اعلان

السبت، 4 يوليو 2015

جنية في صورة أرنب





إنه شاب إنجليزي في الستة والعشرين سنة من عمره ..
بدأت هذه المشكلة الصحية تراوده في سن العشرين..
تظهر عليه أرنب وهو في اليقضة ، وتسبب له الكثير من المشاكل والمتاعب والأضرار الصحية..
تسبب له أحيانا خدوش في جسمه..الهلع والخوف.. عدم القدرة على الإستقرار النفسي .. الأرق.. الفقدان المؤقت للذاكرة...
تظهر مرتين في الأسبوع.. ثلاثة أو أربعة.. للدرجة التي اصبح فيها لا يمشي وحده.. من شدة الخوف..
لا أحد يرى هذه الأرنب سواه..
إتصل بالمعالجين الروحانيين ودون نتيجة..
هؤلاء المعالجين الروحانيين يؤمنون بالنظرية الشيطانية في الأمراض الجسدية والنفسية..
إنهم يؤمنون بأن هناك أرواح خبيثة من الجن تسبب السلوك الشاذ والأمراض لبني البشر على إختلاف دينهم .. سواء مسيحيين أو مسلمين أو..
وغالبا ما يكون سبب إيذائهم للبشر يعود إلى ظلم هؤلاء البشر لهم.. كأن يرموا عليهم الماء الساخن في المجاري القذرة.. أو يدوسونهم بارجلهم.. أو يأكلون طعامهم المعد لهم.. أو يقطعون عنهم الطريق بشبابيك.. أو يضربونهم عندما يكونوا في صفة حيوانات ليلا.. أو..
ومع العلم أن هؤلاء البشر على غير دراية بظلمهم ، إلا أن الجن تحاسبهم كما لو كانوا يعلمون..
هذا هو منطق الجن حسب قول هؤلاء المعالجين الروحانيين..
وينتشر الجن حسب زعمهم مع المساء ، بعد صلاة العصر.. وهي المرحلة التي يبدأ فيها المجوسيون في عبادتهم.. ولذلك أغلب الأمراض تبدأ حسب زعمهم مع المساء..
وهو ما جعل حتى مجتمعنا يؤمن بسببية الجن في الأمراض التي تصيب البشر..
وفي الحقيقة ، مرحلة المساء تمثل تلك الفترة التي ينقطع فيها أمل الإنسان لما ينتظره من خير له.. وانقطاع الأمل يدل على شدة اليأس ، مما يسمح للعقل الباطني في سيطرته على العقل الواعي ، فتخرج الأعراض من عقالها.. لكن كثيرنا لا يعلمون..
وقصة هذا الشاب ترجع حسب زعمهم لنفس الأسباب..
فقد تسبب في إيذاء أحد الأرواح من الجن التي كانت تظهر على صورة أرانب.. مما جعل هؤلاء الجن ينتقمون منه..
لكن هذا التشخيص لم يأت بنتيجة طوال ستة سنوات..
فالتعاويذ التي يعرفونها لم تفلح في شيء على طول هذه المدة..
ويوما كان هذا الشاب في الجامعة ، يستعد للإختبار .. وإذا به يصيح ويستغيث بأعلى صوته.. الأرنب..الأرنب..
ولم يكن زملاءه على علم بقصته ولا الإدارة .. إلا أنهم وجهوه لطبيب نفساني..
ومن هنا بدأ الشاب في جلسات متواصلة مع هذا الطبيب وهو على غير إقتناع بالعلاجات النفسية..
وعلم النفس بطبيعة الحال لا يؤمن بمبادرة الأرواح في خلق إضطرابات مرضية لبني البشر ويعدها كنوع من تخيلات المريض أو ما يسمى بالهلوسة..
ومع مرور الوقت ، إستعان هذا الطبيب بمجموعة من زملائه في الطب النفسي .. وبدأوا في حوار مستمر معه يوما بعد يوم..
وأصبحت المعركة واضحة..
المريض يحاول أن يثبت للأطباء بأن أعراضه ناتجة عن روح من الجن تظهر له عيانيا..
والأطباء يحاولون أن يبرهنوا له أن هذا ضرب من الخيال ناتج عن صدمة نفسية حدثت في طفولته فنسيها وسقطت في عقله الباطني ، وأصبحت تلوح بصورة حية في مخيلته..
المريض يقول بأنه يراها رؤيا العين..
والأطباء يقولون بأنه يراها هو وحده ولا يراها الآخرون..
لم يكن للمريض سوى حجة واحدة.. وهي أنه لابد من رؤية هذه الأرنب من طرف الأطباء..
لكنه كان يرى أن هذا نوع من المستحيل.. لأن هذه الأرنب تختار وقت خلوه بنفسه.. فلا تظهر عليه إلا عندما يكون وحده..
وحدثت الأزمة.. واشتدت بين رغبة الأطباء في إقناع المريض بأن هذه حالة هلوسة ناتجة عن صدمة نفسية مقرها العقل الباطني للمريض.. وبين رغبة المريض في رؤية الأرنب من طرف الأطباء ..
وحدثت المعجزة..
فيوما خرج الأطباء رفقة مريضهم في نزهة في البادية.. ووصلوا حيث الأشجار والنباتات والأزهار على حافة الوادي.. فجلسوا هناك في حوار مع مريضهم..
وإذا بالشاب يصيح بأعلى صوته : هاهي الأرنب.. هاهي الأرنب.. هاهي على حافة الوادي..
لقد ظهرت أمام عيونكم..
لكن الأطباء لم يروا شيئا.. وحاولوا إقناعه بأنه يراها وحده .. وهو دليل أكيد على أنها موجودة في مخيلته..
وصاح الشاب مرة أخرى : هاهي تجري تجاههكم.. هاهي تجري على حافة الوادي بسرعة وفوق الماء.. سيطير الماء على ثيابكم وأوجههكم..
وفعلا طار الماء عليهم حتى بلل وجوههم وثيابهم.. لكنهم لم يحركوا ساكنين..
وصاح الولد مرة أخرى في حماس :
" والآن بعد أن صار الملموس أمامكم .. فما أنتم قائلون ؟ "
وسكت الأطباء حتى بدا للشاب أنهم إقتنعوا الآن بعد هذه الحجة الملموسة ، والدليل القاطع..
لكن الأطباء سكتوا عنه ليهدأ من روعه أولا ثم يستمروا في محاورته..
وقال أحدهم :
" الماء تطاير علينا بقوة تركيزك ، وليس من طرف الأرنب.. فأنت كنت تتوقع بأن الماء سوف يطير علينا بمفعول أقدام الأرنب.. وتحول هذا التوقع إلى قوة تركيز من طرفك..وقوة التركيز تؤدي على ماهو متوقع.."
وعندئذ أيقن الشاب بألا نتيجة من الإستمرار في إقناع الأطباء بما يحدث له..
وأيقن الأطباء باللاجدوى في محاورة هذا المريض.. وقرروا الإنفصال عنه..
على أن هذا الإنفصال والمقاطعة ليس كإستسلام للفشل.. بل قرروا تغيير طريقة العلاج.. سوف ينصرفون إلى محاورة والديه..
لقد ركزوا الحوار بداية مع أبيه لعدة شهور.. ثم إتجهوا إلى أمه..
وكان الذي دفعهم إلى تغيير طريقة العلاج ليس هو الإستسلام للفشل.. بل نتيجة لقوة الملاحظة والتحليل..
فلقد علم الأطباء أن ظهور الأرنب كان دائما ملازما لخلوة المريض بنفسه..
وظهرت لأول مرة بصورة معاكسة حينما كان في الجامعة وليس وحده.. وهذا راجع إلى أن تلك الأيام كانت أيام إستعداد للإختبارات التي لم يكن جاهزا لها بسبب شرود ذهنه مع حالة صحته النفسية.. فكانت الظروف التي ظهرت فيها الأرنب هي ظروف أزمة حقيقية.. وهذه الازمة هي التي أحيت الأزمة الأولى التي حدثت  في طفولته..
وظهرت لثاني مرة بصورة معاكسة أيضا ، حينما كان المريض يعيش أزمة متمثلة في محاولة الإثبات للأطباء في أن هذه الأرنب هي أرنب حقيقية وليست متخيلة.. وهذه الأزمة كانت أقوى من الأزمة الاولى التي ظهرت في الجامعة..
وبطبيعة الحال كلما دخل الشاب في أزمة ما ، فإن هذه الأزمة تحيي الأزمة الأولى التي حدثت أيام طفولته.. وهذه الأزمة لها علاقة بالأبوين أو بإحداهما فيما يتعلق بتربية طفلهما وما يوجهان له من عقاب..
فالارنب هي صورة للعقاب الذي كان يتوقعه الطفل من أحد أبويه..
هذا العقاب الذي هو المعنى الكامل لعقدة الخصاء التي يضنها البعض في أنها أرواح الجان..
وركز الأطباء حوارهم مع الأم .. يوما بعد يوم.. وشهر بعد شهر..إلى أن ظهرت الحقيقة ساطعة كنور الشمس في وضح النهار..
لقد كان هذا الشاب في طفولته الثانية ، كثير الحركة.. مشاغب.. لا يستقر في مكان واحد.. ولا يعبأ أن يضع يده على النار.. أو يلمس سلك الكهرباء.. أو..
وكانت أمه ذلك اليوم مشغولة بإعداد الطعام وتهيئة الجو لضيوف قادمين عندهم.. فلم تجد حلا للأمن على إبنها إلا أن قامت بربطه بأحد الحبال مع الخزانة ، وتركته وحده وانصرفت إلى المطبخ..
وفجأة دخل فأر كبير، يريد مهاجمة الولد ، ولم يصح أو يبكي أو يحدث أي حركة.. بل إستسلم لشدة الخوف الشديد حتى أغمي عليه..وارتفعت درجة حرارة جسمه للدرجة التي أدخلوه بعدها المستشفى..
واعترف والده بأنه الذي قام بقتل الفأر بنفسه..
هذه الصدمة سقطت في العقل الباطني للمريض.. وبدأ الفار يظهر له على هيئة أرنب كلما كان وحده أيام الازمات التي مر بها..
فالصدمة تفعل فعلها كلما سقط الإنسان في ظروف مشابهة لصدمته التي عاشها في الطفولة..
ولم يكن للأطباء إلا أن أوضحوا لمريضهم ملابسات المشكلة للدرجة التي إقتنع بها.. وشفي تماما من حالته..
فما نعتقده أنه مس من الجن ، ما هو إلا ضرب من الصدمات النفسية التي سقطت في اللاشعور وأصبحت تلوح بأعراض مرضية توهم الناس في أنها أرواح شريرة..

الجمعة، 3 يوليو 2015

مـن واقـع الوفاء





في ضواحي بوغزول.. كانت تسكن الحاجة مريم.. وهي  في عمر يناهز الثمانين..
مات زوجها عنها منذ حوالي عشرين سنة..
تزوجت بناتها..
وتزوج أولادها ، الواحد تلو الآخر ، وانفصلوا عنها في سكنات أخرى مع زوجاتهم دون مراعات لحقوق الوالدين وبرهم .. ودون مراعاة لصلة الرحم..
بقيت الحاجة مريم وحدها في الدار ، وليس لها ما يؤنسها سوى كلبة من كلاب الصيد..إسمها " ريشة "..
وشيئا فشيئا..ويوم بعد يوم.. أصيبت الحاجة بمرض شديد ألزمها الفراش..وعجزت عن النهوض من مكانها.. ولم يصبح لديها القدرة على تحضير الأكل أو الإتيان بالماء..
ولما أشرفت على الهلاك ، لم يبق لها إلا الإستنجاد بكلبتها ريشة..
فنادتها حتى جاءت وبدأت تحاورها :
" عزيزتي ريشة.. منذ أن ربيتك.. لم أبخل عليك يوما بتقديم أحسن المأكولات من طعام ، ولبن ، ولحوم.. ولم أتركك جائعة أبدا.. وكنت لا أنام حتى أطمئن عليك بأنك في أحسن حال ، لا تعانين من الجوع ولا العطش.."
" حبيبتي ، كنت أعتبرك بمثابة إبنتي.. لكنني أظن أنك أحسن من بناتي وأولادي.. حيث أنهم رحلوا عني وبقيتي أنت معي تؤنسيني.. فإذا كانت تربيتي لك في محلها .. فآتيني بقدح الماء لأشرب وأتوضأ.."
وعند ذلك صاحت ريشة صيحة شديدة كأنها تعبر بها عن حزنها على مولاتها الحاجة مريم.. ثم أخذت إناء الماء بفمها وقدمته لها لتشرب..
وجاءتها ببعض البقايا من الخبز فغمستها بالماء ، وراحت تعطيها قطعة بعد الأخرى حتى إطمأنت من أكلها وشبعها..
ولا زالت ريشة تخدمها ، وتقدم لها ما تحتاجه من أكل أو شراب ، وتنام بجانبها..
وما إنفكت تأتيها ببعض النباتات كالشيح وغيره ، بحيث تنقعه في الماء وتعطيها تشرب..
وبعد مدة .. طلبت الحاجة مريم من ريشة أن تذهب لإحدى بناتها ، التي تسكن منها على بضعة كيلومترات ، فتخبرها بأن أمها على وشك الموت..
إنطلقت ريشة كالسهم الخاطف ، حتى وصلت لإبنة الحاجة مريم.. وراحت تومئ وتشير برجلها إلى الجهة التي تسكنها الحاجة ، وتصيح أحيانا أخرى ، حتى تفطنت إبنتها في أن أمها قد تكون في خطر ، فأسرعت إليها على عربة من عربات الخيل مع زوجها..
أخبرت الحاجة مريم إبنتها بالدور الذي لعبته معها الكلبة ريشة .. وماتت بعد يومين..
ولقد ظلت ريشة عازفة عن الأكل والشرب طيلة أيام حتى ماتت هي الأخرى ..

أحذروا...هذه المغارات مليئة بالأفاعي


 
لن يفلت..
على كل طريق رقيب..
ليس أمامه إلا الصحراء..
إنهم ثلاثة فقط..
محمد وأبو بكر ودليلهما عويقب..أعرف الناس بالصحراء..
- ماهذا ؟ أعراب يسيرون غربا ؟
نعم ، نعم ، ومثلك يعرف..
يقولون أنك تقتفي أثر الطير بأنفك..
- يامحمد أخرج ولك بنا أن نعود بك حيا إلى مكة..
- أحذروا ، هذه المغارات مليئة بالأفاعي..
- ليسوا هنا..هذه الحمامة عشها قائم..
ونسيج العنكبوت لم يتمزق..


- فعلا...
أثناء عودتك من سفرك الذي سافرته لمدة طويلة من الزمن.. فإن الأعداء ستتفقدك..
أعداءك الذين يحبونك أن تبقى على ظلالك القديم..
سيبحثون عنك..سيقتفون أثرك..يريدون أن يعيدوك إلى ملتهم.. ملة الهرب من الله والنفس والمجتمع..
حاول أن تختف في بعض المغارات..
لكن أحذر.. إن هذه المغارات مليئة بالأفاعي ..
أفاعي لديها أنياب بارزة.. وسم قاتل..
تقوم أنيابها مقام  المراقبة الشديدة.. على علم بأي ورقة تسقط من شجرة.. وبحركة أي دابة حتى ولو كانت نملة..
إنها لا تعرف الأوقات الشرعية للصلاة ، لكنها تعرفك إن دخلت المسجد أم لا..
هي لا تصلي.. لكنها تراقبك هل صليت أم لم تصل..
إنها تعرف أي دكان دخلته .. وأي دار خرجت منها.. ماذا تحمل في يدك.. ومع من تكلمت..
مراقبة على مدار السنة.. بل على طول الدهر..
أنت لا تعرف تاريخ إزدياد أولادك لكن هم يعرفونه..
تخرج أحيانا من منزلك وأنت لا تعرف إلى أين ستذهب.. لكن هذه الفئة تعرف مسبقا إلى أين أنت ذاهب..سترصد حركاتك.. وتتنبأ بمصيرك قبل أن يحدث..
إنها فئة وظفت نفسها للمراقبة و التجسس دون أن يوظفها أحد..
تلتقط الأخبار مثلما يلتقط الطير الحب..
دونما فائدة..
ولا ندري.. ربما لهم فوائد..
لو أن مجهودات التجسس والمراقبة  صرفوها في الدراسة لكانوا علماء..
فأثناء عودتك من سفرك المشؤوم ..ستراقبك هذه الفئة.. وستخبر عنك أعداءك .. ويعيدونك إلى ملتهم ولن تفلح إذن أبدا..
أهل الكهف كانوا يخافون من جنود الملك دقيانوس..
والرسول(ص) كان يخاف قريش قبل إسلامهم..
ومجاهدوا الثورة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي كانوا يخافون من الخونة..
أما أنت فتخاف من فئة ظالة..
فئة متجسسة عليك وعلى الغير.. دون معرفة هويتهم وأهدافهم من وراء هذا..
فاخرج ليلا بعد صلاة العشاء..وتوقف بعد صلاة الفجر..
لكي لا يعرفوا حركاتك وسكناتك..
إن أنيابهم تمثل شدة وقوة المراقبة الدقيقة..
خبرة طويلة جدا..
وتدريب دقيق..
إنه يقتفي أثر الطير بأنفه..
أما السم القاتل فيمثله كلامهم وكلماتهم الخطيرة..
فما أن تلتقي به حتى تتحول الساحة إلى سوق للنميمة..
كل الجرائد عنده ..
النهار والشروق و...
قال فلان..وضرب فلان فلانا.. والتقى فلان بفلان..وشتم زيد عمرا.. وطلق فلان فلانة..و..
دون الخروج بنتيجة..
إن هذا الكلام الذي تسمعه سيثنيك عن عزمك لا محالة إلا إذا كانت إرادتك قوية جدا..
سيثنيك عن الرجوع.. لأنه كلام مخيف جدا..
كلام يبعث على التشاءم..
إنهم يحاولون أن تبقى على عدوانيتك..ولذلك يخبرونك ماذا قال الغير عنك من سلبيات.. ليزداد حقدك بازدياد عدوانيتك..
لكنك أثناء رجوعك ركبت على مركبة إسمها الحب المعاكس للعدوان..
وسرت بحركات بطيئة على عكس حركاتك السريعة أثناء سفرك..
والتزمت بألا تؤمن بشيء حتى تراه بعينك.. فلا تنصت إلى ما يقولونه من نميمة..
وارتبطت بما يراه إحساسك وبصيرتك وفطرتك الربانية فيك.. ورميت العقل جانبا..
ذلك لأن العقل مليء بتوجيهات الآخرين ذات الأفكار البتراء..
الإحساس أو البصيرة شيء فطري فيك..
المغارات التي تحاول أن تختبئ فيها أثناء عودتك.. مليئة بالأفاعي .. فكن حذرا..
لكن سم هذه الأفاعي لن يؤثر فيك أبدا ، إذا كنت ملتزما بالحب.. حب كل شيء فيه خير..
حب الإنسان.. وحب الكون..وحب الطبيعة.. وحب الله.. وحب الوطن .. بحيث لا يترك هذا الحب نصيبا للعدوانية أبدا..
ولن تؤثر فيك هذه الأفاعي ما دمت تسير ببطء واطمئنان..
ولن تؤثر فيك مادمت قد رميت السمعيات جانبا.. والتزمت بالمرئيات والملموسات..
هذه قمة الإيمان الصادق..
إننا نخاف من الأفاعي وهي بعيدة عنا ، ولا نخاف من أفاعي تعيش معنا..
لا تعادي من يعاديك.. فبحبك له يمكنك أن تغير من عدوانيته..
هذه العدوانية هي التي خلقت الأمراض الجسدية والنفسية و الإجتماعية بيننا..
ألم تر أن السماء تبخل بمطرها إذا حل العدوان في مجتمع ما ، وفشي المنكر بينهم .. وخصوصا إذا أريقت الدماء ؟
ألم تجرب بأن الماشية يكون لحمها رديئا إذا ذبحها شخص عدواني ؟
وعلى العكس يكون لحما طيبا إذا ذبحها شخص حنون ومحب..
ألم تر أن الصواعق تنزل حيث يكون المنكر والعدوان ؟
وعلى العكس تبتعد عن مناطق الرحمة وحب الخير..
بالحب تستطيع أن تغير مجتمعات نحو الرحمة والحب..
وبالحب تبني وطنك ودولتك.. وبه تداوي أمراضا عجزت العقاقير الطبية عن علاجها ..
وفي الآية :
" وإنه لحب الخير لشديد "
إن تلك الأفاعي الموجودة في المغارات ذات الأنياب الجاهزة للسع.. إنما هدفها زرع العدوان بين أفراد المجتمع.. لأنها تعلم أن هذا العدوان هو الذي سيفتك بها..
العدوان أشد ضررا من الأسلحة الفتاكة.. والسموم القاتلة..
لأن العدوان هو الذي يدفعك إلى حمل السلاح..
أحمل وردة بيدك ، بدلا من تحمل خنجرا.. وسترى أن الفرق كبير جدا..
عندما تحمل وردة بيدك فإن ملائكة الله تحيط بك..
وعندما تحمل خنجرا فإن الشياطين تلازمك..
عد إلى نفسك وذاتك الحقيقية..وإلى حب مجتمعك ووطنك.. وإلى حب الخير وحب الله..
ولا تخاف من الأفاعي مادمت في حب الخير.. إنما أحذرها فقط..
إبتسامة في وجه أخيك صدقة..
إن الذي يخبرك عما هدته السيول ، لن يخبرك أبدا عما أنتجته هذه السيول من نباتات وفواكه وحبوب وخضار..
والذي يخبرك على أن فلان يغتابك.. لن يخبرك أبدا في أن فلان آخر يحبك ويمدحك..
والذي يستمتع بصوتك الجميل ، يستمتع أيضا بعويلك وبكائك..
فكن حكيما بالحكمة التي أودعها الله فيك..
فهناك من يزرع الحقد والكراهية والبغضاء بين أفراد المجتمع ، ويريد تمزيق الصفوف..
فكن أنت ممن يزرع الحب والتآلف والتعاطف بين أفراد هذا المجتمع من أجل بناء صرح العروبة والإسلام..
وستكتشف بعد حين أنه بمحبتك وابتسامتك ، وحنانك وعطفك .. أنت مجاهد حقا..
وأنت العابد الحقيقي لله..
فالعبادة لا توجد وراء العدوان..بل توجد وراء المحبة الصادقة..
وتذكر قوله(ص):
" المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا "


الثلاثاء، 30 يونيو 2015

الجني والعقل الباطني



                                    

لقد ظهر على ساحة المعرفة السحرية ، خصوصا في الآونة الأخيرة ، مع بداية الألفينات .. أناس يدعون أنهم يكلمون الجن بواسطة الرقيا .. الرقيا الشرعية على حد قولهم .. حيث
 يخبرهم هذا الجن عن أمور غيبية ، غالبا ما تتعلق بمعلومات حول الساحر الذي قام بمبادرة سحرية للشخص المريض ..
عندما يصاب أحدهم  بأعراض مرضية ذات مشابهات ، يختلف أهله في مصدر هذه الأعراض ، خصوصا حينما تظهر غالبا وقت المساء ، وهم يعتقدون أنه وقت إنتشار الجني ونشاطه ، وحينما يبدأ أهل المجوس في عبادتهم .. فيظن أهله أن هذا ضرب من الشيطان ومس من الجني..
هذه الأفكار تدعمها البئة المتخلفة التي يعيشها هؤلاء ، إلى جانب الفئة التي تعمل على إشهار هذا النوع من المعرفة في الأوساط العربية .. خصوصا في الدول التي خضعت إلى الإستعمار بصفة مطولة..
وهؤلاء لا يعرفون الطبيب إلا في حالات إستثنائية جدا .. بل يعرفون من يسمى عندهم بالراقي..
هذا "الراقي" الذي حل في الآونة الأخيرة محل "الطالب" في السنوات المنصرمة.. بحجة أن كتابة القرآن على أوراق هو تميمة والعياذ بالله..
يقوم الراقي بقراءة القرآن على المريض المصاب بأحد الأعراض التي تبعث على الإعتقاد في أنها أعراض سحر أو مس جني... خصوصا وأنه يتطرق أثناء قراءته إلى الآيات التي ذكر فيها خلق الجن.. فيتوهم المستمع إلى أن هذه الآيات تتكلم عن مس الجن للبشر..
هذه الآيات تتكلم عن خلق الجن ، ولم تتكلم عن المس الجني بتاتا.. لكن الترابط الذي يحصل في ذهن المريض وأهله بين وجود الجن وبين مسه لبني البشر هو الكارثة..
فوجود الجني شيء.. ومسه لبني البشر شيء أخر..
هذه الوهميات الخفية جدا هي تلك التي يجب الإنتباه إليها بحذر كبير..
وعندما يبدأ الراقي في قراءته للقرآن على رأس المريض ، فإنه يحدث ترابط فكري في ذهن هذا المريض ، خصوصا وهو يعتقد بأن هذا كلام الله ، فيسقط في أحابيل الوهم ، ويصاب وعيه بحالة الكبت التي تسمح لعقله الباطني بالإنطلاق في الكلام..
المريض قبل سقوطه في حالة الغيبوبة ، يشك في أن فلان بالضبط هو الذي سحره ، مما هيأه للإصابة بالمس.. لكنه لا يستطيع البوح بذلك بسبب شدة الكبت[1]..
هذا الكبت يقوم له الراقي بالمرصاد حيث يفك عقاله ويتركه يتكلم بحريته..
وهنا يصعب على المريض الكلام بشخصيته المستقلة ، فيفتعل شخصية أخرى مثل الجني المزعوم لتتكلم عوضا عنه ..
يقوم هذا الجن الوهمي ، بالكلام مع الراقي على لسان المريض ، كما لوكان ليس لديه لسان مستقل عن لسان هذا المريض ، بعد أسئلة معينة يقوم بها هذا الراقي.. فيصف لهم إنسانا بريئا مما يصفون.. وتظهر عدوانية أهل المريض لهذا الشخص الموصوف وقد تنتهي لما لا يحمد عقباه...
المريض بطبيعة الحال لديه أفكار مكبوتة في وعيه ، وتصورات خاطئة عن أسباب مرضه ، وتشخيص وهمي.. ولم يستطع التصريح بها بسبب هذا الكبت..
وعندما يقوم الراقي بقراءة القرآن ، فإنه يتطرق إلى الآيات المتكلمة عن السحر ، مما يسمح بكبت وعي المريض.. حيث تنطلق أفكاره من عقالها ، ويبدأ عقله الباطني في الكلام عما كان مكبوتا فيه.. وعند ذلك ينخدع الراقي ، وأهل المريض في أن الجني هو الذي يتكلم وتحدث المصيبة الكبرى..
وليس هذا تعمدا من الراقي..بل أن إجتهاده جره إلى هذا المعتقد..
والسول (ص) يقول :
" من إجتهد وأصلح فله أجران ، ومن إجتهد وأخطأ فله أجر واحد "
هذا الراقي إجتهد وأخطأ فلن يحرم من الأجر.. لكن عليه أن يتوب عن خطئه وفقا لحديث حبيبنا(ص) :
" كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون "
عليه أن يعترف بخطئه في تشخيصه للمرض.. هذا أولا..ثم عليه أن يعترف بخطئه الأكبر والعياذ بالله حينما إعتبر كتابة القرآن تميمة..
فالذي يتكلم مع الرقاة ليس بجن على الإطلاق ، وما هو إلا صدى العقل الباطني للمريض..
ولو فحصنا ذلك المريض فحصا نفسيا أو طبيا ، لوجدنا أنه يعاني من أسباب أخرى لا علاقة لها بالجن أو بالسحر إطلاقا..
كما لو قمنا بتحريات لوجدنا أن هذا الشخص المتهوم لا يعرف شيئا عن السحر إطلاقا ، وليس له سوابق عدوانية أو حتى معرفة بالشخص المريض .. بل أن ذنبه الوحيد هو قراءته للقرآن الذي يعتبرون كتابته سحرا وتمائم والعياذ بالله .. فالقرآن وحامل هذا القرآن في نظرهم شيء واحد وهو السحر ..
إن القرآن هو القرآن ، سواء تلوته أم كتبته .. وكيف يكون موقف هؤلاء الرقاة أمام الآية :
" ومن أظلم ممن إفترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون "
ومن جهة أخرى فإن هذا الذي يدعي مكالمة الجن ، ما هو إلا شخص يتكلم مع العقل الباطني للمريض لا أكثر ولا أقل[2]..
والدليل على ذلك هو أن هذا المريض حينما يوجه إليه هذا الراقي سؤالا فإنه لا يجيب إلا عن أشياء موجودة في وعيه بمعرفة مسبقة.. ولا يتكلم عن أشياء غير موجودة في هذا الوعي ، فهو يتكلم بحسب ما يوجد في وعيه من مكبوتات .. فإذا كان يشك في أن فلان هو الذي سحره فإنه أثناء الرقيا ، ينطق عقله الباطني بمحتوى ما هو موجود في وعيه[3] .
وإن جئت لمحاورة هذا المعالج.. فإنه يستدل بأحاديث وآيات لا علاقة لها بالموضوع على الإطلاق..
سيقول لك مثلا ، الآية :
" خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار "
وهذه الآية تتكلم عن خلق الجن.. ولم تتكلم عن مسه لبني البشر..
وهناك الكثير من الآيات بهذا الشكل ، ولم تتطرق بتاتا إلى مسألة المس..
أو يقول مثلا :
" إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم "
هذه الآية تدل على إمكانية رؤية الجن لنا ، وعدم إمكاننا على رؤيتهم..
ورؤيتهم لنا لا يعني المس..
أو يتطرق إلى الحديث :
" إن الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم في العروق "
هذا الشيطان يجري في دم ابن آدم من أجل الوسوسة التي جاءت واضحة في سورة الناس والتي لا تحتاج إلى تفسير أو مفسر..
إنما أقول لهؤلاء الرقاة ، مرحبا بكم ، لو أنكم إستعملتم الرقيا من أجل علاج الأمراض النفسية والجسدية.. بدلا من إستعمالها في أمور وهمية كالسحر والمس الجني.. فما تعتقدونه عن المس الجني ما هو إلا صدى العقل الباطني للمريض.



[1] - الكبت وسيلة من الوسائل التي يسلكها المريض في مواجهته لشيء ما في نفسه
[2] -التنويم المغناطيسي و وظيفة اللاشعور-
[3] - عن دراسات تطبيقية وتجارب شخصية طيلة أربعين سنة ، توحي بتدخل العقل الباطني للمريض وتستثني لعبة الجن من الموضوع