اعلان

الاثنين، 22 يونيو 2015

ويسألونك عن الروح



                                                

من المؤسف جدا أن بعض القراء يقرؤون ويفكرون بعاطفتهم لا بعقولهم .. وقد إستاء كثير منهم من العالم الروحاني " أوشو " الذي كتب كتابا تحت عنوان " موت الآلهة " ، ونحن لا ندري سبب هذا الإستياء..
فإذا كان أوشو قد كتب كتابا واحدا عن موت الآلهة .. فعلينا نحن المسلمون أن نكتب آلاف المجلدات عن موت هذه الآلهة...
ألم يهجم النبي محمد (ص) عن هذه الآلهة في فتح مكة وحطم أصنامها من جذورها ؟
ألم يدعو الإسلام إلى قتل هذه الآلهة ونبذها من العقل ؟
ألم تنزل سورة :
" قل ياأيها الكافرن ، لا أعبد ما تعبدون.."
ألم تأت هذه السورة لقتل آلهة قريش ؟
ألم يدعو الإسلام إلى الإيمان بالإله الواحد ؟
عندما تقرأ بعاطفتك يظهر لك أن آلهة أوشو هي آلهتك..
أما عندما تقرأ بعقلك فستكتشف بسرعة أن آلهة أوشو ليست آلهتك ، وإلا تكون قد أشركت..
وأنه لا بد من موت هذه الآلهة..
هذا الكتاب يستاء منه المسيحيون وليس المسلمون..
المسلمون يهللون لهذا الكتاب لأنه يخدم عقيدتهم الشريفة ..
وكما دعت كل الانبياء والمرسلون والأولياء لموت الآلهة .. دعا أوشو أيضا لموت هذ الآلهة وما دام كذلك ، فليس من الغريب أنه توصل لمعرفة الإله الواحد بعقله..
غير أنه لم يكن له الحظ في قراءة ذلك من القرآن مباشرة وباللغة العربية ، وليس من القرآن المترجم إلى لغة أخرى ..
لأن ترجمة القرآن فيها أضرار وخيمة جدا على غير الناطقين بالعربية..
ولها أضرار حتى على الإسلام والمسلمين..
وقراءة القرآن بلغة أخرى هي كارثة كبرى..
تكاد السماوات يتفطرن وينشق القمر..
وكيف بترجمة القرآن ونحن لازلنا نجهل تفسيره ؟..
لا زلنا لم نفسر ولو كلمة واحدة منه.. بسبب إنقيادنا وراء ما يقوله الغير..
ولذلك يقول الإمام الشعراوي رحمه الله :
" ما نظن أنه تفسير للقرآن ما هو إلا خواطر نحو القرآن "
كما نشير إلى أن هناك فرق كبير بين عقيدة العالم وبين علمه..
وعندما نقول عالم روحاني ، ليس معناه عالم ديني..
وليست الروح هي الدين ، بل أن الروح جزء ضئيل جدا من الدين..
أما الدين فهو يشمل النفس والجسم والروح والكون وما وراء هذا الكون ، والمخلوقات الأخرى من الجن والشياطين والملائكة ، والعلم الذي يضبط هذه الأشياء جميعا...والألوهية والملكوت.. والعلاقة مع الله..و..
الدين شيء والروح شيء آخر تماما..
ولا يمكننا أن نقارن بين قطرة ماء وبين البحر..
ولقد نزلت الآية الكريمة :
" ويسألونك عن الروح ، فقل الروح من أمر ربي ، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا "
وما أن نزلت هذه الآية حتى تقوقع الناس وتجمدوا حول أنفسهم ، وراحوا يعتقدون أنه بحكم هذه الآية ، فإنه لا يمكن البحث في الروح على الإطلاق..
إن هذا الجمود والتقوقع نتج عن القراءة العاطفية للآية بدلا من قراءتها قراءة عقلية ..
وهذه القراءة العاطفية ضخمت من حظ أعداء الإسلام كثيرا ..
فالآية السابقة لم تضع حدا للنشاط البشري من أجل البحث في الروح..
هذه الآية لم تمنعنا من البحث في الروح بل جاءت بحكم عام ينطبق على جميع الأشياء ولم تأت بحكم خاص..
فهي أشارت إلى أن الروح من أمر ربي.. مثلما هو الجسم أيضا من أمر ربي.. والنفس أيضا من أمر ربي.. والسماوات والأرض والجبال م أمر ربي..و..

كل شيء من أمر ربي..
ففهمنا لكلمة من أمر ربي فهما عاطفيا قد حدد الطريق نحو الجمود والتقوقع اللامشروع ، فدخلنا في اللاعلم واللاإسلام ونحن نعتقد بأننا مسلمون ..
ألم يبحث العلماء الأجلاء في علم اليوغا بالرغم من عدم توحيدهم لله ، ووصلوا إلى نتائج باهرة ؟ وهل منعتهم عبارة ( الروح من أمر ربي )؟
ألم يبحثوا في علم الكارما ووصلوا إلى نتائج مثيرة للعجب والتعجب ؟
ألم تشاهد وتقرأ عن ( الإسقاط النجمي ) الذي تجاوز الحدود الجسدية ليسافروا به خارج الجسم  وعبر الكون ؟ ..
أما إذا وصلنا إلى الإنجازات التي قام بها أهل الصوفية الكرام ، عن طريق علم الروح فإننا سنغرق في بحر معرفة جديدة خفية جدا عن عالم الإنسانية وأهل التعصب والجهل والأنانية..
فالإنجازات الشريفة والمقدسة التي توصل إليها أهل الصوفية ، كشفت الغطاء عن الأعداء الحقيقيين للإسلام الذين يختفون تحت راية هذا الإسلام .. كما كشفت عن الوهميات المادية التي تتراءى وراء معطيات الحواس الخمس وبرهنت عن وجود حاسة إضافية روحية تتحكم في البقية الأخرى من الحواس ..
وفوق كل هذا ، فإن رجوعنا للآية :
" قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك"
يجعلنا نلاحظ :
(علم من الكتاب)..
فما هو هذا العلم ؟ أليس هو علم الروح ؟
وكيف إمتلك هذا الإنسان علم الروح ، والآية تمنعه من هذه الملكية ؟
أخرجوا من هذا التناقض .. وفروا إلى الله.. واعلموا أنكم ذهبتم ضحية تفسيرات خاطئة فسقطتم في قبضة الأعداء..
إن هذا الجمود والتقوقع الناتج عن الفهم العاطفي للأحكام لا يخدم مصالحنا على الإطلاق.. فسقطنا للأسف في قبضة الجهل الذي سلمنا بدوره إلى العدو الذي لا يعرف سوى الحكم بالإعدام دون محاكمة..

السبت، 20 يونيو 2015

اللغة الصامتة



                                  
الأسباب النفسية للرفض
عندما نتكلم من أجل التعبير عن فكرة ما ، فإن اللسان هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن هذه الفكرة..
وغالبا ما يكون اللسان عاجزا عن إعطاء مفهوم حول الفكرة التي تدور في مجال وعيه.. بل يشعر أحيانا أن المفردات التي يمتلكها غير كافية للتعبير ، من أجل إعطاء لمحة كاملة عن هذه الفكرة..
إن هذا العجز يدفعه في الغالب إلى التعبير بحركات يديه في شكل تقديم إشارات ورموز من شأنها أن تقرب المفهوم للمستمع ، ما دامت اللغة عاجزة عن الإستكمال..
وتظهر تعابير أخرى من غير حركات اليدين ، وهي تلك التي يقوم بها الجسد بصفة عامة ، كاحمرار الوجه ، واصطكاك الأسنان ، وإغماض العينين ، وعض الشفتين.. والهمز والغمز واللمز..
وعندما تعجز هذه الوسائل كلها في تبليغ الأمانة ، فإننا نلجأ إلى الصمت..
وبالرغم من أن هذا الصمت هو الدليل الكافي في العجز والفشل عن إكمال الرسالة المعرفية ، إلا أنه من ناحية أخرى يعتبر وسيلة من وسائل التعبير ، في شكل لغة صامتة ..
وقد نلجأ في كثير من الحالات إلى إبتكار كلمات من شأنها أن توصل المفهوم إلى المستمع .. وقد تنطلق هذه الكلمات لأول مرة على ساحة المعرفة ، إلا أن الدراية بها من طرف المستمع يكوّن شكلا واضحا من صعوبة الفهم أيضا، مما يؤدي إلى النقد والإنتقاد..
والإنتقادات مهما بلغت من الدقة والإنتباه ، ومهما كان الإستعداد العلمي والأدبي لصاحبها ، إلا أنها دائما وسيلة من وسائل التعبير أيضا عن العدوانية نحو الفكرة المطروحة..
فالعدوانية تتم بطرق شتى ، كالعدوانية باستعمال العنف مثل الضرب باليد والعقوبات الجسدية ، أو العزل حيث يتجنب الشخص المبغوض.. أو عدوانية باللسان عن طريق السب والشتم ، أو بالإنتقادات الجارحة..
ومهما كانت الأسباب النفسية للإنتقادات ، فإنها ترجع إلى جهل الإنسان للموضوع الذي ينتقده ..
والناس أعداء ما جهلوا..
فالجهل يؤدي إلى العدوانية..
والعدوانية تؤدي إلى الإنتقاد..
والإنتقاد يقصي صاحبه من ساحة المعرفة.. فلا يكتسب الجديد ، إلا ما يعرفه هو معرفة مكتسبة من طرف الغير..
إنه نوع من الرفض.. رفض الإعتراف بالواقع.. وهو الشكل الأعلى من التعبير عن العدوانية ..
إن هذا الرفض ليس جديد العهد بالنسبة للإنسان مهما بلغ عمره الزمني.. بل يرجع أساسا إلى ذلك السلوك الذي إتخذه وقت طفولته تجاه موقف ما ، كأخيه الأصغر منه مثلا ، والذي كان ينافسه في محبة الأبوين وامتلاكهما لنفسه..
فالوسيلة الوحيدة التي يستعملها الطفل في المبارات مع أخيه إنسياقا وراء غريزة حب التملك إنما هي ذلك السلوك المتميز بالرفض..
سيرفض لا محالة الإعتراف بوجود أخيه..
وهذا السلوك المتميز بالرفض إنما له عواقب نفسية وخيمة وفي طليعتها فقدان الذاكرة[1].. وعدم القدرة على إسترجاع المعلومات في وقتها المناسب ، ويحدث ذلك كثيرا في الإمتحانات العامة ، حيث تحدث إهتزازات من أجل التعبير عن الفكرة الموضوعة كسؤال في هذا الإمتحان إلا أن القدرة عن هذا التعبير تكون غير متوفرة ..
فرفض الإعتراف بالواقع إنما هو إمتداد للسلوك الرفضي الذي كان يستعمله الإنسان تجاه أمر ما وقت طفولته.. ذلك لأن هذا الواقع يهدد وجوده من جهة ، كما يهدد كيانه أو بنيته المعرفية من جهة أخرى..
والبنية الفكرية أو المعرفية للإنسان لها علاقة وطيدة جدا بحالة التثبيت[2] ..
فعندها يصنع الإنسان مجموعة من الأفكار والتصورات والمبادئ التي لا تسمح له بتغييرها ، وقد يتعرض لإضطرابات عند تلقي ما يعاكسها.. وهو ما يظهر تماما عند قراءة الإنسان لفكرة ما ، أو إستماعه لها من شخص آخر ، والتي تعاكس تماما مايدور في ذهنه من الأفكار الملتصقة بحالة التثبيت .. هذا يجعله بطبيعة الحال يسلك سلوكا عدوانيا تجاه ما يقرأه أو ما يستمع إليه ، والإنتقادات هي الشكل الأعلى من هذه العدوانية.. ذلك لأنه يبدأ في الشعور بعدم الأمن على نفسه وعلى معتقده الراسخ في ذهنه..
فتلك الأفكار التي يتبناها هي تلك التي واجه بها الصراع وقت طفولته من أجل خلق التوازن بين فكرتين متضادتين في نفسه..
وإذا ما تعرضت هذه الأفكار إلى إهتزازات من طرف ما يقرأ أو ما يسمع فإن صراع الطفولة يعود من جديد[3] ، مما يلزمه بالتصدي العدواني عن طريق الإنتقادات الجارحة للموضوع المثار ، وهو بذلك يهرب من الحقيقة إلى خلق التوازن النفسي ولو كان ما يسمعه صحيحا[4]..
والطفل يتصدى للعدوان تجاه كل جديد مما يعاكس رغباته ، وأفكاره ، ويمس كيانه الأمني .. حيث أن ولادة طفل جديد ، أو ميل الأبوين لحب أحد الأطفال من أخوته ، أو تقسيم حصص الأكل بصورة تفضيل لأحد الأطفال عنه ، أو... إنما من شأنها أن تعزز السلوك العدواني لهذا الطفل مبادرة برفض الإعتراف .. وهو نفس السلوك الذي يتبناه في ما بعد تجاه القراءة أو الإستماع لفكرة جديدة ، فيتصدى لها بالعدوان عن طريق الإنتقادات الجارحة إنسياقا وراء الآليات التي يحملها اللاشعور..
ولو ضربنا في ذلك مثلا ، عند إستماع أحدنا إلى الإنجازات التي قام بها أهل التصوف ، في التربية الروحية للناس ، وإصلاح سلوكهم ، وكراماتهم .. أو عند الإستماع إلى مدح شخص ما ، فإن ذلك يجعل الفكر يقفز قفزة لا شعورية إلى مرحلة طفولته حيث كان التفضيل والمديح والشكر لأحد إخوته عنه.. وسرعان ما ينطلق الصراع الذي يجبر الإنسان على إتخاذ وضعية دفاعية.. فلن يجد سوى رفض الإعتراف المتميز بالإنتقادات الجارحة ، وقد يتبنى الإتجاهات التي تؤيد موقفه العدواني وربما سيجد ذلك في مذهب ظال..
هذه الفئة التي راحت ضحية عوامل نفسية لاشعورية ، تجدها عاكفة على البحث في الكتب والمجلات والجرائد والقنوات التيليفيزيونية ، ومواقع الأنترنيت عما يؤيد مواقفهم العدوانية ..
ومواجهتهم أو وعظهم غير ممكن بتاتا إلا عن طريق ما يسمى باللغة الصامته ..     
يظهر المواجه في هذه الحالة بدور الصمت التام ، والتظاهر بالتأييد المطلق لأفكارهم ، فلا يقول إلا كلمة واحدة وسط مئات الكلمات .. لكي لا يصدمهم بالحقيقة دفعة واحدة .. ويوما بعد يوم تتحد هذه الكلمات مع بعضها في مجالها اللاشعوري وتتحول إلى حتمية الرجوع عن الظلال..
التعبير الوجداني
يقول أهل الصوفية بأن المفاهيم التي وصلوا إليها من وراء أحكامهم الباطنية ليس لها لغة تطرحها إلا على سبيل إبتكار الكلمات التي من شأنها أن تقرب المفهوم نوعا ما إلى العقل الفاقد للتعامل مع هذه الأحكام.                                                
 إن المفاهيم الصوفية تفتقد إلى اللغة التي تطرح هذه المفاهيم.. ولم يجدوا إلا ذلك التعبير الوجداني المتمثل في الهيجان.. والإحمرار الشديد للوجه.. واصطكاك الأسنان..والإيماء.. والقشعريرة التي تنتابهم.. والإشارات التي يقومون بها عند تقديم مفهوم ما .. وهو يشبه إلى حد ما الحالة التي تنتاب النبي (ص) عند نزول الوحي.
والوجدان عند أهل الصوفية يحل محل اللغة الطارحة للمعنى والمفاهيم التي عجزت هذه اللغة عن طرحها.. وإذا قام الصوفي معتمدا على اللغة فإنه يبعثها لعقول من درجة عالية التي يفتقر إليها هذا الزمان . وإذا كان شأن كل من يبتكر علما جديدا هو المبادرة في إبتكار الكلمات الطارحة للمعنى..فماذا عن الصوفية التي لم تخترع علما جديدا فحسب وإنما وصلت إلى سرية منهاج سماوي كامل.                                                                                         ونرى العالم الحسن بن الهيثم مثلا قد إضطر إلى إختراع كلمات في علم الضوء من أجل توصيل المفهوم إلى القارئ ... وراح يقول عن زاوية الورود .. وزاوية الإنعكاس .. والزاوية يه .. والمفاهيم التي لم يكن العالم قد توصل لها بعد...
  ومن مثل ذلك مجموعة كبرى من العلماء الذين إضطروا لابتكار الكلمات المساعدة على طرح المفهوم اللغوي لشيء ما.. كالعالم فرويد في علم النفس ، لما إهتدى إلى تأسيس علم التحليل النفسي.. حيث وجد نفسه مضطرا إلى إبتكار كلمات من شأنها توصيل المعنى إلى القارئ ..                                                                             
وبالمثل ما جاء في القرآن الكريم من كلمات مبهمة ومطلسمة مازال العالم الإسلامي لم يفهم عنها شيئا من مثل:
" الم..الر..المص..كهيعص..حم عسق..ص..ق...حم..يس.."..
و الصوفي بحكم ما توصل إليه من أسرار باطنية ، يجد نفسه مضطرا إلى طرح المفاهيم طرحا لغويا، ويجد في نفس الوقت العجز التام لهذه اللغة من طرح هذه المفاهيم فلا تستوعبها إلا العقول من الدرجة الأسمى .. لكن هذه العقول تتعامل معها معاملة العقل العادي ، فتترجمها على غير حقيقتها التي جاءت بها، مما يعرض هذه الصوفية إلى الإنتقادات اللاذعة من طرف عقول قاصرة .
فالحلاج مثلا عندما قال:
 " أنا الله "
 كان التعبير الوجداني قد سبق هذه العبارة بأيام وليالي أو سنوات ، غير أن اللغة الوجدانية معدومة من القاموس البشري أيا كان الإدراك  للمفاهيم ، مما دفعه إلى التعبير اللغوي العاجز هو الآخر عن هذا الطرح إلا على سبيل المقاربة فقط .
والعبارة نبعت أولا وقبل كل شيء من مفهوم توحيدي لله سبحانه وتعالى.. ومن عقل يدرك سر هذا التوحيد.. لا من عقل آخر قاصر مؤسس على المفاهيم المادية التي يطرحها العلم من حيث هو دراسة العلاقات بين الأشياء في صورتها الوضعية ..
 فكان الحلاج يدرك عمق مفهوم التوحيد بمفهومه الروحي لا مفهومه المادي .          وأهل التوحيد يعرفون هذا التوحيد بأن الله هو الكائن الذي ليس له يمين ولا شمال.. ولا أمام ولا وراء .. ولا أعلى ولا أسفل .. منزه عن الكيفية إلخ...
وعندما تتأمل هذا التعريف تجده تعريفا ماديا يخلو من الإعتبارات الروحية التي من شأنها أن تعرف الروح بالروح لا بالمادة..
والتطرق للتعريف الروحي يتطلب تضحية عقلية قد يكون العقل عاجزا عليها في كثير من الأحيان.. خصوصا ونحن في حياتنا االعلمية لم ندرس مفاهيم الأشياء إلا بذلك الطابع المادي الذي يتراءى في الحكم على الظواهر بالإعتماد على الإدراك الحسي لهذه الظواهر، واعتمادا على دراسة العلاقات بين هذه الظواهر من حيث أن العقل لم يكن هو الذي أنشأ هذه الظواهر.. أما الطابع الروحي في المعرفة فهو معدوم لبني البشر أجمعين عدا الأنبياء والمرسلين و أولياء الله الصالحين كأهل الصوفية مثلا.                                      
 والتوحيد بطبيعة الحال يهدف للتعريف بالله.. وكيف عندئذ أن نعرّف الكائن الأسمى الخالق لهذا السمو تعريفا ماديا قد يتحدد بحركة اللسان والجهاز الصوتي كطرح لغوي مع أن الخالق لهذا الجهاز هو الذي نريد تعريفه بالإعتماد على هذا الجهاز أيضا ؟
إن هذا التناقض الفكري في الطرح يستلزم منهجا آخر لطرح المفاهيم في شكلها وبشكلها الصحيح.. وهو ما دفع بالحلاج إلى ذلك الإبتكار الذي يقود إلى التناقض بالنسبة للعقل العادي[5]                                                                                             ولنأت إلى حيث التعريف الإلهي للأشياء من خلال القرآن الكريم لتستنتج من ذلك منهجية التعريف الذي ذهب إليه الحلاج على سبيل التقريب والإيضاح.
ولنأخذ في ذلك مثالا عن كيفية تعريف السحر في القرآن الكريم من لدن الله سبحانه وتعالى.. حيث لم يعطنا الله هذا التعريف من الوجهة النظرية والمباشرة للموضوع أي بصورة إنشائية أو سردية .. بل كان التعريف تعريفا تطبيقيا حيث إختار الأرضية الصالحة للطرح.. بما فيها الزمان والمكان المتمثل في أرض مصر ..
  وتمثل التعريف مبدئيا في المعركة التي دارت بين سيدنا موسى عليه السلام مع سحرة فرعون على أرضية الواقع من أجل طرح الملموسية التي يؤمن بها العقل القاصر بطبيعة الحال عن الإدراك لما هو أسمى..
فلم يكلمنا الله عن السحر مباشرة كمفهوم نظري لا يمد هذا العقل بشيء..بل كلمنا عنه من الواقع الذي يتراءى في تجهيز أرضية الطرح وهو ما يقرّب مفهوم ذلك التعبير الوجداني .
 ثم تحديد الزمن المناسب للطرح وهو يوم الزينة ويوم أن يحشر الناس ضحى..
ثم حضر الأشخاص الممثلين للدور السحري..
ثم الحوار الذي دار بينهم..
ثم عملية الإخراج المسرحي ..
وبعد أن وصل بنا الله إلى هذا الحد ، أعطانا ذلك التعريف الذي لا يتم أيضا إلا بقوة الإستنتاج بعقل من درجة عالية أيضا..
وبالرغم من هذا التعريف الإلهي الدقيق للسحر ، إلا أن إستعابه كان نوعا من الإستحالة .. واندفع الناس من ذوي العقول القاصرة إلى إعطاء تعريفا آخر يخرج عما جاء به القرآن الكريم .                                                                                           فعندما طلب موسى من فرعون الإلتزام بأوامر الله سبحانه وتعالى.. وتطبيق نهجه كصراط مستقيم.. وأخرج يده بيضاء للناظرين كمعجزة تبرهن على صدق قوله.. رماه فرعون بانتهاجه لأسلوب السحر وطلب منه مواجهة مع السحرة.. وهذه هي التهيئة الأولى لتعريف السحر..
ثم دار الحوار بين سيدنا موسى وسحرة فرعون ، وهذه هي التهيئة الثانية..
ثم جاءت التهيئة الثالثة في ذلك الإخراج المسرحي التطبيقي أمام العيان لا بذلك الأسلوب السردي في إعطاء المعلومات عن السحر.. حيث قام السحرة بإلقاء أشياءهم عن الأرض فتحولت بصورة وهمية إلى حيات تسعى ، لا بالكلام عنها فقط بصورة سردية..
ثم جاء الطرح لمفهوم السحر على لسان موسى..
 ومن هنا عرفنا الخطوات التي مرت بها العملية المعرفية حتى وصلت إلى طور التعريف بحكم أستنتاجي من طرف سيدنا موسى حيث قال الله على لسانه :
" وقال موسى ما جئتم به السحر..."
أي أن ما قمتم به أيها السحرة من إلقاء لأشيائكم على الأرض فتحولت إلى أشياء تسعى هو السحر..
وهو نفس المفهوم الذي يقول بأن السحر هو ما يلقيه السحرة من أشياء على الأرض ، فتتحول إلى حيات وثعابين تسعى بصورة وهمية(خيالية)..
إذن فالتعريف إقتضى أن يستعمل منهجية لهذا التعريف الذي يتوسطه الإستدراج في الطرح والشفافية المطلقة ومن أرض الواقع.. بصورة تطبيقية لا سردية أو إنشائية..
والأمر أشبه بأستاذين في الكيمياء ، إذ يقول أحدهما بأن الماء هو عبارة عن عملية إتحاد بين الماء والهيدروجين .. بينما يقوم الأستاذ الآخر بإحضار الهيدروجين والأوكسوجين في المخبر ويفاعلهما مع بعضهما لينتج الماء أمام العينين.
وأي التعريفين أصح وأنفع ؟ لا شك أن التعريف التطبيقي أنفع من التعريف النظري (السردي) .
وبالمثل ما قام به القرآن الكريم إذ لم يخبرنا مباشرة وبالقول المجرد عن ماهية السحر.. بل أخبرنا عنه بإجابة تطبيقية من المخبر الذي تمثله أرضية الواقع وحضور السحرة.
 وماذا يفعل الحلاج إذا أراد أن يتبع نفس المنهجية وصولا لتعريف التوحيد الذي هو أصعب من تعريف السحر؟ 
فلم يقل الحلاج مثلا في أن توحيد الله يقتضي تلك الوحدة الروحية والجسدية التي تحدث بين الإنسان وخالقه للدرجة التي يتحول فيها كل جزء من جسد هذا الإنسان وكل روحه لذكر الله فيصبح هذا الجسد وهذه الروح موطنا لوحدة الله... بل جاء بالجسد نفسه الموحد لله وما فيه من روح وقال بأن هذا الجسد ما ترون فيه إلا الله ، كما لو كان الجواب تطبيقيا لنظرية من النظريات.                        
وعندما أراد الحلاج أن يعطينا مفهوما دقيقا جدا عن التوحيد بنفس المنهج الإلهي في الطرح فإنه قال :
" أنا الله ".
وهنا أصبحت المكانية التي أشار إليها القرآن الكريم تتراءى في كلمة " أنا " .. وتبدو العبارة باعثة للشك من الوجهة الظاهرية.. أما من الوجهة الباطنية فتتراءى عند تطرقنا للسلوك الديني و التوحيدي للحلاج .. فهو إضافة إلى الإلتزام بالفرائض الدينية المختلفة ، والنوافل، وعمل الخير من أجل الخير..والزهد في الدنيا و...فإنه لا يحجم أبدا عن ذكر الله بلسانه وبقلبه ومشاعره وعواطفه وكل إحساسه..واستمر على ذلك في تدريب روحي متصاعد إلى أن صار يذكر الله بدقات قلبه وزفرات أنفاسه.. وهكذا إلا أن صارت كل خلية من خلايا جسمه تسبح الله في كل زمان وفي كل مكان .. إي أن الجسد صار كله يذكر الله ، فلم يكن بداخل العباءة التي يلبسها إلا ذكر الله عز وجل.. وهو ما جعله يقول :
" إنكم لا ترون بداخل هذه الجبة إلا الله "
والعقل القاصر عن فهم السلوك الديني والتوحيدي لأهل الصوفية ، يكون قاصرا أيضا عن فهم العبارات التي يقولونها..                                                                              وهكذا فعندما جاء سيدنا الحلاج بتعريف التوحيد تعريفا صوفيا فإنه إختار المنهجية الإلهية في الطرح وحل الجسد محل المكان الذي إنتهجه الله في التعريف .. ذلك لكي لا يكون العقل وحده منفردا فيه فتنعدم الحسية (البصيرة) من المعرفة.. بل أدرج إلى جانب ما يستنبطه العقل ، الذوق الذي يتراءى وراء الإعتبارات الحسية والعاطفية الموجودة خلف المكانية المنتهجة في الشرح والتي تتراءى في كلمة " أنا ".
لقد وصل الحلاج والصوفيون من غيره إلى عملية توحيد بمفهوم آخر يتراءى في:
 إندماج " الأنا " بمفهوم " الله ".. بوحدة كاملة لا تقبل التجزئة المادية باعتبار أن الروح تختلف عن ماهية المادة ، حيث أصبح هذا الأنا متحدا مع مفهومية الله إتحادا يحدث أيضا بين العقل والمشاعر والإحساسات المختلفة ذوقا مشتركا بين هذه الآليات والتي ما زلنا لم ندركها بعد كأناس قاصرين ..
إن التدريبات الصوفية تقوم على أساس الرجوع إلى الفطرة الإلهية في الإنسان..  والخروج عن كل ما من شأنه أن يؤدي بالإنسان إلى الهروب من الواقع.. والهروب من نفسه.. ومنه إلى الهروب من ربه.. فمن عرف نفسه ، عرف ربه..
وبرجوعهم إلى الفطرة يكونوا وجها لوجه مع البصيرة التي خلقها الله فيهم..
وبالبصيرة ، يصل إلى كينونته ووجوده الحقيقي.. ومنه إلى معرفة الأشياء على حقيقتها ، وعودته إلى مهد ما قبل الولادة ليندمج أناه مع وجودية الله.
 والعملية تشبه إلى حد بعيد ذلك الأنا الذي يتميز به الطفل في السنتين الأوليتين حيث يكون مندمجا مع أنا أمه والأشياء من حوله .. فهو لا يستطيع التفرقة بين جسده وجسد أمه.. وهي المرحلة التي تسمى في علم النفس بمرحلة " اللا تمايز "[6] ..
 كما أنها نفس المرحلة التي يصل إليها أهل الصوفية حيث يندمج أناهم أو يتحد مع مفهومية الله ، للدرجة التي لا يستطيع فيها التفرقة بينهما وكأنهما شيء واحد..
وما عسى للغة أن تقول في كيفية طرح هذا المفهوم ؟.. وهو ما لا يمكن لغويا إلا على سبيل المقاربة الفكرية التي تعرض أهل الصوفية لمثل ما تعرضوا له من تلك العقول القاصرة التي لا تناقش المفاهيم إلا بعقول قاصرة.. مع العلم أن هؤلاء الآخرين لا يناقشون الأحكام إلا بعقل وضعي يلتزم بقوانين العلم التي لا تخرج أبدا عن نطاق التعريف المادي للظواهر في إطار العلاقات بين هذه الظواهر.. غير أن العلاقات بين الظواهر ليست هي العلم بل هي التمهيد المسبق لما يجب أن يصل إليه العلم .
وأنت ترى أيها القارئ الكريم أنك ربما عجزت حتى عن مفهوم الطرح المتعلق بمفهومية إندماج ووحدة الأنا بمفهوم الله بشكل وصل بالصوفي إلى عدم القدرة على التمييز والتمايز بين فكرتين قد إلتصقتا مع بعضهما في وحدة تكاد تكون عضوية وحسية..              
فكيف إذن من الطرح الصوفي للفكرة ؟.    
 وبالمثل نفس الإشكال يظهر في مفاهيم الصوفية المطروحة بلغة أخرى ما زلنا لا نعلم قواعدها بعد.. والناس أعداء ما جهلوا ..  
                                                         


[1] - مدرسة التحليل النفسي ، ميكانيزمات الدفاع
[2] - هي مرحلة غير ناضجة من مراحل نمو الإنسان وقت طفولته والتي يثبت عندها ويحن بالعودة إليها...
[3] - حالة النكوص
[4] - ميكاكيزمات الدفاع النفسي تجاه الأوضاع الصراعية
[5] -العقل الذي يعتمد في دراسة الظواهر على المعطيات المادية
[6] -علم نفس الطفل

أسباب الإختلاف





تختلف الناس في منظورها نحو فكرة ما باختلاف توجههم الثقافي ، وباختلاف الخلفية الثقافية التي توجه مسارهم الفكري بصفة عامة.
يرجع سبب هذا الإختلاف إلى مرحلة متقدمة جدا من عمر الإنسان..
إلى أيام الطفولة الأولى .. وهي تلك التي تسمى بالمرحلة الفمية..
ترتبط المرحلة الفمية بالعلاقة المزدوجة والتي تحدث بينه وبين أمه في فترة الرضاعة.. حيث يكون الطفل مرتبطا إرتباطا كاملا بأمه نتيجة للعلاقة البايولوجية التي تحدث بينهما.. إلى جانب تلك العلاقة السايكولوجية ..
فالأم وما تقدمه للطفل من الرضاعة ، تجعل هذه الرضاعة تخضع لآليات يمكنها أن تؤثر في شخصية إبنها مستقبلا ، وتحدد حتى إتجاهه الفكري.. وقد تتسبب في إصابته ببعض الأمراض المتعلقة بالجهاز الهضمي والتي توضع تحت إسم الإضطرابات الغذائية.. ومن بينها قرحة المعدة ، أو إضطرابات القولون[1] في كبره.
وقد يخطأ الأطباء حينما يرونها أنها نتيجة لإنتانات جرثومية تستلزم العقاقير الطبية .. فالمرض لا يحدث إلا في المنطقة التي يكون لها الإستعداد لهذا المرض..الإستعداد العصبي بطبيعة الحال.. وما دور الميكروب إلا ذلك الدور المتأخر من مراحل المرض.. حيث يهجم عندما تكون منطقة الإصابة جاهزة.
والطفل يتلقى هذه الرضاعة من أمه طبقا لحالتين مختلتين :
- الحالة التي يتلقى فيه الطفل الرضاعة من أمه مباشرة بعد البكاء والصراخ والتعبير عن الشعور بعدوانية هذه الأم نحوه.. وما يتلقاها إلا بعد نحيب وألم ومعاناة كبيرة..
إنه في هذه الحالة يتعلم ميكانيزما أوليا يتراءى له فيه بأن الحياة قاسية ، ومتعبة ، ولا تؤخذ الأمور فيها إلا بعد جهد ومعانات ، يتم فيها الإعتماد على نفسه ، ومواجهة الحياة مواجهة عدوانية وبالقوة التي تستحقها..
وتجد مثل هؤلاء يميلون لحب السلطة من أجل مسك زمام الأمور بأيديهم.. كما تسيطر عليهم غريزة حب التملك  la possession..
كما تجدهم ضحية السجون والمحاكمات القانونية نتيجة لانقيادهم وراء الشعور بالعدوانية..
أما الفئة المثقفة منهم ، فيميلون إلى الإنتقادات اللاذعة والهدامة في كثير من الأحيان.. ولا يعترفون إلا بما هو ملموس من معطيات العلم التي تتراءى وراء التجريب..
فالأحكام النظرية ، والمقولات السمعية ، التي يستبدل فيها الإنسان عينيه بأذنيه ، ملغية ومحذوفة تماما من منهجهم المعرفي .. وقد تجد مبادراتهم الذاتية ساطعة في أي موضوع كان ، فيميلون للبحث بأنفسهم لا في الإستماع لغيرهم..
- الحالة التي يتلقى فيها الطفل هذه الرضاعة من أمه كأول مصدر بيولوجي وسايكولوجي ، بصورة لا تتطلب أي مجهود .. فهو ينال حليب أمه في كل وقت دون بكاء أو صراخ أو معاناة..
فأمه تعطيه ثدييها بصورة مبكرة ومسبقة قبل أن يشعر الطفل بحاجته إليهما.. وقبل أن يشعر بالجوع..
لقد قامت أمه بإعدامه دون أن تدري.. لم تترك الفرصة لنمو أنا طفلها نموا طبيعيا ، فذاب في أناها..
هذا الطفل يتعلم ميكانيزما أوليا يتراءى له أن الحياة سهلة وبسيطة ولا تتطلب أي معاناة ولا مجهود.. ينال الإنسان نصيبه دون التعبير عنه.. إنه سيتلقى ما يحتاج إليه من أمور الحياة ، وما يحتاج إليه من معرفة من خلال الآخرين دون أي جهد أو تعب .. وهنا يبدأ الإستعداد لانفصال الأنا عنه ليعيش بأنا الآخرين نتيجة لاعتماده عليهم مثلما كان يعتمد على أمه في كل شيء.
فمبادرته الخاصة في الموضوع ، إنعدمت بانعدام هذا الأنا الذي ذاب في أنا أمه ، وسيزداد ذوبانا في شخصيات الآخرين ..
سيبحث عنهم بطبيعة الحال في الكتب ، والجرائد ، والمجلات ، والقنوات التلفيزيونية ، ومواقع الأنترنيت.. وفي نظره أن كل كلمة يقولونها هي صحيحة لأبعد الحدود..
ولا يستطيع أن يعرف أن مجموع الواحد مع الواحد هو إثنين إلا إذا سألهم عن صحة ذلك.. وهو ما يسمى بمرض الإرتياب..
تتعرض هذه الفئة إلى حالة فقدان الثقة بالنفس ، والتعرض لمرض الإرتياب.. إلى جانب إنعدام جوهرهم الميتافيزيقي المتمثل في فقدان الأنا ، وزوال تلك الفطرة الربانية فيهم..
سيتغلب الجانب السمعي على الجانب الحسي لديه.. أي تتغلب أذناه على عينيه..
وبالتالي تتغلب الرؤيا الخارجية عن رؤيته الداخلية ، ومن هنا تبدأ المعاناة في شكلها الحقيقي دون أن ينتبه إليها ، بطبيعة الحال لأن إنتباهه لا يمكن إلا بواسطة الأنا الذي إنعدم بضربات الجلاد القادمة من خارج نفسه..
ومن الأعراض الشائعة لهذه الحالة هو شعور الإنسان بأن زمام أمره قد أفلت من يده.. لا يستطيع أن يقوم بشيء.. ولا أن يعمل شيئا.. خائر القوة ، فاقد الإحساس بطعم الحياة ذلك لأنه يشعر بشعور الآخرين ويأكل بفمهم .. وسيعلل ذلك باسباب أخرى ، كالشعور بالكبر مثلا.. أو السحر.. أو المس الجني .. أو الحسد ..
وما عليه أن يعلل ذلك إلا باعترافه بأن أناه قد سيطرت عليه أنوات أخرى. وأصبح معدوما ومشلولا لا يستطيع العمل إلا بالغش للمعلومات الخاطئة في كثير من الأحيان..
كما يتعرض هؤلاء إلى حالة التقديس..
فمن تقديس الأبوين ، كمنزهين عن الأخطاء.. إلى تقديس المعلمين والأساتذة .. إلى تقديس بعض الشخصيات من المجتمع.. إلى تقديس أشباه العلماء.. إلى تقديس الأئمة والمفسرين.. إلى الكارثة..
وتتمثل الكارثة في ظهور أعراض بسيكوسوماتية يصعب تشخيصها..
وخلاصة القول هو أن المثقفين يتواجدون على قسمين :
قسم يحفظ المعلومات عن الآخرين خارج إطار نفسه..
وقسم يبحث عن هذه المعلومات داخل إطار نفسه..
قسم يعتمد على التقاط المعلومات إعتمادا على العقل الذي يقف فاشلا في تفسير معظم الأحداث.. ذلك لأنه إستبدل عينيه بأذنيه..
وقسم يعتمد على إلتقاط هذه المعلومات إعتمادا على إحساسه الداخلي وبصيرته..
وشتان فرق بين العقل والبصيرة..
قسم يطل من الشباك باحثا عن أصحاب المعلومات.. كما لو كان في شباك سجن محكم..
وقسم يطل من وراء بصيرته بالموضوع..
قسم يستفتي الناس في كل شيء..
وقسم يستفتي نفسه ، إستجابة لحديث نبيه (ص) :
" إستفتوا أنفسكم "
ذلك لأن الحقيقة هي ذلك الجوهر الذي بعث الله به في قلوب الناس كلهم منذ انحدارهم للحياة.. وما ياتي العالم أو المعلم إلا ليذكرك بها فقط ، لا أن يعلمك إياها.. لأنك تعرفها معرفة اليقين ، وأنت تتجاهلها فقط نتيجة في أنك أعدمت الأنا باستماعك إلى أنا الغير.. ولذلك يقول سبحانه وتعالى :
" وعلم آدم الأسماء كلها "
فأنت تعلم حقائق كل الأشياء في هذه الحياة ، وهي مختبئة في عقلك ، لكنها محجوبة عنك ، بسبب تغطيتها بمعلومات الآخرين.. ولو نزعت الغطاء لعرفت الحقيقة [2].. فلا داعي في أن تتعلمها مغشوشة من الآخرين.. وخذها من داخل نفسك الطاهرة بالطهارة التي خلقك الله عليها..



[1] - راجع الأمراض البسيكوسوماتية في هذه المدونة
[2] - في المواضيع القادمة في التأمل سنتعلم تطبيقيا كيفية نزع هذا الغطاء المريب ، وتشاهد الحقيقة بنفسك..