
بالغيب ولقد
تطرق يعض العلماء بصورة مؤسفة إلى تكفير كل من يبحث في القرآن وفي العلم ، كما
تطرق بعضهم إلى تخصيص البحث لفئة معينة دون غيرها مع أن القرآن نزل لكل الكرة
الأرضية لا لفئة معينة
فالآيات المتلاحقة في نزولها كانت تحثنا على
البحث في العلم ومحاولة الإجابة على ما جاء غامضا في القرآن الكريم بكل تقنيات
البحث وآليات التدبر لهذا القرآن في شكل من الأوامر الصارمة التي يعتبر التقصير
فيها هو تقصير عن التكليف الإلهي خصوصا بعد أن بدأ علم الروح يطرق باب هذا العصر
بكل وضوح .
ولقد عاش الإنسان عصورا مختلفة تميز كل عصر
منها بميزته الخاصة ، فكان عصر سيدنا موسى هو ذلك العصر الذي وصلت فيه التقنيات
السحرية أوج تطورها مما جعل إنسان ذلك العصر يفسر ظواهر الكون تفسيرا سحريا ولا
يزال هذا النوع من الناس يتواجدون في عصرنا الحالي
وكان عصر سيدنا عيسى عليه السلام هو ذلك
العصر الذي تميز بوصول المفاهيم الطبية إلى أقصى ذروتها ، كما كان عصر سيدنا محمد
(ص) هو ذلك العصر الذي وصلت فيه البلاغة لحد الإعجاز الكامل
أما عصرنا الحالي فتميز بوصول العلم
والتكنولوجيا بالصورة التي غيّر فيه شكل الحياة من جذورها وأصبح الإنسان الحالي
يختلف عن الإنسان القديم شكلا ومضمونا لكننا إذا أمعنا النظر جيدا لا نجد أن العلم
والتكنولوجيا كعامل وحيد لغزو هذا العصر ، بل أصبحت المفاهيم الروحانية المعقدة
تطرق باب كل أحد منا لولا تجاهلنا لها
إننا إذا ركزنا إنتباهنا دون تعصب أو أنانية
مع الإبتعاد عن كلمات المنع التي خلقها الإنسان من مثل بدعة وشرك وضلال للاحظنا
حدوث ظواهر غريبة جدا في عصرنا الحالي ولا يستطيع العلم تفسيرها مهما بلغ الإنسان
من إستعداد علمي ، ويقف العقل مشلولا أمام تفسير هذه الظواهر
المفاهيم التي لا يستطيع العلم تفسيرها هي
تلك التي نسميها بالمفاهيم الروحانية أو علم الروحانيات والتي أصبحت تغزو عقولنا
بالرغم من هروبنا منها نتيجة لجهلنا لها ونحن نعلم أن الناس أعداء ما جهلوا ، وأخبرنا
عنها سبحانه وتعالى حيث سماها بعلم الكتاب كما في الآية السابقة
ومن الواضح أن هذا العلم هو علم الروح فالعين
لا تستطيع النظر إلا في حدود رؤيتها بينما الروح تستطيع النظر لبعد مليارات
الأميال ، ولا تسمع الأذن إلا في حدود سمعها بينما الروح تستطيع أن تسمع لذبذبات
تبعدنا بكذا من السنوات الضوئية ، وجلب الأشياء عن بعد لا يمكن أن يكون من صنع
المفاهيم المادية في العلم بل هو من إختصاص الروحانيات
وقد توقف العلماء عند سرعة الضوء واعتبروها
السرعة القصوى بحيث لا يوجد سرعة أكبر منها ، بينما جلب عرش ملكة بلقيس كان بسرعة
أكبر من سرعة الضوء ، ونحن نلاحظ هذه السرعة يوميا أمام عيوننا وفي وعيينا دون أن
ننتبه لها
عندما تنظر لشيء ما وأنت فاتح عينيك ، فإنك
تنظر بعقلك الذي لا يستطيع تجاوز حدود هذا النظر ، ثم عندما تغمض عينيك وتحاول أن
تنظر بداخل نفسك إلى مدينة بعيدة عنك ، فإنك تراها في ظرف أقل بكثير من الثانية ،
هذه المدينة التي بينك وبينها مسيرة عشرة ساعات بالسيارة أو اكثر تراها وأنت مغمض
العينين بسرعة أكبر من سرعة الضوء النظرة
الأولى كنت تنظر بماديات جسمك ممثلة في العينين والعقل ، أما النظرة الثانية فأنت
تنظر بروحك وهذا هو المقصود بالمعنى الضيق لعلم الروح
ولا نجهل أنه في وقتنا الحالي توصل رجال الله
الصالحون إلى القيام بظواهر غريبة يعجز العقل عن تفسيرها ويقف أمهر العلماء أمامها
مشلولا دون حراك ، ولا يستطيع الجن القيام بمثلها إطلاقا كما أثبت ذلك القرآن
الكريم ومن بين
هذه الظواهر، الطيران في السماء ، والمشي على مياه البحر ، وطي الأرض أي قطع
مسافات طويلة في أقل من لمح البصر ، والمجيء بمعلومات دقيقة عن مستقبل العصور
القادمة وكيف تكون ، كما لو كان ذلك سفر عبر الزمن ومنهم من أخبرنا منذ قرنين من الزمن عن
عصرنا الحالي وظهور الطائرات والصواريخ ، والهوائيات المقعرة ، وعلم الرقيم ،
وعالم الأنترنيت وعن حضارة لا يمكن للإنسان تخيلها في ذلك الوقت على الإطلاق ، أوليس
هذا جزء من علم الكتاب الذي أشار إليه سبحانه وتعالى ؟
ولاحظنا من غير رجال الله الصالحين ظواهر
أخرى واقعية وأمام أعيننا مهما حاول شيطان الجهل إصرافنا عنها مثل ظاهرة الخروج عن
الجسد أو ما يسمى بالإسقاط النجمي أوليس هذا جزء من علم الكتاب ؟ ولاحظنا ما
يقوم به رجال اليوغا من ظواهر خارقة ليس لها تفسير علمي على الإطلاق من مثل مسك
سلك الكهرباء الحاوي على ثلاثين ألف فولط أو أكثر ، وذلك الذي يجر شاحنة كاملة
وزنها مئات الأطنان يجرها بأسنانه ، أو ليس هذا جزء بسيط فقط من علم الكتاب ؟ كما
لاحظنا ما يقوم به رجال الكارما والمفاهيم العميقة للتأمل ، أليس هذا جزء من علم
الكتاب ؟
سيقول الشيطانيون أي أولائك الذين يفسرون
الظواهر العلمية بالشيطان بأن هذه أعمال من الشيطان وهم الذين قال عنهم سبحانه
وتعالى بسم
الله الرحمن الرحيم يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم
نوره ولو كره الكافرون
التوبة/32
كما يقول الشبه فقهيون بأن هؤلاء مجوسيين
وملل أخرى ، مع العلم أن المفاهيم العلمية لا علاقة لها بالملل ولا بالجنسيات حيث
أن مجموع الواحد مع الواحد لا يعطي إلا إثنين بالضرورة عند جميع الأجناس سواء
مسلمين أو غير مسلمين
ومنهم من إستند على قول الله تعالى بسم
الله الرحمن الرحيم ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم
إلا قليلا الإسراء/85
لكن الإفرنج بحثوا في الروح ووصلوا لحقائق مدهشة كما لاحظناها بعيوننا ،
وهو ما يدل على أن فهمنا للآية كان فهما خاطئا من أساسه حيث أن الآية لم تضع حدا
للنشاط البشري في البحث ولم تقيّده بل أجازته وباركت فيه فعندما قال سبحانه
وتعالى قل الروح من أمري ربي ، كان من الواضح بأن هذه الآية تفيد التعميم وليس
التخصيص بمعنى أن الآية كانت عامة وليست خاصة ، فهي تقول بأن الروح من أمر ربي
مثلما هو الإنسان من أمر ربي أيضا ، والحياة كلها من أمر ربي والكون ، ولايوجد شيء
على الإطلاق ليس من أمر ربي فأين هو وجه المنع عن البحث هنا ؟
فالإنسان هو من أمر ربي ومع ذلك بحثنا فيه
ووصلنا إلى حقائق ، والكون من أمر ربي وبحثنا فيه ووصلنا ، والمخلوقات كلها هي من
أمر ربي وبحثنا فيها وهذا إنما يدل بأن الآية لم تمنعنا من البحث ويضيف
سبحانه وتعالى قوله وما
أوتيتم من العلم إلا قليلا بمعنى أنه يمكنكم البحث في الروح لولا أن العلم
الذي عندكم قليل ولو طورتم في إمكانياتكم العلمية وجعلتموها كثيرة لوصلتم لأشياء
هامة عن علم الروح
وكما قلنا فقد تواصلت الإستفهامات حول معرفة
ماهو علم الكتاب . والروحانيون فسروا ذلك بأن ذلك الذي يملك علم
الكتاب كان يعرف إسم الله العظيم الأعظم ، وتساءل العلماء حول معرفة هذا الإسم ولم
يهتدوا لشيء لأنه سر من أسرار الله سبحانه وتعالى بحيث أن الداعي به يكون دعاؤه
مستجابا في أقل من لمح البصر
وسأل الصحابه النبي (ص) عن إسم الله العظيم
الأعظم فأجاب بقوله الشريف بأنه ما بين إسم الله العظيم الأعظم وبين بسم الله
الرحمن الرحيم كما هو بين بياض العين وسوادها وهو
ما يشير بأن الرسول الكريم أشار بأنه لا يوجد فاصل بين البسملة الشريفة وبين هذا
الإسم العظيم وكأنه يقول بطريقة غير مباشرة بأن بسم الله الرحمن الرحيم هي نفسها
إسم الله العظيم الأعظم مما يجعل لزومية البحث في هذه الآية أمر مؤكد وضروري وكما
لو كان تكليفا إلهيا
البسملة لها أسرار عظيمة جدا ، وتكاد تكون
المحور الأساسي في علم الروحانيات وهو ما يجعلنا نتطرق إليها بدراسة تفصيلية بإذن
الله ولكم
مني أخلص التحيات الأخوية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق