العـلاج بالتصميـم
يقول الفيلسوف الألماني " إيمانويل كانت " Immanuel
Kant في كتابه " قوة الإرادة في
السيطرة على المشاعر المرضية بواسطة التصميم " أن للإرادة قوة كبيرة في
السيطرة على المشاعر والأحاسيس المرضية سواء النفسية منها أو الجسدية وذلك بواسطة
التصميم .. حيث يصمم الإنسان على ألا يكون مريضا ولا يسمح مطلقا للمشاعر المرضية والأحاسيس
السلبية من الوصول إلى عقله الواعي .. ومنه سيبدأ عقله الباطني في تسجيل هذه
الإجراءات وبرمجتها من أجل تنفيذها على المستوى الصحي الجسدي والنفسي..
ولقد كان الفيلسوف " كانت " نفسه مصابا بالنقرس وهو نوع
من أنواع الروماتيزم حيث تتجمع بلورات من الأملاح البولية في أوتار العضلات
الصغيرة في الجسم كعضلات أصابع اليدين والقدمين ، وتجعل الحركة فيها مصحوبة بآلام
شديدة.. ويسمى هذا المرض أيضا بمرض الملوك لأن أكثر من يصاب به هم المترفون
والمرفهون..
وكان " كانت " عندما يشعر باقتراب ظهور الآلام
في أصابعه ، يحول عقله الواعي عن الإحساس بالألم ، عن طريق تركيز أفكاره على موضوع
آخر بعيد عن موضوع المرض.. ويحصر أفكاره في هذا الموضوع حتى لا يترك مجالا للتفكير
ودخول الأحاسيس المرضية إلى منطقة الوعي... فالعقل الواعي في هذه الحالة يكون
مشغولا ومملوء لدرجة الإشباع ولا يمكنه إضافة شيء آخر مثل الأحاسيس السلبية التي
تريد الدخول إليه .. فهو عندئذ لا يلتفت إلى الآلام ولا يشعر بوجودها..
ويزعم " كانت " أن تركيز
الفكر بعيدا عن موضوع الآلام لا يمكن من التحكم في نوبات النقرس والقضاء عليها
فحسب ، بل يمكن أيضا من السيطرة على أعراض أمراض أخرى ، ويحول دون ظهورها مثل مرض
الصرع والنوبات الهستيرية وغيرها..
والتصميم يتطلب شجاعة كبيرة وإرادة
قوية وثقة بالنفس..
وفي الطب الحديث شواهد كثيرة تثبت
أن إزالة الألم بزرقة المورفين المسكنة تكفي في بعض الحالات من إختفاء الألم
والأعراض المرضية ، كما يحدث مثلا في حالات من القولنج أي المغص الشديد الناتج عن
المرارة أو الكلى ، وكما يحدث أيضا في حالات إلتهاب العصب الوركي الحاد ، إذ يزول
الالم الشديد حالا بعد حقن العصب بالمخدر ، ولا يعود ثانية إلى الظهور في
المستقبل..
وبالتنويم المغناطيسي ، يمكن إزالة
الحس بالألم في منطقة ما من الجسم المصاب بحالة مرضية ما مثل " داء المطقة " حيث تبدأ بعدها
الفقاقيع الصغيرة تسقط إلى أن تزول تماما..
ونشير إلى أن الفيلسوف " كانت
" لم يكن على علم بالتفسير الطبي لهذه الإختبارات .. لكن عبقريته أوصلته لهذه الإستنتاجات.. فقد
إستطاع بتركيز أفكاره حول موضوع بعيد عن موضوع المرض أن يحول دون وصول الشعور به
إلى عقله الواعي .. وعندما يستيقض في صباح اليوم التالي ، لا يجد لنوبة النقرس أي
أثر في أصابعه ..
وبهذا يمكننا أن نستنتج من وراء
إختبارات " كانت" أنه بالإمكان
السيطرة على المشاعر والأحاسيس المرضية النفسية منها والجسدية بواسطة التصميم
المتمثل في إبعاد العقل الواعي عن التفكير في الألم عن طريق التفكير بعمق وتركيز
في موضوع آخر.. لنصل إلى الشفاء التام.
عن
الدكتور أمين رويحة
بقلم الأخصائي
النفساني ر. ميساوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق