اعلان

الثلاثاء، 7 يوليو 2015

الصراع النفسي



                                                
ما أن تمشي على الطريق بغية الوصول إلى مكان ما ، حتى تتفرع أمامك مجموعة من الطرق الأخرى والشعاب والمسالك ، فيصعب عليك حينئذ إختيار الطريق المناسب الذي يوصلك إلى المكان المطلوب..
وما أن تشرع في التفكير عن السبل التي تعلمك حسن الإختيار للباب المناسب لاكتساب المعرفة ، حتى تتشعب أمامك مجموعة من الأبواب والافكار المختلفة مع بعضها البعض ، بحيث يتراءى لك أن كل فكرة منها صحيحة ، بالرغم من تضادها أو تناقضها مع بعضها .. و يصعب عندئذ تحديد الفكرة الأصح منهم..
وكلما ناقشت فكرة ما على العموم ، تظهر مختلطة مع أفكار أخرى وملتصقة بها ، فتسلّط عليك جانبا من الإرتياب في إتخاذ الفكر الصحيح..
وما أن تقول نعم.. حتى تسمع ألف صوت ينادي بكلمة لا..
ذلك هو الصراع الناجم بين المتضادات والمتناقضات من الأفكار..
بين نعم ولا..
بين نكون أو لا نكون..
نحب أو نبغض ..
بين القبول أوالرفض..
بين الحب والعدوان..
هذا التناقض والتضاد ينتج عنه صعوبة القدرة على الإختيار..
وهو ما يعطي لنا مفهوم الوجه السطحي من الصراع الذي يبدأ مباشرة من القطب الأمومي أو الأبوي ..
فالذكر من الأطفال و مع بداية نمو الأنا الإجتماعي لديه ، يبدأ في تعلم شيئين متضادين مع بعضهما تمام التضاد.. سيتعلم حب أمه لكنه في نفس الوقت يتعلم النفور والبغض والكراهية لأبيه[1]..
ومن هنا يظهر الحب والبغض في آن واحد..
والبنت تحب أبيها وتبدأ في نفس الوقت تتوجه مشاعرها نحو بغض أمها والعدوان لها[2]..
وقد يأمر الآب إبنه بالذهاب للسوق مثلا ، وشراء بعض المستلزمات.. في الوقت الذي تأمره أمه بمراجعة دروسه ،إستعدادا للإختبارات..
وهنا يصعب على الطفل إختيار الأمر الذي سيرضخ له..
هل ينفذ أمر أبيه مع علمه بصلابة رأيه..
أم ينفذ أمر أمه مع علمه بحنانها وعطفها عليه..
سيعمد هذا الطفل ربما ، إلى تنفيذ أمر أبيه والذهاب إلى السوق.. في نفس الوقت الذي يأخذ فيه كراسه ليراجع في الطريق..
ومن هنا يكون قد نفذ الأمرين في آن واحد..
هذا إذا كان في مستوى سني مناسب لإيجاد الحلول..
أما إذا كان دون ذلك ، فإن كل من الأمرين المتضادين يظلان يدوران في رأسه ، إضافة إلى بعض الأواملر الأخرى المتضادة.. وسيواجه مستقبلا أزمة نفسية قد تكون سكيزوفرينيا مثلا..[3]
وعندما يصل الطفل إلى مستوى معين من العمر ، يظهر الصراع في شكله الواضح تماما.. حينما تبدأ تلك الرغبة في التخلص من السلطة الأبوية ، حيث تبدأ حالة التمرد واضحة مقترنة مع رفض أوامر الأبوين والمواجهة العدوانية لهما ..
وفي نفس الوقت يشعر الطفل بأنه لا زال في حاجة ماسة إلى إهتمام أبويه به ، وحنانهما عليه ، وحبهما له..
ومن هنا تبدأ المشكلة.. ويبدأ الصراع واضحا..
صراع بين الرغبة في التخلص من السلطة الأبوية...وبين الحاجة الماسة إليهما..
ويتعذر وجود الحل عندئذ في كثير من الحالات ..
وتعذر وجود الحل يؤدي إلى تلك الإضطرابات النفسية والإضطرابات الجسدية بعيدا تمام البعد عما يسمى بالميكروب..
وقد يبدأ الصراع بادئ ذي بدئ بسبب حدوث إثارة خارجية .. إثارة من الوسط الخارجي..
هذه الإثارة تؤدي إلى نشوب الصراع..
مثل شعور الطفل باهتمام أبويه بولادة طفل جديد لهما..أو الشعور بتفضيل أحد إخوته عليه.. وهو ما يحدث غالبا عند الأنثى بصفة عامة..
هذا الشعور الجديد عبارة عن إثارة خارجية..
وعند الكبار قد تحدث الإثارة على شكل إخفاق في العمل..أو الحب..أو في الحياة الزوجية.. الإمتحانات...
وما أن تحدث الإثارة حتى يحدث الصراع تابعا لها في وقت واحد..
الصراع بطبيعة الحال يؤدي إلى قلق الأنا.. ويدفع به إلى لزومية إيجاد الحل..
الحل الذي يقوم به الأنا تجاه ذلك الوضع الصراعي يسمى بميكانيزم الدفاع..أو الآليات الدفاعية..
......................................................................................................
- أبو سفيان غادر بالتجارة شرقا مبتعدا عن آبار بدر
- إذن القافلة في أمان..أرى ألا نحاربهم..
- لا نحارب ؟
- ولماذا نشب على قومنا حربا قد تظل مشتعلة طيلة 40 سنة ؟
- تعني حرب الولد و أبيه.. فولدك حذيفة معهم.. أنا أقول بالحرب .. وهذا الصابئ يجب أن يجلد.. ولدك الحقيقي هو الوليد..
......................................................................................................
لقد لاحظنا أن الصراع في هذه الحالة يوجد في فكرتين متضادتين :
- الرغبة في الحرب إنتقاما من الصابئين(المسلمين)
- عدم لزومية الحرب لأن التجارة في أمان..
ثم تدخل الحسم واتخاذ القرار السياسي بعنف..
هذا القرار السياسي هو ما يقربنا نوعا ما من مفهوم ميكانيزمات الدفاع..
إلا أن هذه الميكانيزمات قد تتخذ في كثير من الحالات طرقا ملتوية يصعب تحديدها..
وإذا فشلت هذه الميكانيزمات ، فإن الإضطراب النفسي والجسدي يدخل من بابه الواسع .. على شكل حرب صعب..
......................................................................................................
- يامحمد أخرج إلينا رجالك..
من أنتم ؟
يا محمد أخرج إلينا نظرائنا من قومنا..
- عبيدة..وأنا(حمزة).. وعلي..
هل نحن نظرائكم ؟ لا إله إلا الله ، محمد رسول الله..
......................................................................................................
عندما تحدث الإثارة ، فإن ذلك يؤدي إلى نشوب الصراع..
الصراع يؤدي إلى قلق الأنا..
الأنا يكون ملزما باتخاذ موقف معين..
هذا الموقف يسمى بميكانيزمات الدفاع أو يسمى بآليات الدفاع..
هذه الميكانيزمات تبحث عن طريقة تمكن من إيجاد التوافق بين الطرفين المتصارعين..
أي إيجاد التوافق بين العقل الواعي والعقل الباطني..
......................................................................................................
أقبل مفاوض آخر..
- محمد..عرضنا عليك شروطا للصلح من قبل
ما هذا بسم الله الرحمن الرحيم.. لا أعرف هذا.. قل باسمك اللهم..
من محمد رسول الله.. لو شهدت أنك رسول الله..لم أقاتلك..
أكتب : من محمد بن عبدالله إلى ..
أليس هذا هو الأفضل..؟
......................................................................................................
لقد لاحظنا كيفية إيجاد التوافق أو التسوية بين الأطراف المتنازعة..
وهي تماما التسوية التي تحدث بين العقل الواعي والعقل الباطني التي يقوم بها الأنا عن طريق أحد ميكانيزمات الدفاع..
وعندما تفشل هذه الميكانيزمات في الحل..
فإن ذلك يؤدي إلى الأمراض النفسية والجسدية..
تماما مثل الحرب..
......................................................................................................
- يامحمد لسنا نحن الذين نقضوا عهد الحديبية.. بل نفر من قومنا هم الذين..
هل من يسمعني ؟ ياأبابكر..ياعمر..ياعثمان..ياعلي..
أنا سيد مكة..
- سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه : لأنك لم تحفظ عهدا ولا أمانة..
بعد فترة..
المسلمون قادمون لفتح مكة..
- سنصبح عشرة آلاف قبل الغروب..
- جيوش المسلمين يدخلون مكة من أبوابها الأربعة..
- من دخل دار أبي سفيان فهو آمن..
......................................................................................................
عندما يفشل منطق الحوار يبدأ منطق الحرب..
عندما تفشل ميكانيزمات الدفاع تبدأ الإستجابة النفسية والجسدية تلوح بالحرب هي أيضا على شكل إضطراب مرضي ..
الفتاة العربية المسلمة ترى نفسها ملزمة على البقاء في البيت إستجابة للآية :
" يا نساء النبي قرن في بيوتكن "
وفي نفس الوقت ترى نفسها بأنه لا بد من الخروج من أجل العلم مثلا ، إستجابة للآية :
" إقرأ بسم ربك.."
إنه الصراع الي يتطلب الحل العاجل..
الطرف الأول من الصراع يطالب بمكوثها في البيت..
الطرف الثاني من الصراع يتطلب الخروج إلى طلب العلم..
وهو ما يتطلب ميكانيزما دفاعيا شرعيا..
وتجد الحل سريعا في الشريعة..
تخرج محجبة..
فالحجاب يرضي الطرف الأول من الصراع والطرف الثاني..
إنها بارتدائها للحجاب كأنها ماكثة في البيت ، وقد أرضت الطرف الأول من الصراع..
وخرجت لطلب العلم أو العمل فأرضت الطرف الثاني من هذا الصراع..
هذا ما يسمى بالتوافق والتسوية التي يسعى إليها الأنا عندما يحدث الإشتباك بين العقل الواعي والعقل الباطني..
وفي البنت الرافضة لأنوثتها آيات لأولي الألباب..
فأعضاءها التناسلية تذكرها بأنها أنثى .. وهو ما يشكل الطرف الأول من الصراع..
وهي ترفض هذه الأنوثة وتريد أن تكون رجلا.. وهذا يشكل الطرف الثاني من الصراع..
ولا بد للأنا من إتخاذ موقف..وإيجاد الحل عن طريق التوافق والتسوية..
ستلبس هذه البنت لباس الرجال ، وتتصرف كما لو كانت ذكرا..
فهي في هذه الحالة أنثى ورجل في نفس الوقت..
وهو ما نلاحظه في بعض الحالات الإكلينيكية ، والتي توضع تحت عنوان الإنحرافات الجنسية أو الشذوذ الجنسي..[4]
وفي الصفحة القادمة سوف نتطرق إلى الإستجابات التي يتخذه الأنا في مواجهة الأوضاع الصراعية .. والتي سميناها بميكانيزمات الدفاع.. وعددها يزيد عن الستين وضعية وتشكل المحور الأساسي في تعاليم مدرسة التحليل النفسي..






- عقدة أوديب[1]
-عقدة إليكترا[2]
- إنسحاب الأنا من الواقع بحيث يخلق عالما خاصا به[3]
- سنتطرق لهذا في أحد الصفحات القادمة بإذن الله[4]

آثار ومخلفات الإستعمار

الأحد، 5 يوليو 2015

الأمراض البسيكوسوماتية






هي تلك الأمراض التي تحدث في نفس الإنسان وتتحول إلى صبغة جسدية ..
وترجع إلى الصدمات الإنفعالية والأحداث الأليمة التي تعرض لها الفرد منذ طفولته ..
فعندما تعجز النفس عن تحمل وقع الصدمة المبكرة ، تبعث بها إلى الجسم في شكل أعراض مرضية..
تصور أنك تملأ دلوا بالماء.. وعندما يمتلئ فإن الفائض يتدفق على جوانب الدلو ومنه على الأرض..
الدلو يمثل نفس الإنسان..والماء يمثل الصدمات النفسية..أما الأرض في هذه الحالة فتمثل جسم الإنسان..
عندما تحدث للإنسان مشكلة ما في كبره..فإنه يعرف كيف يتعامل معها ، وشيئا فشيئا يتغلب عليها بإحكام عقله وبصيرته..
أما عندما تحدث مشكلة ما للإنسان وقت طفولته.. فإن الطفل بطبيعة الحال ، صغير العقل، لا يعرف كيف يتعامل مع هذه المشكلة.. ولا يعرف سوى الهرب.. سيهرب من المشكلة عن طريق النسيان والتناسي.. وهو ما يعبر عنه علم النفس المرضي بالكبت..
نسيان المشكلة لا يعني إنعدامها .. فهي نظل موجودة ومختبئة في العقل الباطني لدى الإنسان .. وتظل تترقب فرصة الظهور..
إنها تريد أن تطلع على مستوى ساحة الشعور ، لكن العقل الواعي يفرض عليها مراقبة شديدة ويمنعها من الظهور..
لما يسقط الإنسان في كبره في ظروف مشابهة للظروف التي حدثت فيها المشكلة أو الصدمة..فإن ذلك يستدعي الصدمة القديمة لتخرج على مستوى الوعي.. لكن الوعي يمنعها.. وهكذا يحدث ما يسمى بالصراع النفسي..
هذا الصراع بين العقلين : الواعي والباطني يتطلب الحل..
والحل مفقود تماما بين أطباء عضويين لا يعرفون سوى ثقافة الميكروب..وابتلاع الدواء.
وباشتداد الصراع ، يستجيب الجسد لتلقي الفائض الذي لم تستطع النفس تحمله ، فيعبر عن ذلك على شكل إضطرابات مرضية جسدية ليس لها أي إنعكاس عضوي في جسم الشاكي..
هذه الإضطرابات المرضية تظهر حسب طبيعة الصدمة ..
إذا كانت الصدمة تدور في مجال العلائقية بين الطفل وأحد الابوين  ، فإن الإضطراب يظهر على شكل توتر بالرأس .. ولذلك نلاحظ دائما أن أمراض الرأس تحدث بشدة لدى الأطفال وقت دخولهم للمدرسة لأول مرة.. ذلك لأنهم يشعرون بابتعادهم عن الشخص المحبوب لا سيما الأم..
وفي الحالات القصوى التي يرفض فيها الطفل رفضا قاطعا الدخول إلى المدرسة ، فإن المسؤولية تكون بالدرجة الأولى على عاتق الأم..إذ يستوجب عليها أن ترافق إبنها إلى المدرسة وقت دخوله ووقت خروجه لأيام معدودة .. ذلك لكي يشعر هذا الطفل بعدم إنحلال العلائقية بينه وبين أمه بسبب إبتعاده عنها..
وفي كثير من الأحيان .. يرفض الطفل الذهاب إلى المدرسة لأسباب أخرى تتمثل في عقدة أوديب[1]
والطفل في هذه الحالة يرفض الذهاب للمدرسة لكي لا يخلو أبوه بأمه..
وإذا كان للصدمة علاقة بكبت التعبير عن المشاعر ، فإن الإضطراب يذهب إلى مركز التعبير على شكل إلتهاب في اللوزتين ، أو تضخم الغدة الدرقية ، أو خلل في الأحبال الصوتية ..
فالطفل الذي يشعر بتفضيل أحد إخوته عليه ، أو يشعر بإهماله من طرف الأبوين ، يشعر في نفس الوقت بعدم القدرة على مواجهة أبويه في هذا الشأن نتيجة لخوفه منهما.. فيكبت هذا الشعور .. مما يجعله يظهر مستقبلا على شكل إضطراب في مراكز التعبير .. ويحدث هذا الإضطراب خصوصا عند الإناث نتيجة للتهميش الذي يشعرن به نتيجة لشعورهن بالأنوثة المرفوضة من طرف الأبوين..
الإضطرابات الغذائية التي تحدث بين الطفل وأمه أثناء فترة الرضاعة ، تذهب في ما بعد إلى الجهاز الهضمي على شكل قرحة معدية أو إمساك مزمن أو إسهال حاد.
واضطراب الكبد ، له علاقة وطيدة بفقدان عزيز ما وقت الطفولة .. ذلك لأن الكبد هو موطن الحب..
واضطراب الجهاز البولي له علاقة وطيدة بما يحدث من مشاعر الخوف المبكر..
يقوم الأبوان بعقاب ولدهما على التبول الليلي ، ويحتمان عليه التحكم في عملية التبول ، مما يؤدي به إلى عادة إحتباس البول ومنه إلى تضخم المثانة مستقبلا..
وفي تضخم المثانة لا يعرف الأطباء سوى عملية الشق..
والجهاز التناسلي له علاقة بعقدة الخصاء ومشاعر الذنب.
يبدأ الإضطراب التناسلي عند المرأة على مستوى الحيض ، فيكون مؤلما .. وقد تطول مدته أو تقصر ، وغالبا ما يحدث إنقطاع أو إستمرار في النزيف.. ليصل الأمر إلى الرحم فيما بعد .. وسقوط الماء بصورة مزعجة.. كذلك التقلصات المهبلية.. والشعور بالآلام عند الجماع.. وكثيرا ما تؤدي هذه الحالة إلى الإنفصال والطلاق بين الزوجين.. وقد تظهر حالة البرود الجنسي.. أو حالات إنحرافات جنسية لا شعورية..
الحكة التي تظهر عند المرأة بالمناطق التناسلية لها علاقة وطيدة جدا بالبرود الجنسي الذي تستعيض عنه بتلك اللذة أثناء الحك.. ومن الواضح جدا أن هذه الحالة لا علاقة لها بالميكروب..
وعند الرجل يظهر فقدان القدرة على الإنتصاب ، والعجز الجنسي ، ونقص في الحيوانات المنوية .. وقد يؤدي ذلك إلى العقم ..
الإضطرابات القلبية الوظيفية لها علاقة بفقدان الإستقرار وقت الطفولة..
فعدم إنتظام حركة القلب بين القبض والبسط.. يشير إلى عدم إنتظام في الأفكار الناتجة عن الشعور بعدم الإستقرار في نفسه.. كالرحيل من سكن لآخر.. ومن بلد لآخر.. وتغيير المدرسة .. والأصدقاء.. وتفاوت المربيات..الخصومات الحادة أو الشبه دائمة بين الوالدين .. وخصوصا إنصراف الأم إلى العمل ، وغيابها عن المنزل لساعات طوال..
النمو الفوضوي للأفكار يؤدي إلى النمو الفوضوي لبعض خلايا الجسم.. ومنه إلى ظهور مرض السرطان..
سرطان الثدي يحدث نتيجة للفشل والإخفاق في الحياة الجنسية أو الحياة التناسلية.. كتلك التي لم تحظ بالإنجاب.. أو لم تحظ بزواج سعيد..
ويقابله سرطان البروستات عند الرجال..
أمراض العيون غالبا ما تكون لها علاقة باضطراب الحياة العاطفية.. مثلما حدث لسيدنا يعقوب عليه السلام..
الروماتيزم العضلي له علاقة بكبت المشاعر ومنع الطفل من البكاء والتعبير عن حاجياته..
الأمراض الجلدية عموما ترجع إلى كبت إنفعالات الخوف أثناء الطفولة..
وغالبا ما يعبر الجسم عن الإنفعال المكبوت المصاحب للخوف عن طريق زيادة نسبة السكر في الدم.. وإضطراب الدورة الدموية..
هذه رؤوس أقلام فقط عن الأمراض البسيكوسوماتية..
ومن هذا نستخلص بأن كل إضطراب يحدث بالجسم ، له سابق الإصابة بصدمة نفسية ..
دور الدواء هو دور إستثنائي يهدف لمقاومة المرض والتخفيف من حدته لا لزواله نهائيا..
والشفاء يكمن وراء العلاجات النفسية..






- العقدة الرئيسية لكل العقد النفسية[1]

السبت، 4 يوليو 2015

جنية في صورة أرنب





إنه شاب إنجليزي في الستة والعشرين سنة من عمره ..
بدأت هذه المشكلة الصحية تراوده في سن العشرين..
تظهر عليه أرنب وهو في اليقضة ، وتسبب له الكثير من المشاكل والمتاعب والأضرار الصحية..
تسبب له أحيانا خدوش في جسمه..الهلع والخوف.. عدم القدرة على الإستقرار النفسي .. الأرق.. الفقدان المؤقت للذاكرة...
تظهر مرتين في الأسبوع.. ثلاثة أو أربعة.. للدرجة التي اصبح فيها لا يمشي وحده.. من شدة الخوف..
لا أحد يرى هذه الأرنب سواه..
إتصل بالمعالجين الروحانيين ودون نتيجة..
هؤلاء المعالجين الروحانيين يؤمنون بالنظرية الشيطانية في الأمراض الجسدية والنفسية..
إنهم يؤمنون بأن هناك أرواح خبيثة من الجن تسبب السلوك الشاذ والأمراض لبني البشر على إختلاف دينهم .. سواء مسيحيين أو مسلمين أو..
وغالبا ما يكون سبب إيذائهم للبشر يعود إلى ظلم هؤلاء البشر لهم.. كأن يرموا عليهم الماء الساخن في المجاري القذرة.. أو يدوسونهم بارجلهم.. أو يأكلون طعامهم المعد لهم.. أو يقطعون عنهم الطريق بشبابيك.. أو يضربونهم عندما يكونوا في صفة حيوانات ليلا.. أو..
ومع العلم أن هؤلاء البشر على غير دراية بظلمهم ، إلا أن الجن تحاسبهم كما لو كانوا يعلمون..
هذا هو منطق الجن حسب قول هؤلاء المعالجين الروحانيين..
وينتشر الجن حسب زعمهم مع المساء ، بعد صلاة العصر.. وهي المرحلة التي يبدأ فيها المجوسيون في عبادتهم.. ولذلك أغلب الأمراض تبدأ حسب زعمهم مع المساء..
وهو ما جعل حتى مجتمعنا يؤمن بسببية الجن في الأمراض التي تصيب البشر..
وفي الحقيقة ، مرحلة المساء تمثل تلك الفترة التي ينقطع فيها أمل الإنسان لما ينتظره من خير له.. وانقطاع الأمل يدل على شدة اليأس ، مما يسمح للعقل الباطني في سيطرته على العقل الواعي ، فتخرج الأعراض من عقالها.. لكن كثيرنا لا يعلمون..
وقصة هذا الشاب ترجع حسب زعمهم لنفس الأسباب..
فقد تسبب في إيذاء أحد الأرواح من الجن التي كانت تظهر على صورة أرانب.. مما جعل هؤلاء الجن ينتقمون منه..
لكن هذا التشخيص لم يأت بنتيجة طوال ستة سنوات..
فالتعاويذ التي يعرفونها لم تفلح في شيء على طول هذه المدة..
ويوما كان هذا الشاب في الجامعة ، يستعد للإختبار .. وإذا به يصيح ويستغيث بأعلى صوته.. الأرنب..الأرنب..
ولم يكن زملاءه على علم بقصته ولا الإدارة .. إلا أنهم وجهوه لطبيب نفساني..
ومن هنا بدأ الشاب في جلسات متواصلة مع هذا الطبيب وهو على غير إقتناع بالعلاجات النفسية..
وعلم النفس بطبيعة الحال لا يؤمن بمبادرة الأرواح في خلق إضطرابات مرضية لبني البشر ويعدها كنوع من تخيلات المريض أو ما يسمى بالهلوسة..
ومع مرور الوقت ، إستعان هذا الطبيب بمجموعة من زملائه في الطب النفسي .. وبدأوا في حوار مستمر معه يوما بعد يوم..
وأصبحت المعركة واضحة..
المريض يحاول أن يثبت للأطباء بأن أعراضه ناتجة عن روح من الجن تظهر له عيانيا..
والأطباء يحاولون أن يبرهنوا له أن هذا ضرب من الخيال ناتج عن صدمة نفسية حدثت في طفولته فنسيها وسقطت في عقله الباطني ، وأصبحت تلوح بصورة حية في مخيلته..
المريض يقول بأنه يراها رؤيا العين..
والأطباء يقولون بأنه يراها هو وحده ولا يراها الآخرون..
لم يكن للمريض سوى حجة واحدة.. وهي أنه لابد من رؤية هذه الأرنب من طرف الأطباء..
لكنه كان يرى أن هذا نوع من المستحيل.. لأن هذه الأرنب تختار وقت خلوه بنفسه.. فلا تظهر عليه إلا عندما يكون وحده..
وحدثت الأزمة.. واشتدت بين رغبة الأطباء في إقناع المريض بأن هذه حالة هلوسة ناتجة عن صدمة نفسية مقرها العقل الباطني للمريض.. وبين رغبة المريض في رؤية الأرنب من طرف الأطباء ..
وحدثت المعجزة..
فيوما خرج الأطباء رفقة مريضهم في نزهة في البادية.. ووصلوا حيث الأشجار والنباتات والأزهار على حافة الوادي.. فجلسوا هناك في حوار مع مريضهم..
وإذا بالشاب يصيح بأعلى صوته : هاهي الأرنب.. هاهي الأرنب.. هاهي على حافة الوادي..
لقد ظهرت أمام عيونكم..
لكن الأطباء لم يروا شيئا.. وحاولوا إقناعه بأنه يراها وحده .. وهو دليل أكيد على أنها موجودة في مخيلته..
وصاح الشاب مرة أخرى : هاهي تجري تجاههكم.. هاهي تجري على حافة الوادي بسرعة وفوق الماء.. سيطير الماء على ثيابكم وأوجههكم..
وفعلا طار الماء عليهم حتى بلل وجوههم وثيابهم.. لكنهم لم يحركوا ساكنين..
وصاح الولد مرة أخرى في حماس :
" والآن بعد أن صار الملموس أمامكم .. فما أنتم قائلون ؟ "
وسكت الأطباء حتى بدا للشاب أنهم إقتنعوا الآن بعد هذه الحجة الملموسة ، والدليل القاطع..
لكن الأطباء سكتوا عنه ليهدأ من روعه أولا ثم يستمروا في محاورته..
وقال أحدهم :
" الماء تطاير علينا بقوة تركيزك ، وليس من طرف الأرنب.. فأنت كنت تتوقع بأن الماء سوف يطير علينا بمفعول أقدام الأرنب.. وتحول هذا التوقع إلى قوة تركيز من طرفك..وقوة التركيز تؤدي على ماهو متوقع.."
وعندئذ أيقن الشاب بألا نتيجة من الإستمرار في إقناع الأطباء بما يحدث له..
وأيقن الأطباء باللاجدوى في محاورة هذا المريض.. وقرروا الإنفصال عنه..
على أن هذا الإنفصال والمقاطعة ليس كإستسلام للفشل.. بل قرروا تغيير طريقة العلاج.. سوف ينصرفون إلى محاورة والديه..
لقد ركزوا الحوار بداية مع أبيه لعدة شهور.. ثم إتجهوا إلى أمه..
وكان الذي دفعهم إلى تغيير طريقة العلاج ليس هو الإستسلام للفشل.. بل نتيجة لقوة الملاحظة والتحليل..
فلقد علم الأطباء أن ظهور الأرنب كان دائما ملازما لخلوة المريض بنفسه..
وظهرت لأول مرة بصورة معاكسة حينما كان في الجامعة وليس وحده.. وهذا راجع إلى أن تلك الأيام كانت أيام إستعداد للإختبارات التي لم يكن جاهزا لها بسبب شرود ذهنه مع حالة صحته النفسية.. فكانت الظروف التي ظهرت فيها الأرنب هي ظروف أزمة حقيقية.. وهذه الازمة هي التي أحيت الأزمة الأولى التي حدثت  في طفولته..
وظهرت لثاني مرة بصورة معاكسة أيضا ، حينما كان المريض يعيش أزمة متمثلة في محاولة الإثبات للأطباء في أن هذه الأرنب هي أرنب حقيقية وليست متخيلة.. وهذه الأزمة كانت أقوى من الأزمة الاولى التي ظهرت في الجامعة..
وبطبيعة الحال كلما دخل الشاب في أزمة ما ، فإن هذه الأزمة تحيي الأزمة الأولى التي حدثت أيام طفولته.. وهذه الأزمة لها علاقة بالأبوين أو بإحداهما فيما يتعلق بتربية طفلهما وما يوجهان له من عقاب..
فالارنب هي صورة للعقاب الذي كان يتوقعه الطفل من أحد أبويه..
هذا العقاب الذي هو المعنى الكامل لعقدة الخصاء التي يضنها البعض في أنها أرواح الجان..
وركز الأطباء حوارهم مع الأم .. يوما بعد يوم.. وشهر بعد شهر..إلى أن ظهرت الحقيقة ساطعة كنور الشمس في وضح النهار..
لقد كان هذا الشاب في طفولته الثانية ، كثير الحركة.. مشاغب.. لا يستقر في مكان واحد.. ولا يعبأ أن يضع يده على النار.. أو يلمس سلك الكهرباء.. أو..
وكانت أمه ذلك اليوم مشغولة بإعداد الطعام وتهيئة الجو لضيوف قادمين عندهم.. فلم تجد حلا للأمن على إبنها إلا أن قامت بربطه بأحد الحبال مع الخزانة ، وتركته وحده وانصرفت إلى المطبخ..
وفجأة دخل فأر كبير، يريد مهاجمة الولد ، ولم يصح أو يبكي أو يحدث أي حركة.. بل إستسلم لشدة الخوف الشديد حتى أغمي عليه..وارتفعت درجة حرارة جسمه للدرجة التي أدخلوه بعدها المستشفى..
واعترف والده بأنه الذي قام بقتل الفأر بنفسه..
هذه الصدمة سقطت في العقل الباطني للمريض.. وبدأ الفار يظهر له على هيئة أرنب كلما كان وحده أيام الازمات التي مر بها..
فالصدمة تفعل فعلها كلما سقط الإنسان في ظروف مشابهة لصدمته التي عاشها في الطفولة..
ولم يكن للأطباء إلا أن أوضحوا لمريضهم ملابسات المشكلة للدرجة التي إقتنع بها.. وشفي تماما من حالته..
فما نعتقده أنه مس من الجن ، ما هو إلا ضرب من الصدمات النفسية التي سقطت في اللاشعور وأصبحت تلوح بأعراض مرضية توهم الناس في أنها أرواح شريرة..

الجمعة، 3 يوليو 2015

مـن واقـع الوفاء





في ضواحي بوغزول.. كانت تسكن الحاجة مريم.. وهي  في عمر يناهز الثمانين..
مات زوجها عنها منذ حوالي عشرين سنة..
تزوجت بناتها..
وتزوج أولادها ، الواحد تلو الآخر ، وانفصلوا عنها في سكنات أخرى مع زوجاتهم دون مراعات لحقوق الوالدين وبرهم .. ودون مراعاة لصلة الرحم..
بقيت الحاجة مريم وحدها في الدار ، وليس لها ما يؤنسها سوى كلبة من كلاب الصيد..إسمها " ريشة "..
وشيئا فشيئا..ويوم بعد يوم.. أصيبت الحاجة بمرض شديد ألزمها الفراش..وعجزت عن النهوض من مكانها.. ولم يصبح لديها القدرة على تحضير الأكل أو الإتيان بالماء..
ولما أشرفت على الهلاك ، لم يبق لها إلا الإستنجاد بكلبتها ريشة..
فنادتها حتى جاءت وبدأت تحاورها :
" عزيزتي ريشة.. منذ أن ربيتك.. لم أبخل عليك يوما بتقديم أحسن المأكولات من طعام ، ولبن ، ولحوم.. ولم أتركك جائعة أبدا.. وكنت لا أنام حتى أطمئن عليك بأنك في أحسن حال ، لا تعانين من الجوع ولا العطش.."
" حبيبتي ، كنت أعتبرك بمثابة إبنتي.. لكنني أظن أنك أحسن من بناتي وأولادي.. حيث أنهم رحلوا عني وبقيتي أنت معي تؤنسيني.. فإذا كانت تربيتي لك في محلها .. فآتيني بقدح الماء لأشرب وأتوضأ.."
وعند ذلك صاحت ريشة صيحة شديدة كأنها تعبر بها عن حزنها على مولاتها الحاجة مريم.. ثم أخذت إناء الماء بفمها وقدمته لها لتشرب..
وجاءتها ببعض البقايا من الخبز فغمستها بالماء ، وراحت تعطيها قطعة بعد الأخرى حتى إطمأنت من أكلها وشبعها..
ولا زالت ريشة تخدمها ، وتقدم لها ما تحتاجه من أكل أو شراب ، وتنام بجانبها..
وما إنفكت تأتيها ببعض النباتات كالشيح وغيره ، بحيث تنقعه في الماء وتعطيها تشرب..
وبعد مدة .. طلبت الحاجة مريم من ريشة أن تذهب لإحدى بناتها ، التي تسكن منها على بضعة كيلومترات ، فتخبرها بأن أمها على وشك الموت..
إنطلقت ريشة كالسهم الخاطف ، حتى وصلت لإبنة الحاجة مريم.. وراحت تومئ وتشير برجلها إلى الجهة التي تسكنها الحاجة ، وتصيح أحيانا أخرى ، حتى تفطنت إبنتها في أن أمها قد تكون في خطر ، فأسرعت إليها على عربة من عربات الخيل مع زوجها..
أخبرت الحاجة مريم إبنتها بالدور الذي لعبته معها الكلبة ريشة .. وماتت بعد يومين..
ولقد ظلت ريشة عازفة عن الأكل والشرب طيلة أيام حتى ماتت هي الأخرى ..

أحذروا...هذه المغارات مليئة بالأفاعي


 
لن يفلت..
على كل طريق رقيب..
ليس أمامه إلا الصحراء..
إنهم ثلاثة فقط..
محمد وأبو بكر ودليلهما عويقب..أعرف الناس بالصحراء..
- ماهذا ؟ أعراب يسيرون غربا ؟
نعم ، نعم ، ومثلك يعرف..
يقولون أنك تقتفي أثر الطير بأنفك..
- يامحمد أخرج ولك بنا أن نعود بك حيا إلى مكة..
- أحذروا ، هذه المغارات مليئة بالأفاعي..
- ليسوا هنا..هذه الحمامة عشها قائم..
ونسيج العنكبوت لم يتمزق..


- فعلا...
أثناء عودتك من سفرك الذي سافرته لمدة طويلة من الزمن.. فإن الأعداء ستتفقدك..
أعداءك الذين يحبونك أن تبقى على ظلالك القديم..
سيبحثون عنك..سيقتفون أثرك..يريدون أن يعيدوك إلى ملتهم.. ملة الهرب من الله والنفس والمجتمع..
حاول أن تختف في بعض المغارات..
لكن أحذر.. إن هذه المغارات مليئة بالأفاعي ..
أفاعي لديها أنياب بارزة.. وسم قاتل..
تقوم أنيابها مقام  المراقبة الشديدة.. على علم بأي ورقة تسقط من شجرة.. وبحركة أي دابة حتى ولو كانت نملة..
إنها لا تعرف الأوقات الشرعية للصلاة ، لكنها تعرفك إن دخلت المسجد أم لا..
هي لا تصلي.. لكنها تراقبك هل صليت أم لم تصل..
إنها تعرف أي دكان دخلته .. وأي دار خرجت منها.. ماذا تحمل في يدك.. ومع من تكلمت..
مراقبة على مدار السنة.. بل على طول الدهر..
أنت لا تعرف تاريخ إزدياد أولادك لكن هم يعرفونه..
تخرج أحيانا من منزلك وأنت لا تعرف إلى أين ستذهب.. لكن هذه الفئة تعرف مسبقا إلى أين أنت ذاهب..سترصد حركاتك.. وتتنبأ بمصيرك قبل أن يحدث..
إنها فئة وظفت نفسها للمراقبة و التجسس دون أن يوظفها أحد..
تلتقط الأخبار مثلما يلتقط الطير الحب..
دونما فائدة..
ولا ندري.. ربما لهم فوائد..
لو أن مجهودات التجسس والمراقبة  صرفوها في الدراسة لكانوا علماء..
فأثناء عودتك من سفرك المشؤوم ..ستراقبك هذه الفئة.. وستخبر عنك أعداءك .. ويعيدونك إلى ملتهم ولن تفلح إذن أبدا..
أهل الكهف كانوا يخافون من جنود الملك دقيانوس..
والرسول(ص) كان يخاف قريش قبل إسلامهم..
ومجاهدوا الثورة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي كانوا يخافون من الخونة..
أما أنت فتخاف من فئة ظالة..
فئة متجسسة عليك وعلى الغير.. دون معرفة هويتهم وأهدافهم من وراء هذا..
فاخرج ليلا بعد صلاة العشاء..وتوقف بعد صلاة الفجر..
لكي لا يعرفوا حركاتك وسكناتك..
إن أنيابهم تمثل شدة وقوة المراقبة الدقيقة..
خبرة طويلة جدا..
وتدريب دقيق..
إنه يقتفي أثر الطير بأنفه..
أما السم القاتل فيمثله كلامهم وكلماتهم الخطيرة..
فما أن تلتقي به حتى تتحول الساحة إلى سوق للنميمة..
كل الجرائد عنده ..
النهار والشروق و...
قال فلان..وضرب فلان فلانا.. والتقى فلان بفلان..وشتم زيد عمرا.. وطلق فلان فلانة..و..
دون الخروج بنتيجة..
إن هذا الكلام الذي تسمعه سيثنيك عن عزمك لا محالة إلا إذا كانت إرادتك قوية جدا..
سيثنيك عن الرجوع.. لأنه كلام مخيف جدا..
كلام يبعث على التشاءم..
إنهم يحاولون أن تبقى على عدوانيتك..ولذلك يخبرونك ماذا قال الغير عنك من سلبيات.. ليزداد حقدك بازدياد عدوانيتك..
لكنك أثناء رجوعك ركبت على مركبة إسمها الحب المعاكس للعدوان..
وسرت بحركات بطيئة على عكس حركاتك السريعة أثناء سفرك..
والتزمت بألا تؤمن بشيء حتى تراه بعينك.. فلا تنصت إلى ما يقولونه من نميمة..
وارتبطت بما يراه إحساسك وبصيرتك وفطرتك الربانية فيك.. ورميت العقل جانبا..
ذلك لأن العقل مليء بتوجيهات الآخرين ذات الأفكار البتراء..
الإحساس أو البصيرة شيء فطري فيك..
المغارات التي تحاول أن تختبئ فيها أثناء عودتك.. مليئة بالأفاعي .. فكن حذرا..
لكن سم هذه الأفاعي لن يؤثر فيك أبدا ، إذا كنت ملتزما بالحب.. حب كل شيء فيه خير..
حب الإنسان.. وحب الكون..وحب الطبيعة.. وحب الله.. وحب الوطن .. بحيث لا يترك هذا الحب نصيبا للعدوانية أبدا..
ولن تؤثر فيك هذه الأفاعي ما دمت تسير ببطء واطمئنان..
ولن تؤثر فيك مادمت قد رميت السمعيات جانبا.. والتزمت بالمرئيات والملموسات..
هذه قمة الإيمان الصادق..
إننا نخاف من الأفاعي وهي بعيدة عنا ، ولا نخاف من أفاعي تعيش معنا..
لا تعادي من يعاديك.. فبحبك له يمكنك أن تغير من عدوانيته..
هذه العدوانية هي التي خلقت الأمراض الجسدية والنفسية و الإجتماعية بيننا..
ألم تر أن السماء تبخل بمطرها إذا حل العدوان في مجتمع ما ، وفشي المنكر بينهم .. وخصوصا إذا أريقت الدماء ؟
ألم تجرب بأن الماشية يكون لحمها رديئا إذا ذبحها شخص عدواني ؟
وعلى العكس يكون لحما طيبا إذا ذبحها شخص حنون ومحب..
ألم تر أن الصواعق تنزل حيث يكون المنكر والعدوان ؟
وعلى العكس تبتعد عن مناطق الرحمة وحب الخير..
بالحب تستطيع أن تغير مجتمعات نحو الرحمة والحب..
وبالحب تبني وطنك ودولتك.. وبه تداوي أمراضا عجزت العقاقير الطبية عن علاجها ..
وفي الآية :
" وإنه لحب الخير لشديد "
إن تلك الأفاعي الموجودة في المغارات ذات الأنياب الجاهزة للسع.. إنما هدفها زرع العدوان بين أفراد المجتمع.. لأنها تعلم أن هذا العدوان هو الذي سيفتك بها..
العدوان أشد ضررا من الأسلحة الفتاكة.. والسموم القاتلة..
لأن العدوان هو الذي يدفعك إلى حمل السلاح..
أحمل وردة بيدك ، بدلا من تحمل خنجرا.. وسترى أن الفرق كبير جدا..
عندما تحمل وردة بيدك فإن ملائكة الله تحيط بك..
وعندما تحمل خنجرا فإن الشياطين تلازمك..
عد إلى نفسك وذاتك الحقيقية..وإلى حب مجتمعك ووطنك.. وإلى حب الخير وحب الله..
ولا تخاف من الأفاعي مادمت في حب الخير.. إنما أحذرها فقط..
إبتسامة في وجه أخيك صدقة..
إن الذي يخبرك عما هدته السيول ، لن يخبرك أبدا عما أنتجته هذه السيول من نباتات وفواكه وحبوب وخضار..
والذي يخبرك على أن فلان يغتابك.. لن يخبرك أبدا في أن فلان آخر يحبك ويمدحك..
والذي يستمتع بصوتك الجميل ، يستمتع أيضا بعويلك وبكائك..
فكن حكيما بالحكمة التي أودعها الله فيك..
فهناك من يزرع الحقد والكراهية والبغضاء بين أفراد المجتمع ، ويريد تمزيق الصفوف..
فكن أنت ممن يزرع الحب والتآلف والتعاطف بين أفراد هذا المجتمع من أجل بناء صرح العروبة والإسلام..
وستكتشف بعد حين أنه بمحبتك وابتسامتك ، وحنانك وعطفك .. أنت مجاهد حقا..
وأنت العابد الحقيقي لله..
فالعبادة لا توجد وراء العدوان..بل توجد وراء المحبة الصادقة..
وتذكر قوله(ص):
" المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا "