اعلان

الجمعة، 3 أبريل 2015

مفهوم السحـر في القـرآن الكريـم



مفهوم السحـر في القـرآن الكريـم
ماهو السحر ؟
هل صحيح ما يقولونه عن مفهوم السحر وتأثيره ؟
هل هذه المفاهيم التي يروجونها في الكتب والمجلات والجرائد والقنوات لا تتعارض مع ما جاء في القرآن الكريم ؟
هل القرآن يقف مؤيدا لما يقولون أم أنه يقف مضادا لها ؟
هل نصدق بما جاء في القرآن الكريم حول مفهوم السحر أم نصدق ما يقوله الآخرون ؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة المكثفة .. لا بد من الرجوع إلى القرآن الكريم كونه المصدر الوحيد للمفاهيم ولا سبيل لنا إلى مصدر آخر على الإطلاق..
شجرة القرآن:
إن الفكرة التي يطرحها الله في القرآن ، تكون غالبا في صورة غامضة و معقدة ومستعصية عن الفهم.. غير أن الآية التي تأتي بعدها في سورة أخرى ، تزيد الأمر وضوحا أكثر من سابقتها ، ثم الآية الأخرى التي توضح الأمر أكثر.. 
وتتعاقب الآيات بعدها توضيحا لمفهومها بصورة تدريجية ، في شكل آية بعد أخرى ، بحيث أن كل واحدة منها تشرح المفهوم الذي قبلها ، وتمهد لما بعدها ، وبحيث يظهر في النهاية خيط واحد يربط هذه المفاهيم بعضها ببعض دون أن يطرأ عليه أي خلل ، ليعطي النتيجة النهائية دونما حاجة إلى رؤية الآخرين لهذا المفهوم .. وتتوزع الآيات في القرآن الحاملة لنفس المفهوم عبر السور بشكل إيضاحي تدريجي وبنائي بصورة تشبه الشجرة في عملية إنباتها..
فالشجرة تكون بداية عبارة عن بذرة.. ثم تنتش هذه البذرة لتعطي جذيرا وسويقة.. يتحول الجذير في ما بعد إلى جذور تحمل الشعيرات الجذرية والأوبار الماصة.. وتتحول السويقة إلى ساق يتفرع إلى أغصان وفروع وتخرج الأوراق وبعدها الأزهار.. ثم الفاكهة التي تعطي الجواب النهائي عن غموض البذرة.. لأن قصة الشجرة كلها مكتوبة في بذرتها ..[1]
وفي مفهوم السحر.. جاءت الآية في شكلها الأعلى من التعقيد في مطروح النفاثات في العقد .. مثل البذرة تماما.. ثم تواصلت الآيات بصورة تدريجية ومتسلسلة الواحدة بعد الأخرى ، في ثلاثة و ستون آية ، إلى أن أعطت التعريف النهائي للسحر في آخر آية تدور حول هذا المفهوم .. تماما مثل الشجرة التي تنطلق من البذرة إلى آخر مرحلة من إنباتها وهي الثمرة الحاملة للبذرة نفسها التي إنطلقت منها ..
البنية الفكرية الترابطية:
وقد بدأت آيات السحر في سورة الفلق ، ثم تواصلت عبر الآيات الأخرى بشكل قصصي يتمثل في ما دار بين سيدنا موسى وسحرة فرعون.. وتلخصت كلها في سورة  " طه " وازدادت وضوحا في تعريف دقيق للسحر في شكله النهائي، بحكم وجود ببنية فكرية ترابطية بين مختلف الأجزاء المكونة للكل المتمثل في الآيات الطارحة لمفهوم السحر..
فنحن لا نستطيع مثلا دراسة التركيب المورفولوجي لورقة شجرة ما إلا من خلال الشجرة نفسها .. كما لا نستطيع دراسة عملية التركيب الضوئي في النباتات الخضراء إلا بوجود الورقة النباتية في إنتمائها الكامل في صورتها العضوية بداخل هذه النباتات .. ولا نستطيع الدراسة الفيزيولوجية للخلية في شكلها المنعزل عن الجسم ، من أجل معرفة علاقتها مع الخلايا الأخرى تسنيا للفهم الفيزيولوجي.. ولا نستطيع حل معادلة رياضية من الدرجة الثانية ذات المجهولين إلا بمعلومية معادلة أخرى تابعة لها..
فالوحدة العضوية بين مختلف أجزاء الأشياء عموما ، ينفي إستقلاليتها وفصلها عن بعضها تماما ، بالشكل الذي ينفي إمكانية فصل الآية عن الآيات المرافقة لها..
ومفتاح الدراسة التطبيقية حول السحر يتجلى في مطروح:
 " النفاثـات فـي العقـد "
من حيث أنها تضع إشكالية السحر في صورة مبهمة.. يتراءى لنا من بعدها مجموعة من الآيات الأخرى الموزعة على ثلاثة وستون آية من القرآن في شكل شجرة بأغصانها وفروعها وأوراقها .. ثم تعود فتتلخص هذه الآيات كلها في سورة طه ، تماما كما يحدث في الشجرة حيث تظهر الفاكهة كملخص لجميع عمليات الإنبات التي مرت بها .. إشارة بالآية :
" سنريهـم آياتنـا فـي الآفاق وفـي أنفسهـم أفـلا يعقلـون "
فالمنطق الذي يتجلى في الآفاق من عمليات مختلفة .. يماثلها نفس المنطق الذي يتجلى في النفس البشرية .. وهو نفس المنطق أيضا الذي يتجلى في الطرح القرآني للمفاهيم ..
والبناء العضوي للكون هو نفس البناء العضوي للكائن الحي.. وهو نفس البناء العضوي للآيات الطارحة للمعنى ، والذي يجعلنا نعترف بعدم إمكانية دراسة الظاهرة خارج حدود الظاهرة نفسها..
التأثير الحسي في الإدراك
 فإشكالية السحر هي إشكالية علمية ، ولا بد للكلمات الطارحة له من علميتها أيضا في قالبها المادي الذي لا يمكن أن يأخذ مفاهيمه إلا من الواقع الخارجي( العالم الحسي) في إطاره الملموس تماما كما حدث في قصة سيدنا موسى مع سحرة فرعون...
وبناء على هذا ، يترتب علينا أن نأخذ مفهوم السحر من إطاره الملموس أيضا.. كونه يخضع لعملية الإدراك الذي هو في تجاوب مع الحواس الخمس بعلاقة تبادلية ، إذ لا يمكننا أن ندرك شيئا ما إلا في إطار الزمان والمكان.. كعاملين أساسييين في الإدراك الخارجي للشيء .. مما يعطي مفهوم العلاقة بين الإنسان والحس الخارجي ( نظرية التعلم) ولا فائدة للإحساس إذا لم يكن هناك إدراك لهذه الإحساسات.. ولا يمكن لهذا الإدراك أن يتم بدون إحساس ، وهو ما يوضح أكثر مفهوم البنية الترابطية.. مع لزومية توفر المنطق الذي نفسر به واقع هذه الإحساسات..
والمنطق يستمد مفاهيمه ، من التطابق والإنسجام الذي يحدث بين المفاهيم ، دون أن يطرأ أي خلل فيها ، وهو ما يفرض منهجا خاصا يوافق هذه الشروط .
المنهاج العلمي التجريبي لدراسة الظواهر العلمية
ويعتمد على مجموعة من الشروط وأهمها :                                               1/ البرهنة المنطقية بالمقاييس العلمية التطبيقية لا على المقاييس النظرية :                                إذ ليست كل مادة هي منهاج.. بل يشترط عليها أن تكون خاضعة للتجريب .. فلدراسة عملية الفقص مثلا في الطيور، فإنه لا بد من دراسة هذه الطيور أثناء عملية الفقص .. وإن لم يتوفر ذلك فإن مادة العلوم البيولوجية ليست منهاجا.. ولا يمكننا البرهنة بها..
وإذا أردنا أن نبرهن في أن البئة والعوامل المحيطة بها ، إلى جانب إعتزاز الشاعر بقوميته هي التي تؤدي إلى خلق روح رومانسية تؤدي إلى بكاء الأطلال.. فإنه لا يمكننا أن نحيي إمرئ القيس لنرى أسباب إنشائه لمعلقته.. وبهذا فإن الأدب ليس منهاجا..
وإن أردنا أن نثبت وجود الحتمية[2] في الظواهر التاريخية ، كأسباب إندلاع الحرب العالمية الثانية مثلا .. بحيث أن تكرار هذه الأسباب سوف يؤدي حتما إلى إندلاع حرب عالمية ثالثة .. فإنه يترتب علينا أن نحيي هتلر وموسوليني.. وهي تلك الإستحالة التي تلغي خارج إطار البرهنة..
فالمنهاج هو ما يعطي تلك النتيجة التي لا يختلف عندها إثنان ، مثل : إحتواء الفواكه على سكر الكليكوز أو سكر الفراكتوز ، ولو حدث إختلاف فإن الحل يكمن في التجريب عن طريق مداخلة محلول فهلنك ..
-2/ الإعتماد على الإنسان الدارس للحالة :
 وهو الإنسان الذي تتوفر لديه الآليات المنطقية ، والدقة والموضوعية في الحكم على النتائج .. مع علمه بمجال هذه الظاهرة وتخصصه فيها .. فلا يمكننا نسأل المحامي عن الحالات الفيزيائية للمادة .. ولا نسأل الإمام عن إمكانية إيجاد جذور معادلة من الدرجة الاولى ذات المجهولين .. كما لا يمكننا أن نسأل القاضي عن السحر..
-3/ العينـة :
مثل تحضير بذور اللوبيا من أجل دراسة عملية النمو النباتي للبذور ذوات الفلقتين..
-4/ المخبـر:
 أي البعـد المكانـي.. الذي نقوم فيه بدراسة الظاهرة.
-5/ الزمـن المناسـب :
أي البعد الزمني.. مثل إنتظار نمو فراخ الحمام ، بعد عملية الفقص..من أجل دراستها.
-6/ الترابط :
ففي تعاملنا مع أوراق النبتة لا يمكننا إلا في إطار تواجدها في هذه النبتة ، دون فصل .. لأنها جزء من الشجرة التي تمدها بالنسغ الصاعد والنازل.. إلى جانب ما يقوم به النبات من عملية التركيب الضوئي والنتح.. وهذا تماما مثل الفكرة في القرآن التي هي جزء من شجرة القرآن أيضا.. ولا يمكن أبدا شرح الآية بصورة منعزلة عن الآيات المتكاملة معها..
فلو تطرقنا لشرح الآية:
" واتبعـوا مـا تتلـوا الشياطيـن .."  لشرحناها بمفهوم إتفاقية الساحر مع الشيطان.. في حين تقف لها آية البراءة ، وسورة الناس بالمرصاد حيث يتضح أن وظيفة الشيطان هي وظيفة وسوسة تنتهي مباشرة بالفراق بين الإنسان وبين هذا الشيطان بحكم الآية :
" إنـي بـريء منـك "  وهو ما يلغي جانبا نظرية إتفاق الساحر مع الشيطان ..
-7/ الفرضيـة..
وهي المبادرة التي يقوم بها الدارس من أجل التحقق من حقيقة ما يعتقده حول الظاهرة
-8/ التجربـة ..
وهي التي تقوم أساسا على التحقيق من الفرضية
-9/ الملاحظـة..
وتقوم على إلغاء الآليات الذاتية.. والتمسك بالموضوعية التي يطرحها واقع الشيء المدروس.
-10/الإستنتـاج :
وهو الحد الفاصل ، والتعريف النهائي للظاهرة ، والذي تم بالمشاهدة العيانية ، والملامسة العقلية والمنطقية .
المنهاج الإلاهي في دراسة الظاهرة
ولقد ظهرالمنهاج الإلاهي متطابقا تطابقا تاما مع المنهج التجريبي في دراسة الظاهرة ..
 حيث أنه لما أخبرنا الله عن مفهوم السحر على لسان سيدنا موسى عليه السلام ، جاء الخبر متوفرا على تطبيق هذا المنهج تطبيقا دقيقا ..
فالشرط الأول في دراسة الظاهرة العلمية يطالب بإلغاء المقاييس المستثنية من الدراسة
والمتمثلة في الأحكام النظرية الغير خاضعة للملموسية والتجريب ، حيث قاطعها سيدنا موسى عليه السلام واستبدلها بمقياس موضوعي يستمد دليله بمقياس تجريبي يخضع للشاهدة العيانية.. و تجلى ذلك في كلمة هاتوا من الآية..
" قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين "
وكلمة هاتوا تدل على الملامسة باليد ككناية عن الملامسة العقلية..
فسيدنا موسى عليه السلام لم يكن ذلك الرجل الذي يتأثر بالوهميات .. والغشاوة التي توضع على الأبصار.. والسرد للأقوال بما يسمعه عن فلان الذي سمع من فلان آخر.. ولا يؤمن إلا بالحكم الذي يتواجد في معلومية مجموع عددين لا يعطي إلا عددا واحدا بالضرورة .. عن طريق الرؤيا الواضحة ، وبعينين غير متأثرتين بالآليات السمعية..
فيوم لقائه مع السحرة ، لم يستفسر منهم  عن ماهية السحر وكيفية القيام به وتأثيراته بصورة شفوية .. والإتيان بالدليل السمعي.. بل إختصر كل هذه المعطيات اللاشرعية ، وحذف السمعيات من منهجه العلمي وطالبهم بالآليات البصرية والمشاهدة العيانية ..
والشرط الثاني في دراسة الظاهرة كان يطالب بالإنسان الدارس للحالة والذي تتوفر فيه شروط هذه الدراسة .. وهو ما كان متوفرا في شخصية سيدنا موسى عليه السلام كنبي يتلقى التعاليم مباشرة من الله دون وسيط عن طريق مكالمته على جبل الطور والتي ميزته عن باقي الأنبياء والمرسلين الذين تلقوا الوحي بوساطة جبرائيل عليه السلام..
فعملية تلقي الأنبياء للوحي من السماء تمدنا بمفهوم الوساطة التي لن تؤثر في شيء ما دامت رسالتهم رسالة تشريعية .. أما بالنسبة لسيدنا موسى عليه السلام فكانت رسالته رسالة علمية تقوم على شرح مفهوم السحر.. مما يستلزم خروج الفكرة من القائل الأسمى إلى المستمع مباشرة دون وسيط.. إذ لا يجب أن يتلقى الطالب العلم بوساطة أحد بينه وبين المعلم خصوصا في المواد العلمية ، بل يجب أن يتلقاه من المعلم مباشرة..
و تدخّل الوساطة في فهم السحر بالضبط يخلق خلطا في الموضوع ، كالخلط الذي سقطنا فيه ، عند تعريفنا للسحر.. حيث أصبح القرآن يمحى بالبول ويرمى في المزابل والمرحاض لأنه سحر.. وهذا بسبب تلقيينا للمفهوم بوساطة الآخرين تلقيا أعمى ، في الوقت الذي كان يجب علينا أن نتلقاه من القرآن مباشرة..
وتعيين موسى لدراسة هذه الظاهرة العلمية يستلزم شروطا أساسية ، والمنطق في مقدمتها .. ولكي يتدرب موسى على المنطق السليم ، وقوة البصيرة.. عرضه الله لنوع قاسي من التربية الجسدية والنفسية عند فرعون في غياب أبويه الحقيقيين .. ليتلقى عاطفة مزدوجة متناقضة ..
هذه العاطفة يتخللها الشعور بانتمائه إلى عالم الملوك..
في حين الشعور بالقسوة والصرامة في نفس الوقت عند أكبر طاغية في العالم آنذاك .. 
وهذه العاطفة المزدوجة تخلق في الإنسان شخصية حادة في الصرامة ، تجعل صاحبها يميل إلى المواقف الإنتقادية في شكلها اللاذع .. والشك في كل شيء ..  وهو الشيء الذي لابد و أن يتوفر في القائم بدراسة الظاهرة العلمية ..
والإنتقاد هو الذي يصنع منه جهازا لحساب مجموع عددين لا يعطي إلا عددا واحدا بالضرورة .. ويبدو ذلك واضحا في آليات الإستفهام المستمرة من طرف موسى.. والتمرد على الأحكام السردية مهما كان قائلها أو راويها.. فلما صعد إلى جبل الطور ، وتكلم مع الله ، واجهه بدون خوف أو تردد كأنه يشك في الأمر قائلا :
" رب أرن انظـر إليـك "
فكان يريد أن يصل لرؤية الله ليوقن أنه يتكلم مع الله لا غيره .. وقد يقول بعضهم
بأن طلب موسى لكشف الحجاب كان حبالله ورؤيته .. غير أن هذه الإجابة يفندها موقف سيدنا إبراهيم عليه السلام كموقف شك من عملية البعث ، و يطلب من الله أن يريه كيف يحيى الموتى لكي يطمئن قلبه ، ولأنه كان يشك في ذلك ، مصداقا للآية:
" ربـي أرن كيـف تحيـي الموتـى ، قـال أو لـم تؤمـن ؟ قـال بلى ولكن ليطمئـن قلبي "
فإبراهيم لم يطمئن قلبه من عملية البعث ، وطالب بالدراسة التطبيقية من أجل الإطمئنان من وراء المشاهدة العيانية تسنيا للإستنتاج العلمي.. فأمره الله كما جاء في الآية:
" قَـالَ فَخُـذْ أَرْبَعَـةً مِّـنَ الطَّيْـرِ فَصُرْهُـنَّ إِلَيْـكَ ثُمـَّ اجْعَـلْ عَلَـى كُـلِّ جَبَـلٍ مِّنْهُـنَّ جُـزْءاً ثُمـَّ ادْعُهُـنَّ يَأْتِينـَكَ سَعْيـاً وَاعْلَـمْ أَنَّ اللّـهَ عَزِيـزٌ حَكِيـمٌ "
وعندما اتبع موسى العبد الصالح بغية التتلمذ على يده.. كان ينتقد كل حركة يقوم بها في منهجه التربوي .. إلى أن أدرك موسى بدوره عدم قدرته على الإستيعاب وانسحب من الدراسة نتيجة لتعقيد المنهجية التربوية التي قام بها هذا العبد الصالح في عملية التعليم..
فقد كانت منهجية تعتمد على المشاهدة العيانية والإستنتاج ، لا على سرد الوقائع والإعتماد على الأقوال الخالية من التدابير المنطقية.. فلم يقدم له المفاهيم بصورة سردية أو نظرية ، بل فضل الجانب التطبيقي من الموضوع .. ولكي يعلمه ، بوجود ملك يخطف كل سفينة غصبا ، قام بإغراق سفينة بكاملها..
وعندما أراد أن يعلمه في أن الإيمان الديني يهتز باهتزاز عواطف الأبوة أو الأمومة ، قام بإعدام شخصية كاملة ، حينما قتل ذلك الغلام ..
 وعندما أراد أن يعلمه ، الحق الشرعي لليتيم في الميراث ، ويعلمه تاريخا تنطوي عليه سجلات الأرض ، وأن الأرض هي السجل التاريخي الصحيح عبر الدهور والأزمنة والذي يصحح غلطات التاريخ المزيفة للواقع ، قام بإقامة جدار كامل يريد أن ينقضّ.
وكان الخضر عليه السلام قد طلب من موسى ألا يسأله عن شيء حتى يحين الوقت المناسب فيخبره به.. وذلك راجع إلى تفقد عنصر الإستنتاج كشرط أساسي في دراسة الظاهرة العلمية .. والذي يتم من طرف الطالب لا من طرف الأستاذ .. فترك له الفرصة الكافية ليتبصر الأمر بنفسه ، ويستنتج أصل القاعدة المتواجدة في الموضوع ، ليكون فهمها عميقا بأساس داخليته المبنية على التبصر والبصيرة لا فهما خارجيا عن طريق معطيات الغير .. دون تطرق الأستاذ للشرح المبكر للعملية فيعدم بذلك مبادرته الخاصة وفطرته الربانية فيه .. وجوهره الذاتي الحقيقي..
وكان العامل الزمني في المنهج الإلهي واضحا ،  حيث تم تحديده بيوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ..
والمخبـر حل محله الأرض وقصر فرعون ..
أما العيّنة فكانت تتجلى بحضور السحرة مع النبي موسى ..
والتجربة كانت هي الإلقاء.. وهي تتضمن دائما تلك الخلفية الحسية المتمثلة في دقة الملاحظة الموضوعية ..
والإستنتـاج : وهوالقاضي بالتعريف النهائي للسحر، وتجلى ذلك فيما أصدره موسى من حكم حول ما لاحظه ..
فلما إلتقى الجمعان ، وبزغت شمس الحق على رؤوس الجميع .. وكان السحرة جاهزين لبداية المعركة في جو من الإسترهاب والتخويف .. وسيدنا موسى جاهزا مع أخيه هارون لمواجهة المعركة ضد المئات أو الآلاف من هؤلاء  السحرة .. ولما ألقى السحرة أشياءهم ، بقيت على حالتها الطبيعية ، ولم يحدث فيها أي تغيير.. فالعصي بقيت عصيا ، والحبال بقيت حبالا تحت واقع أمرها.. بينما تخيلها موسى والملأ من حوله ، أنها تحولت في شكل حيات وثعابين تسعى.. وذلك ما نصت عليه الآية :
" فـإذا حبالهـم وعصيهـم يخيـّل إليـه مـن سحرهـم أنهـا تسعـى "
ثم يظهر عنصر الإستنتاج واضحا في المنهج الإلاهي ومطابقا تماما للمنهج التجريبي في دراسة الظاهرة العلمية حيث يقول الله على لسان موسى :
" قـال موسـى مـا جئتتم به السحـر " .
حيث أن موسى لما رأى تلك الحادثة التي قام بها سحرة فرعون ، إستنتج شيئا هاما..
فلقد إستنتج بأن ما يراه أمامه ليس من الواقع في شيء بل هو سحر تم عن طريق التخيلات.. حيث إختل الإدراك الحقيقي للواقع وأصبح يلوح بأشياء وهمية.. وبهذا خاطبهم موسى بعبارة صريحة حيث قال بأن ما قمتم به أيها السحرة من إلقاء لأشيائكم على الأرض فتحولت تحولا وهميا إلى حيات تسعى هو الذي يسمى بالسحر.. بمعنى أن السحر ما هو إلا ما يتخيله الإنسان وليس له أية علاقة بالواقع ..
وبهذا يصبح السحر مبدئيا عبارة عن :
" عمليـة تأثيـر حسـي فـي الإدراك.. يلـوح فـي شكـل تخيـلات وهميـة ، إنطلاقـا مـن النفـث فـي العقـد.. و يؤدي إلى حدوث هلوسة بصرية .."
فقد سحرت العيون ، فاختل من جرائها الإدراك الذي أصبح يرى ما لم يكن في الواقع .. وهو ما أكدته الآية في سورة أخرى :
 " فلمـا ألقـوا سحـروا أعيـن النـاس واسترهبـوهم وجـاءوا بسحـر عظيـم"

وهكذا أصبحت عبارة :
" سحروا أعين الناس "
دليل أكيد على أن العيون هي التي سحرت ، بمعنى أنها أصيبت بهلوسة بصرية..
ففي السحر يحدث خلل في حاسة الرؤيا كهلوسة بصرية .. أو حاسة السمع كهلوسة سمعية.. أو حاسة الشم كهلوسة شمية.. أو حاسة اللمس كهلوسة حسية.. أو حاسة الذوق كهلوسة ذوقية..
ومن دلائل الهلوسة ، الشعور بالخوف .. فهو أحد الأعراض المرافقة لها في كل حالاتها..
 وإن ظهر هذا الخوف فهو دليل أكيد لا شك فيه في أن ما حدث هو عملية هلوسة بصرية لا غير.. وذلك ما أكدته الآيات الكريمة بصورة متكررة:
" فلما أقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم "
" .. فأوجـس فـي نفسـه خيفـة "
" موسـى قلنـا لا تخـف إنـك أنـت الأعلـى "
" يـا موسـى إنتي لا يخـاف لـدي المرسلـون"
وبالرغم من هذا الوضوح الكامل الذي جاء به القرآن في مفهوم السحر.. إلا أن الناس راحوا يستمعون لما يقوله الناس ، ويبتعدون عما جاءت به الأحكام السماوية ..
والقرآن لم يترك شيئا إلا ذكره بالتفصيل المفصل.. ولم يغادر شيئا إلا وذكره بصورة مكررة عبر مجموعة من الآيات ، توضيحا وتأكيدا للمعنى ، ومنعا للإلتباس والتحريف ..
ولذلك يقول سبحانه وتعالى :
" ما فرطنا في الكتاب من شيء "
وقد صاغ الله الخبر في قالب قصصي ، تمثل في ما قام به سيدنا موسى عليه السلام مع سحرة فرعون.. وذلك راجع إلى أن قراءتنا للقصة هي أشبه ما يكون إلى الدراسة التطبيقية التي يقوم بها العالم أثناء دراسته لظاهرة ما إعتمادا على المنهج التجريبي.
ودراسة ظاهرة السحر ، تصطدم بعقبات شنيعة .. تتمثل في عدم القدرة على التجريب ، مع تشعب النظريات المتكلمة عن السحر في صحراء قاحلة ليس بها ماء.. بحكم الآليات المعرفية المسبقة ، وعدم توفر القواعد الباشلارية[3] في الموضوع ، حيث تتدخل المفاهيم الإيبستيمولوجية[4] ، التي تمنع وصول العقل البشري إلى الحقيقة .. وعليه ، فإننا نرى أن العقل وحده لا يمكنه الوصول إلى حقيقة السحر ، مما يقتضي الرجوع إلى الأحكام السماوية التي قدمت مفهوم السحر في قالب قصصي يماثل تلك الدراسة التطبيقية ..
فالدارس لظاهرة السحر من وراء القرآن ، يجد نفسه وكأنه يطبق خطوات المنهج التجريبي من خلال قراءته للقصة..
الطابع القصصي يجعل القارئ يتابع الموضوع بشوق واهتمام مما يؤدي به إلى إستقبال الموضوع الذي يطالعه ، إستقبالا مجهزا ببصيرته بدلا من عقله ، وما يجعله أكثر قدرة على الفهم والتركيز وتثبيت المعلومات في ذاكرته ..
والقصة لم تكشف عن فحواها بقدر ما كشفت عن الجانب التطبيقي في دراسة ظاهرة السحر.. حيث لم يقدم الله سبحانه وتعالى مفهوم السحر في قالبه الشفوي .. بل جاء بقصة السحر كاملة أمام موسى والملإ من حوله بمشاهدة عيانية ، تبعتها آلية الإستنتاج القاضية بوهمية السحر ..

                                                     بقلم رابح ميساوي


[1] -  الشيخ محمد الغزالي رحمه الله
[2] - تعني الحتمية بأن توفر الأسباب يؤدي إلى حدوث الظاهرة
[3] - نعني بالباشلارية إلغاء جميع المعارف المسبقة التي تمت حول الموضوع والبداية من اللامفهوم
[4] - نعني بالإيستيمولوجية تلك الأحكام المسبقة التي تبني الخصائص المعرفية للإنسان والتي تمنع نشاطه الفكري من التطور والوصول إلى الحقيقة

السبت، 28 مارس 2015

العـلاج بالتصميـم



العـلاج بالتصميـم

يقول الفيلسوف الألماني " إيمانويل كانت " Immanuel Kant في كتابه " قوة الإرادة في السيطرة على المشاعر المرضية بواسطة التصميم " أن للإرادة قوة كبيرة في السيطرة على المشاعر والأحاسيس المرضية سواء النفسية منها أو الجسدية وذلك بواسطة التصميم .. حيث يصمم الإنسان على ألا يكون مريضا ولا يسمح مطلقا للمشاعر المرضية والأحاسيس السلبية من الوصول إلى عقله الواعي .. ومنه سيبدأ عقله الباطني في تسجيل هذه الإجراءات وبرمجتها من أجل تنفيذها على المستوى الصحي الجسدي والنفسي..
ولقد كان الفيلسوف  " كانت " نفسه مصابا بالنقرس وهو نوع من أنواع الروماتيزم حيث تتجمع بلورات من الأملاح البولية في أوتار العضلات الصغيرة في الجسم كعضلات أصابع اليدين والقدمين ، وتجعل الحركة فيها مصحوبة بآلام شديدة.. ويسمى هذا المرض أيضا بمرض الملوك لأن أكثر من يصاب به هم المترفون والمرفهون..
وكان  " كانت " عندما يشعر باقتراب ظهور الآلام في أصابعه ، يحول عقله الواعي عن الإحساس بالألم ، عن طريق تركيز أفكاره على موضوع آخر بعيد عن موضوع المرض.. ويحصر أفكاره في هذا الموضوع حتى لا يترك مجالا للتفكير ودخول الأحاسيس المرضية إلى منطقة الوعي... فالعقل الواعي في هذه الحالة يكون مشغولا ومملوء لدرجة الإشباع ولا يمكنه إضافة شيء آخر مثل الأحاسيس السلبية التي تريد الدخول إليه .. فهو عندئذ لا يلتفت إلى الآلام ولا يشعر بوجودها..
ويزعم " كانت " أن تركيز الفكر بعيدا عن موضوع الآلام لا يمكن من التحكم في نوبات النقرس والقضاء عليها فحسب ، بل يمكن أيضا من السيطرة على أعراض أمراض أخرى ، ويحول دون ظهورها مثل مرض الصرع والنوبات الهستيرية وغيرها..
والتصميم يتطلب شجاعة كبيرة وإرادة قوية وثقة بالنفس..
وفي الطب الحديث شواهد كثيرة تثبت أن إزالة الألم بزرقة المورفين المسكنة تكفي في بعض الحالات من إختفاء الألم والأعراض المرضية ، كما يحدث مثلا في حالات من القولنج أي المغص الشديد الناتج عن المرارة أو الكلى ، وكما يحدث أيضا في حالات إلتهاب العصب الوركي الحاد ، إذ يزول الالم الشديد حالا بعد حقن العصب بالمخدر ، ولا يعود ثانية إلى الظهور في المستقبل..
وبالتنويم المغناطيسي ، يمكن إزالة الحس بالألم في منطقة ما من الجسم المصاب بحالة مرضية ما مثل  " داء المطقة " حيث تبدأ بعدها الفقاقيع الصغيرة تسقط إلى أن تزول تماما..
ونشير إلى أن الفيلسوف " كانت " لم يكن على علم بالتفسير الطبي لهذه الإختبارات  .. لكن عبقريته أوصلته لهذه الإستنتاجات.. فقد إستطاع بتركيز أفكاره حول موضوع بعيد عن موضوع المرض أن يحول دون وصول الشعور به إلى عقله الواعي .. وعندما يستيقض في صباح اليوم التالي ، لا يجد لنوبة النقرس أي أثر في أصابعه ..
وبهذا يمكننا أن نستنتج من وراء إختبارات  " كانت" أنه بالإمكان السيطرة على المشاعر والأحاسيس المرضية النفسية منها والجسدية بواسطة التصميم المتمثل في إبعاد العقل الواعي عن التفكير في الألم عن طريق التفكير بعمق وتركيز في موضوع آخر.. لنصل إلى الشفاء التام.


                                      عن الدكتور أمين رويحة
                                       بقلم الأخصائي النفساني ر. ميساوي   

الأحد، 22 مارس 2015

النظريات المفسرة للسحر




                           النظريات المفسرة للسحر

نظرية القدرة الخاصة:
تعرف العامية من الناس السحر بأنه قدرة خارقة في يد الساحر يعمل بها ما يشاء من خوارق الطبيعة والتأثير فيها عن طريق دخن يدخن به .. وعن طريق تلاوة يقوم بها والتي يكون قد تعلمها من مصادرها.. إلى أن يصل الأمر إلى إعتبار أن مصدر السحر هو القرآن بما يحويه من أفكار سحرية من جهة.. وما يتم عند مخالفة شريعته من جهة أخرى.. إلى أن يمس حملة القرآن الكريم.. وكرامات الأولياء ، ليصل المفهوم في ما بعد إلى حذف هذه الكرامات من المعتقد الروحي باعتبارها شركا بالله .. وإلى حد إعتبار أن المعجزات النبوية على مدى العصور ماهي إلا ذلك الجانب المتطور وفي الشكل الأعلى من السحر..
 وعند تحليلنا للموقف نلمس جانبا واضحا من الإستدراج الفكري في الموضوع .. حيث مرت هذه النظرية أولا بالمبالغة في تعريف السحر واعتباره قوة خارقة في يد الساحر تعطيه التفويض المطلق في التأثير على الطبيعة و الإنسان ..
 ثم وصلت إلى إعتبار أن هذا التفويض المطلق يكتسبه الساحر من مخالفة الشرع في القرآن..
 ثم الوصول إلى أن هناك آيات قرآنية لها التأثير السحري في هذا القرآن ..
 إلى أن يصل إلى إعتبار أن القرآن نفسه سحرا..
ويزداد الإستدراج خطوة خطوة إلى أن يصل إلى إعتبار أن كرامات أولياء الله الصالحين هي نفسها سحر أخذ صبغة التعظيم والتقديس ..
 وشيئا فشيئا يصل بك إلى أن جميع المعجزات النبوية على مر العصور إنما هو ذلك الشكل الأعلى والمتطوّر عن السحر ..
وواصل الإستدراج مسيرته ، وأخذ آخر شكل له في رمي آيات القرآن المكتوبة على أوراق في المزابل والبول والمياه القذرة عليها باعتبارها سحرا ..
ونظرية القدرة الخاصة تمزج السحر بالساحر، تماما مثل الطفل الصغير الذي يمزج العدد بالمعدود ، حيث يتحول هذا الساحر إلى سحر من حيث القدرة التي يطبعونه بها.. وهو ما يقوم إلا على أساس السمعيات التي إنتقلت من شخص لآخر ، وكل واحد يسمع من الشخص الذي قبله في شكل تواتر خيالي لا شرعي .. كمن يطارد خيط دخان.. ولم ير أحدهم يوما هذا السحر الوهمي الذي يتكلمون عنه منذ طفولته إلى يومه هذا ..
التعريف العامي للسحر ترجع نشأته إلى الإنسان البدائي .. الذي كان يخاف كل أشياء الطبيعة لدرجة الرعب الشديد.. ونتيجة لهذا الخوف.. أصبح يتمنى إمتلاكه لقوة خارقة يسيطر بها على الأشياء التي يخافها فيؤمن شرها ، مثل الأجرام السماوية والصواعق .. وهو ما ظهر جليا في القرآن حول سيدنا إبراهيم عليه السلام ، حينما رأى الشمس والقمر آفلين..
ثم تحول هذا التمني أو الحلم من طرف الإنسان البدائي الخائف إلى تبني هذه القوة الخارقة بخياله ، ووصل به هذا الخيال إلى التجسيد الواقي للفكرة  وانتقالها بين الأجيال آخذة مركبة خاصة مصنوعة من كلمة "..قالوا.." و "..سمعنا..".
النظرية النفسية والأنتروبولوجية في تفسيرها للسحر تعتمد على عاطفة الخوف لدى إنسان ما قبل التاريخ ، وهو التفسير الذي يعتمد على حاجة الإنسان إلى الأمن وإشباع الرغبات وبلوغ الكماليات[1] ...
ومحاربة الإنسان للطبيعة منذ ظهوره في الكون، إعتمدت على وسائل دفاعية سبقتها تخيلاته الخاصة المستوحاة من نفسه الخائفة ضد الآليات الهجومية متمثلة في ما صنعه من الحجارة.
الآلات المصنوعة من الحجارة تبرهن بحكم طبيعتها تخيلات صانعها المقترنة بخوفه .. ذلك لأن تخيلاته إقترنت بصنع وسائل دفاعية بدلا من هجومية .. ولما كان الخيال قد إرتقى لمستوى الدفاع المادي فلا بد أن تكون هذه التخيلات قد إرتقت هي الأخرى لمستوى الدفاع المعنوي أو الروحي ومنها تخيل تلك القدرة الخاصة التي سماها فيما بعد بالسحر دون أن يكون في وجودها المعنوي شيئا..
والفكرة لا تكون موجودة بوجود إستمرارية في الخيال، إذ ما دام الخيال مستمرا ما دامت الفكرة التي يبحث عنها غير موجودة ، لأننا لا نحلم إلا بما هو ليس في أيدينا.. وينتهي هذا الخيال بتجسيد هذه الفكرة على أرض الواقع ، ولكن الخيال يبقى مستمرا، مما يستلزم أن الفكرة التي يتبناها ما زالت غير موجودة .. وبالتالي فالسحر غير موجود بالشكل الذي يعرفه به الإنسان..
ونجد نظرية القدرة الخاصة منتشرة بشدة بين الأوساط التي يعمها الجهل وعامل الخوف و الإرهاب.. والقمع والحرمان.. الذي يؤدي إلى محاولة تحقيق الرغبات عن طريق التخيل .. المماثل للغشاوة البصرية التي أدلى بها الله في القرآن :
" أَفَرَأيـتَ مـَنِ اتَّخَتذَ إِلَهَتهُ هَـوَاهُ وَأَضَلَّتهُ اللَّـهُ عَلَـى‏ عِلْـمٍ وَخَتَـمَ عَلَـى‏ سَمْعِـهِ وَقَلْبـِهِ وَجَعَـلَ عَلَتى‏ بَصَـرِهِ غِشَـاوَةً فَمـَن يهْدِيـهِ  مِـن بَعـْدِ اللَّـهِ أَفـَلَا تَذَكَّـرُونَ "[2]
فتقنية الإستدراج في الطرح ضربت صميم عقله .. فأعطته قوة الإيمان بها دون الإيمان بمنتقداتها حتى ولو كانت هذه المنتقدات مستمدة من القرآن.. وقد رسخت في ذاكرته منذ طفولته فلا يمكنه تغييرها في ظرف قصير.. إلا بعد وقت طويل يتم فيه الإستدراج المنطقي المعاكس ..
وعند الضغط عليه بهذه الأدلة .. يستعمل التمادي .. إذ يلجأ إلى الإستعانة بشبه العلماء .. وهنا تدخل الضفدعة الخضراء في واد أخضر و تختفي عن الأنظار ..
فنظرية القدرة الخاصة ، تعرضت لعملية خلق من طرف الإنسان ، نتيجة لآليات نفسية يكون الخوف العميق في مقدمتها.. واتخذ هذا الخوف مجموعة من الأساليب تأمينا للموقف .. وهو ما خلق التدعيم اللازم لسيطرتها على عقول الناس بالشكل الذي خلقت فيه الإبتعاد عن العلم والتقرب من السحر..
إن السحر الذي نص عليه القرآن ، يعتمد أساسا على طرق فنية رائعة تهدف إلى مخادعة العقل بشتى الطرق والأساليب التي حافظ روادها على سريتها وإخفائها .. ولكي تؤمن هذه السرية والإخفاء .. بعثت به في قالب قرآني ..
نظرية الإتفاق:
 يعتقد أصحاب هذه النظرية ، أن الساحر يكتسب خبرته عن طريق مجموعة من التصرفات تحوي مخالفة الشرع في مضمونها .. مما يؤهله للتقرب من الشيطان الذي يحقق له رغباته من حيث التأثير في الطبيعة والإنسان..
غير أننا نرى في ما جاء به القرآن أن تسخير الشياطين هي من معجزات سليمان بن داود عليهما السلام دون غيره من البشر.. مصداقا لقوله تعالى:
" قـال ربـي هـب لـي مـن لدنـك ملكـا لا ينبغـي لأحـد من بعـدي ، فسخرنـا لـه الريـح تجـري بأمـره رخـاء حيـث أصـاب والشيطيـن كـل بنـاء وغـواص"[3] .
وتميزت هذه الآية بالملكية الخاصة لسليمان دون غيره من الأنبياء والبشر العاديين بما فيهم السحرة.. وهو ما جعل مقولة التسخير الذي جاءت به نظرية الإتفاق تتناقض مع مقولة الملكية الخاصة التي جاءت في الآية:
 " لا ينبغـي لأحـد مـن بعـدي"
وهو ما يرمي حتما إلى الإعتراف بتدخل تقنية المصادرة على المطلوب.. ثم ما الدليل على أن الشياطين هي التي تتوسط بين السحر والساحر؟.. وبين الساحر والمسحور ؟ ولماذا لا يكون هذا السحر أمرا مستقلا عن الشياطين ، يجري بصورة حرة تتحكم فيه قواعد خارجة عن نطاق هذه الشياطين ، تماما كالذي يحصل في المعادلات الكيميائية والقوانين الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية ... ؟ .
ثم أن مدلول الإتفاق يتنافى مع مدلول البراءة وفقا للآية :  
 " إنـي بـريء منـك "[4]     
فالشيطان يسقط الإنسان في الزلل ثم يتبرأ منه ويهرب منه .. ولا يتفق معه كما يقولون مصداقا لقوله عز وجل في الآية السابقة..
ولما طرد الله إبليس من الجنة أجابه هذا الشيطان:
 " وعزتـك لأقعـدن لهـم صراطـك المستقيـم"[5]
بمعنى أن الشيطان بوسوسته يتولى بالدرجة الأولى مهمة تحريف من هم في طاعة الله ومتمسكين بصراطه المستقيم .. أما الذين هم في مخالفة شرع الله فلا يهمونه لأنهم سقطوا في فخ الكفر والشرك..
ثم على أي منهج إعتمدت هذه النظرية في دراستها لهذه الظاهرة ؟ ومن أي منطلق ؟ وتحقيق لأي فرضية ؟ وما هي الخطوات الرئيسية التي إتبعها صاحب هذه النظرية للإدلاء بنظريته هذه ؟.. مع العلم أنه لا وجود لها في القرآن على الإطلاق ولا في الحديث..
ودراسة ظاهرة السحر تستلزم المنهج التجريبي .. فأين المخبر الذي أقام فيه هذا المنظّر تجربته ؟.. وإن قام فعلا بهذه التجربة المستحيلة فإن هذا المتكلم يرمي إلى أنه خالف الشرع وتعاهد مع الشيطان فوصل إلى هذه الحقيقة الوهمية ..
ولم تنسب هذه النظرية إلى من يقمن بأعمال شبه سحرية ، حينما يقمن بما يسمينه بالحساب أو الكشف الخاطىء.. حيث يدللن بأنه من قام بالسحر هو صاحب الأوصاف التي قد تنطبق في كثير من الأحيان على الزوج أوالزوجة ... فينتهي المطاف إلى الطلاق بين الأزواج .. مصداقا لقوله:
"...فيتعلمـون مـا يفرقـون بـه بيـن المـرء وزوجـه..."
ويقوم بعضهم بتلاوة القرآن على المريض المصاب حسب إعتقادهم بمس من الجن أو السحر .. حيث يكون لهذا المريض القابلية والإستعداد لفقدان الوعي كشأن جميع الأمراض الهستيرية .. فيبدأ عقله الباطني في التكلم عن أسباب سحرية من طرف شخص محدد وبرئ .. فيظن هذا الساحر الراقي بأنه يتكلم مع الجن ، وتحدث المكيدة البتراء متوافقة مع ما تقوم به النساء في سحرها الوهمي.. فيقترب القرآن من السحر في نظرهم ..
ولم تتوجه تهمتهم نحو هؤلاء إطلاقا ، بل جعلتهم يتبوؤون بمكانة محترمة بداخل المجتمع بمواصفات بريئة جدا.. في حين أنها توجهت بالتحديد المحدد وبالضبط إلى حملة القرآن الكريم في ما يقومون به من كتابة لآيات قرآنية على أوراق إلتماسا للشفاء .. وإبراز كرامات القرآن..
وهكذا ، فقد دخلت نظرية الإتفاق بين الساحر والشيطان باعتبارات عشوائية تتنافى مع ما جاء به القرآن الكريم.. من حيث أن الإتفاق بين الساحر والشيطان ، يجعل هذا الساحر قد إلتقى مع هذا الشيطان قبل الإتفاق وهو الوجه الأعلى من التناقض الفكري ..
فأسبقية اللقاء بين الساحر والشيطان هي مشروعية المنطق الذي حدد هذا اللقاء كما لو كان مصادرة على المطلوب ..  ثم أن الشيطان إشترط عليه مهمة مخالفة الشرع مقابل تحقيق آماله وطلباته .. وهذا الشرع إنما خالفه الساحر قبل أن يلتقي بالشيطان وإلا فإن هذا لا يفسر أصلا هذا اللقاء من الوجهة المنطقية .. وما دام هذا الساحر قد خالف الشرع من قبل أن يلتقي بالشيطان ، فلا يطلب هذا الشيطان منه ذلك.. وما هو موقعنا عندئذ من الآية ؟ :
 " فتبصـروا يـاأولـي الألبـاب قـد أنـزل اللـه إليكـم ذكـرا " ؟
والتبصر هو إنتهاج المنطق السليم واستخدام البصيرة في المفاهيم .. والذكر هو القرأن الذي يجب أن نواجه به ضربات الجلاد الذي يدلل بعدم الإستدلال بهذا القرآن..
نظرية التنكر والإختفاء:
وتقوم هذه النظرية على إعتبار أن السحر ما هو إلا مفاهيم متنكرة للعلم ، ونظريات علمية أخذت صبغة سحرية بحكم مجاهيلها التي إختفت عن الفكر المنطقي.. وسحريتها هذه تزول بمجرد معلوميتها.. فالساحر الذي يستعمل السحر لإيذاء الناس يكون قد أخذ موادا ضارة بصحة الإنسان ، تخضع في تحضيرها لمعادلات كيميائية ومضبوطة ضبطا رياضيا وكيميائيا ، بعيدا تماما عن مداخلة الشيطان ، ووضعت في صبغة سحرية لإيهام الناس وخداعهم وإبعادهم عن الإكتشاف العلمي للحقيقة.
فدم الحيض الذي تستعمله النساء في مأكولات ومشروبات الناس تعرضهم إلى أضرار صحية خطيرة نتيجة لما فيه من مواد سامة وميكروبات ..
وإذا أردت أن تجعل كل شيء يسعى في نظر شخص ما .. فعليك أن تأتي بنبتة دخنها له خاصية فيزيائية تتمثل في الحركة الأفقية الإهتزازية ، وعندما تجعل دخان هذه النبتة بين الشخص وبين الأشياء المراد رؤيتها في حالة حركة ، فإن حركة هذا الدخان الإهتزازية تسحر حاسة الرؤيا وتوهمها في أن هذه الأشياء هي التي تتحرك.. وذلك ما جاء واضحا في القرآن:
 " فلمـا ألقـوا سحـروا أعيـن النـاس واسترهبوهـم وجـاءوا بسحـر عظيـم"[6] .
وعندما تكون لدينا سحابة متحركة ، نرى الأجرام التي وراءها تتحرك بتحرك هذه السحابة..
ويلعب الإتجاه الثقافي للإنسان دورا كبيرا في الإيمان أو البطلان للسحر.. فإذا كانت تزعته علمية فإن أبا بكر الرازي يتحرك بداخله فيهتدي إلى تفسير الظاهرة تفسيرا علميا..
أما إذا كانت نزعته سحرية ، فإن فئة إشهار السحر تتحرك بداخله فيفسر الأمر تفسيرا سحريا .. فالمفاهيم السحرية ما فتئت بعد تحليلها أن تكشف الحجاب بينها وبين الناظر الحقيقي لها ، فتظهر أسرارها المبهمة في شكلها العلمي لا غير.
ولقد كان الأوائل يعالجون المريض بأكل لحم الطير في مواصفات تبعث على الإعتقاد بسحريتها.. حيث يدمجون هذا اللحم بعقاقير وتوابل وبعض الأعشاب الطبية .. وسمي هذا العلاج بـ " النشرة ".. وكانت هذه الوصفة شافية فعلا وبصورة ملموسة...عن إعتبارات مجربة..
وبموجب ذلك تحركت الفتنة بوجب الإعتقاد الخاطئ .. حيث يعتبرون أن الذبح للجن حرام بما يأخذه من إشراك بالله .. على ضوء الآية :
  ".. وما أهـل بـه لغيـر اللـه.."
وذلك باعتبار أن الذبح قد تم للجن.. غير أن هذا الذبح لم يكن للجن ولا للحيوان بل كان للإنسان .. من أجل التداوي بلحم الطير طبقا لما يوجد به من مواد مغذية ، وفيتامينات ، حيث يقول سبحانه وتعالى:
 " ولحـم الطيـر مما يشتهـون "..
ومن جهة أخرى فإننا نرى أن الآية واضحة حيث يقول سبحانه وتعالى :
" ولا تأكلوا ما لا يذكر إسم الله عليه "
فالذي ذبح الطير قال : بسم الله.. والله أكبر.." وهو متوجها للقبلة..
التنكر والإيهام والمغالطة التي استعملها الأوائل إنما ترمي إلى علاج من لديهم عمق المفاهيم السحرية الخاطئة ، فيتداوون طبيا وهم يعتقدون أنهم يتداوون بالسحر .. لكن هذا الأسلوب فتح ثغرة كبيرة لإشهار السحر عن إعتبارات خاطئة ..
فالتظليل الذي إستعمله هؤلاء المعالجون يستمد أصوله من قواعد شرعية ، كما فعل الطبيب ابن سينا رحمه الله في علاج مرض الوهم.. حيث أمتنع أحد المرضى من تناول الدواء معتقدا في أنه بقرة ولا بد أن يذبح .. وأكد له الرئيس علي ابن سينا في أنه لا بد من ذبحه الذي يشترط القضاء على هزاله أولا ، ليستفيد الناس من لحمه مما يستلزم أكل الدواء .. ومنه بدأ المريض في تناول العقاقير المساعدة على الشفاء في الوقت الذي يعتقد فيه أنه يتناول أدوية الزيادة في الوزن والسمنة ، فسقط في الفخ وتوصل إلى الشفاء التام..
وأسلوب هذا العلاج لا يزال قائما في قوائم الطب منذ آلاف السنوات إلى وقتنا الحالي ، لكن تبعه الإعتقاد بوهمية السحر وازداد الطين بلة..
وكم من حالات أستقبل فيها المرضى وفي كامل إعتقادهم مس من الجن.. أو ضرب من السحر.. فأعالجهم بطريقتي الخاصة مبتعدا عن معتقدهم دون أن يدروا ، وأصل بذلك لهدف الشفاء التام .. لأن إخبارهم بالحقيقة لن ينفع من شيء ما دام مفهوم السحر والمس الجني قد وصل إلى عمق إعتقادهم  . وهو ما يلزمني بتطبيق أسلوب المخادعة في فائدة المريض ..
ويتطرق المشعوذون إلى تطبيق نفس الأسلوب..غير أن مهمتهم تختلف عن مهمة المعالجين الأوائل .. فهم يعمدون إلى الكسب المادي عن طريق شعوذتهم .. وإلى إشهار السحر.. أما المعالجون الذي يسلكون مسلك الأوائل فيعمدون إلى مهمة الشفاء لا غير..
فالظواهر التي نعتقد بسحريتها ماهي إلا مفاهيم متنكرة للعلم في شكل من الغموض والإيهام ومخادعة العقل..
وإذا تطرقنا للقرآن الكريم ، بتركيز ودقة ، نجد أنه طرح موضوع السحر في ثلاثة وستين آية يختلف مفهومها تمام الإختلاف عما يقولون .. وتركز هذه الآيات كلها على إعتبار أن السحر ما هو إلا نتيجة لمفعول قوة التخيل التي تؤدي إلى إختلال عملية الإدراك السليم للواقع..  




[1] - آدلر
[2] - سورة الجاثية
[3] - سورة


[6] -

كيـف تتغلـب علـى الأرق بـدون دواء



كيـف تتغلـب علـى الأرق بـدون دواء


يحدث الأرق لسببين :
سبب عضوي : وفي هذه الحالة لابد من تدخل الدواء
سبب نفسي : وقد يحدث نتيجة لحدة الصراع الناتج عن الدخول في وضع غير مناسب أو غير ملائم .. فيبدأ المريض في محاولة إخضاع النوم لإرادته في صورة إجهاد مما يؤدي إلى إشتداد حدة الصراع ويؤدي ذلك إلى فقدان القدرة على النوم وهذا طبقا لقانون كامل الوضوح يسمى بقانون السطوة.. حيث يعمل الإجهاد في إتجاه عكسي..
وللتخلص من هذه الحالة لا بد من تراجع هجوم الأنا أمام العقل الباطن.. لا بد من شعور الأنا بالخوف عن طريق التخيلات.. وذلك بالطريقة التالية :
عندما تأوي إلى فراشك.. إسترخ جيدا لمدة دقائق مع تطبيق جميع آليات الإسترخاء التي سوف نقدمها في أحد الفصول القادمة.. وأهمها أن تستلق على ظهرك وإغماض عينيك دون الضغط عليهما.. ودون الضغط على الفم.. تنفس ببطء كبير.. أترك حركات التنفس بطيئة جدا.. أحسب هذه الحركات ببطء كبير أيضا إلى أن تصل إلى عشرين أو ثلاثين مرة.. وكلما كان العدد كبيرا كانت النتيجة أحسن.. وعندها ستشعر باسترخاء كبير في كل عضلات جسمك الإرادية.. والإسترخاء هو المقدمة الأولى للنوم.. ثم تبدا في تطبيق الوصفة التالية :
تخيل ببطء أنك تائه في صحراء ليلا.. لا تعرف الطريق..لا تعرف هل تمضي إلى الأمام أم الوراء.. هل ستذهب على اليمين أم الشمال.. الظلام الدامس .. لا قمر ولا نجوم.. لا بصيص من النور.. حتى إذا أخرجت يدك لا تكاد تراها.. السماء ملبدة جدا بالغيوم.. وقد إخترت أن تمض إلى الأمام في إرتباك وبصورة عشوائية.. لكن الطريق مليئة بالحفر .. والآبار العميقة..فكنت تمشي ببطء كبير لتتمكن من تحسس الآبار برجليك..وأنت على وشك السقوط في الخطر.. وفجأة تحسست برجليك أنك على حافة بئر.. توقفت في حيرة.. وقررت أنك لا بد من الدوران إلى جهة اليمين.. فتحسست بئرا آخر.. ونفس الشيء على الشمال.. أخذت حجرة أو صخرة ورميتها في البئر لتتمكن من معرفة عمق البئر عن طريق إستماع صوت إرتطام الحجر بالقاع.. لكنك لم تسمع صوتا أبدا .. وكأن البئر لا قاع له..وشعرت بالخوف..وازداد الخوف أكثر وأنت محاسر بالآبار من جميع الجهات.. وفجأة بدأت تسمع صوت الذئاب.. وقد بدأت هذه الأصوات تقترب منك شيئا فشيئا.. أين المفر ؟ وما الحل ؟ وهناك بئرين متجانبين ملتصقين ببعضهما يفصل بينهما جدار مشترك.. فقررت أن تجازف .. مع زيادة إقتراب صوت الخطر.. صوت الذئاب.. فركبت فوق الجدار الفاصل بين البئرين.. لتتمكن من العبور..لكن الجدار بذأ يتزلزل من تحتك .. وأوشكت على السقوط في أحد البئرين.. وفي نفس الوقت أوشكت على السقوط في أنياب ذئب قد إقترب منك من الخلف..
ملاحظة : يمكنك الزيادة في نسيج القصة من إبتكارك.. لكنك إذا تتبعت هذه القصة الخيالية لن تصل إلى نهايتها حتى تكون قد سقطت في نوم عميق هادئ مريع للأعصاب.. وهذا من المجربات مرارا عديدة .. كرر التمرين ليلتين أو ثلاثة حتى تكتسب عادة النوم بدون دواء وبدون الحاجة إلى تكرار هذا التمرين..
عن الأخصائي النفساني رابح ميساوي