إنه شاب إنجليزي في الستة والعشرين سنة من عمره ..
بدأت هذه المشكلة الصحية تراوده في سن العشرين..
تظهر عليه أرنب وهو في اليقضة ، وتسبب له الكثير من المشاكل والمتاعب
والأضرار الصحية..
تسبب له أحيانا خدوش في جسمه..الهلع والخوف.. عدم القدرة على الإستقرار
النفسي .. الأرق.. الفقدان المؤقت للذاكرة...
تظهر مرتين في الأسبوع.. ثلاثة أو أربعة.. للدرجة التي اصبح فيها لا يمشي
وحده.. من شدة الخوف..
لا أحد يرى هذه الأرنب سواه..
إتصل بالمعالجين الروحانيين ودون نتيجة..
هؤلاء المعالجين الروحانيين يؤمنون بالنظرية الشيطانية في الأمراض الجسدية
والنفسية..
إنهم يؤمنون بأن هناك أرواح خبيثة من الجن تسبب السلوك الشاذ والأمراض لبني
البشر على إختلاف دينهم .. سواء مسيحيين أو مسلمين أو..
وغالبا ما يكون سبب إيذائهم للبشر يعود إلى ظلم هؤلاء البشر لهم.. كأن
يرموا عليهم الماء الساخن في المجاري القذرة.. أو يدوسونهم بارجلهم.. أو يأكلون
طعامهم المعد لهم.. أو يقطعون عنهم الطريق بشبابيك.. أو يضربونهم عندما يكونوا في
صفة حيوانات ليلا.. أو..
ومع العلم أن هؤلاء البشر على غير دراية بظلمهم ، إلا أن الجن تحاسبهم كما
لو كانوا يعلمون..
هذا هو منطق الجن حسب قول هؤلاء المعالجين الروحانيين..
وينتشر الجن حسب زعمهم مع المساء ، بعد صلاة العصر.. وهي المرحلة التي يبدأ
فيها المجوسيون في عبادتهم.. ولذلك أغلب الأمراض تبدأ حسب زعمهم مع المساء..
وهو ما جعل حتى مجتمعنا يؤمن بسببية الجن في الأمراض التي تصيب البشر..
وفي الحقيقة ، مرحلة المساء تمثل تلك الفترة التي ينقطع فيها أمل الإنسان
لما ينتظره من خير له.. وانقطاع الأمل يدل على شدة اليأس ، مما يسمح للعقل الباطني
في سيطرته على العقل الواعي ، فتخرج الأعراض من عقالها.. لكن كثيرنا لا يعلمون..
وقصة هذا الشاب ترجع حسب زعمهم لنفس الأسباب..
فقد تسبب في إيذاء أحد الأرواح من الجن التي كانت تظهر على صورة أرانب..
مما جعل هؤلاء الجن ينتقمون منه..
لكن هذا التشخيص لم يأت بنتيجة طوال ستة سنوات..
فالتعاويذ التي يعرفونها لم تفلح في شيء على طول هذه المدة..
ويوما كان هذا الشاب في الجامعة ، يستعد للإختبار .. وإذا به يصيح ويستغيث
بأعلى صوته.. الأرنب..الأرنب..
ولم يكن زملاءه على علم بقصته ولا الإدارة .. إلا أنهم وجهوه لطبيب
نفساني..
ومن هنا بدأ الشاب في جلسات متواصلة مع هذا الطبيب وهو على غير إقتناع
بالعلاجات النفسية..
وعلم النفس بطبيعة الحال لا يؤمن بمبادرة الأرواح في خلق إضطرابات مرضية
لبني البشر ويعدها كنوع من تخيلات المريض أو ما يسمى بالهلوسة..
ومع مرور الوقت ، إستعان هذا الطبيب بمجموعة من زملائه في الطب النفسي ..
وبدأوا في حوار مستمر معه يوما بعد يوم..
وأصبحت المعركة واضحة..
المريض يحاول أن يثبت للأطباء بأن أعراضه ناتجة عن روح من الجن تظهر له
عيانيا..
والأطباء يحاولون أن يبرهنوا له أن هذا ضرب من الخيال ناتج عن صدمة نفسية حدثت
في طفولته فنسيها وسقطت في عقله الباطني ، وأصبحت تلوح بصورة حية في مخيلته..
المريض يقول بأنه يراها رؤيا العين..
والأطباء يقولون بأنه يراها هو وحده ولا يراها الآخرون..
لم يكن للمريض سوى حجة واحدة.. وهي أنه لابد من رؤية هذه الأرنب من طرف
الأطباء..
لكنه كان يرى أن هذا نوع من المستحيل.. لأن هذه الأرنب تختار وقت خلوه
بنفسه.. فلا تظهر عليه إلا عندما يكون وحده..
وحدثت الأزمة.. واشتدت بين رغبة الأطباء في إقناع المريض بأن هذه حالة
هلوسة ناتجة عن صدمة نفسية مقرها العقل الباطني للمريض.. وبين رغبة المريض في رؤية
الأرنب من طرف الأطباء ..
وحدثت المعجزة..
فيوما خرج الأطباء رفقة مريضهم في نزهة في البادية.. ووصلوا حيث الأشجار
والنباتات والأزهار على حافة الوادي.. فجلسوا هناك في حوار مع مريضهم..
وإذا بالشاب يصيح بأعلى صوته : هاهي الأرنب.. هاهي الأرنب.. هاهي على حافة
الوادي..
لقد ظهرت أمام عيونكم..
لكن الأطباء لم يروا شيئا.. وحاولوا إقناعه بأنه يراها وحده .. وهو دليل
أكيد على أنها موجودة في مخيلته..
وصاح الشاب مرة أخرى : هاهي تجري تجاههكم.. هاهي تجري على حافة الوادي
بسرعة وفوق الماء.. سيطير الماء على ثيابكم وأوجههكم..
وفعلا طار الماء عليهم حتى بلل وجوههم وثيابهم.. لكنهم لم يحركوا ساكنين..
وصاح الولد مرة أخرى في حماس :
" والآن بعد أن صار الملموس أمامكم .. فما أنتم قائلون ؟ "
وسكت الأطباء حتى بدا للشاب أنهم إقتنعوا الآن بعد هذه الحجة الملموسة ،
والدليل القاطع..
لكن الأطباء سكتوا عنه ليهدأ من روعه أولا ثم يستمروا في محاورته..
وقال أحدهم :
" الماء تطاير علينا بقوة تركيزك ، وليس من طرف الأرنب.. فأنت كنت
تتوقع بأن الماء سوف يطير علينا بمفعول أقدام الأرنب.. وتحول هذا التوقع إلى قوة
تركيز من طرفك..وقوة التركيز تؤدي على ماهو متوقع.."
وعندئذ أيقن الشاب بألا نتيجة من الإستمرار في إقناع الأطباء بما يحدث له..
وأيقن الأطباء باللاجدوى في محاورة هذا المريض.. وقرروا الإنفصال عنه..
على أن هذا الإنفصال والمقاطعة ليس كإستسلام للفشل.. بل قرروا تغيير طريقة
العلاج.. سوف ينصرفون إلى محاورة والديه..
لقد ركزوا الحوار بداية مع أبيه لعدة شهور.. ثم إتجهوا إلى أمه..
وكان الذي دفعهم إلى تغيير طريقة العلاج ليس هو الإستسلام للفشل.. بل نتيجة
لقوة الملاحظة والتحليل..
فلقد علم الأطباء أن ظهور الأرنب كان دائما ملازما لخلوة المريض بنفسه..
وظهرت لأول مرة بصورة معاكسة حينما كان في الجامعة وليس وحده.. وهذا راجع
إلى أن تلك الأيام كانت أيام إستعداد للإختبارات التي لم يكن جاهزا لها بسبب شرود
ذهنه مع حالة صحته النفسية.. فكانت الظروف التي ظهرت فيها الأرنب هي ظروف أزمة
حقيقية.. وهذه الازمة هي التي أحيت الأزمة الأولى التي حدثت في طفولته..
وظهرت لثاني مرة بصورة معاكسة أيضا ، حينما كان المريض يعيش أزمة متمثلة في
محاولة الإثبات للأطباء في أن هذه الأرنب هي أرنب حقيقية وليست متخيلة.. وهذه
الأزمة كانت أقوى من الأزمة الاولى التي ظهرت في الجامعة..
وبطبيعة الحال كلما دخل الشاب في أزمة ما ، فإن هذه الأزمة تحيي الأزمة
الأولى التي حدثت أيام طفولته.. وهذه الأزمة لها علاقة بالأبوين أو بإحداهما فيما
يتعلق بتربية طفلهما وما يوجهان له من عقاب..
فالارنب هي صورة للعقاب الذي كان يتوقعه الطفل من أحد أبويه..
هذا العقاب الذي هو المعنى الكامل لعقدة الخصاء التي يضنها البعض في أنها
أرواح الجان..
وركز الأطباء حوارهم مع الأم .. يوما بعد يوم.. وشهر بعد شهر..إلى أن ظهرت
الحقيقة ساطعة كنور الشمس في وضح النهار..
لقد كان هذا الشاب في طفولته الثانية ، كثير الحركة.. مشاغب.. لا يستقر في
مكان واحد.. ولا يعبأ أن يضع يده على النار.. أو يلمس سلك الكهرباء.. أو..
وكانت أمه ذلك اليوم مشغولة بإعداد الطعام وتهيئة الجو لضيوف قادمين
عندهم.. فلم تجد حلا للأمن على إبنها إلا أن قامت بربطه بأحد الحبال مع الخزانة ،
وتركته وحده وانصرفت إلى المطبخ..
وفجأة دخل فأر كبير، يريد مهاجمة الولد ، ولم يصح أو يبكي أو يحدث أي
حركة.. بل إستسلم لشدة الخوف الشديد حتى أغمي عليه..وارتفعت درجة حرارة جسمه
للدرجة التي أدخلوه بعدها المستشفى..
واعترف والده بأنه الذي قام بقتل الفأر بنفسه..
هذه الصدمة سقطت في العقل الباطني للمريض.. وبدأ الفار يظهر له على هيئة
أرنب كلما كان وحده أيام الازمات التي مر بها..
فالصدمة تفعل فعلها كلما سقط الإنسان في ظروف مشابهة لصدمته التي عاشها في
الطفولة..
ولم يكن للأطباء إلا أن أوضحوا لمريضهم ملابسات المشكلة للدرجة التي إقتنع
بها.. وشفي تماما من حالته..
فما نعتقده أنه مس من الجن ، ما هو إلا ضرب من الصدمات النفسية التي سقطت
في اللاشعور وأصبحت تلوح بأعراض مرضية توهم الناس في أنها أرواح شريرة..