إننا نلاحظ على مستوى الساحة الإجتماعية ، فئة تتولى مهمة إشهار
السحر بين الناس .. وتحسيسهم بأهميته في الحياة ، وإيهامهم بمفعوله وتضخيمه ،
وراحوا يفننون في عظمته لدرجة أنهم زرعوا مرض " فوبيا السحر"[1] بصورة مخيفة ، وأصبح الناس
يصرفون عن التخلص من هذا السحر بصورة وهمية أكثر ما يصرفون عن زادهم.. ويفسرون
أعراضهم المرضية تفسيرا سحريا بعيدا عن جادة الصواب العلمي.
وضربت هذه الفئة ، حملة القرآن الكريم ، ضربا مبرحا ، حتى أصبح هؤلاء
الحملة يندمون عن اليوم الذي قرأوا فيه القرآن نتيجة للتهم التي ألصقوها بهم ،
باعتبار أن السحر هو ما يكتبه هؤلاء من القرآن على أوراق .. وظهر من جراء ذلك
كارثة كبرى حيث تعرض القرآن الذي يجدونه مكتوبا على أوراق ، إلى رميه في المزابل
والمراحيض والتبول عليه باعتبار أنه سحر ..
ويقوم هؤلاء المروّجون للسحر بتعريف خادع ووهمي يخالف تماما ما جاء
واضحا في القرآن الكريم بآيات صريحة لا تحتاج إلى تفسير أو مفسر ، حيث يقول سبحانه
وتعالى :
" من شر النفاثات في العقد "
وبهذا أصبح من الواضح للعيان ، بأن السحر ليس ما يكتبه القلم من
القرآن بل هو عبارة عن نفث في عقد..
وقد وضع الله هذا التعريف للسحر في أبسط سورة من القرآن ، ولم يضعها
في السور الكبرى التي لن يقرأها بعضهم .. ذلك لأن الله سبحانه وتعالى يعلم الفتنة
التي سوف يتعرض لها القرآن الكريم وحملته ، فوضع هذا التعريف بالشكل الذي تتمكن كل
الناس من قراءته[2].
ويذهب هؤلاء المروّجون ، إلى أن التداوي بالقرآن يكمن وراء قراءته في
ما يسمونه بالرقيا ، ولا يكمن وراء كتابته ، لأن الرسول(ص) قرأ القرآن ، ولم
يكتبه.. وأن كتابته هي مخالفة لسنة النبي (ص)..
بينما نحن نعلم علم اليقين في أن الرسول(ص) كان أميا لا يعرف القراءة
ولا الكتابة .. ولو لم يكن أميا لكتبه دون جدال.. ثم أن القرآن كتب في مصاحف..
وأشار الله سبحانه وتعالى في أن القلم هو وسيلة للتعلم وليس للسحر ، وجاءت الآية
واضحة في ذلك حيث يقول عز وجل :
" وعلم الإنسان بالقلم "
أويقول هؤلاء بأنهم وجدوا هذا القرآن مكتوبا على أوراق بدون نقط ،
وعدم نقطه يكشف عن إعتبارات سحرية فيه..
لكن ألا يرمي هذا إلى الإعتقاد بأن القرآن هو نفسه سحر..؟
أليست هذه خطوات تمهيدية للإيمان بسحرية القرآن ؟
أليس هذا نوع من الإستدراج للمس بقداسة القرآن ؟
ثم أن القرآن نفسه نزل بدون نقط .. وأن كتابته بهذه الصورة هي الشكل
الحقيقي له..
وإذا ألزمتهم الحجة يتطرقون لشيء آخر .. سيقولون بأنهم وجدوا على هذه
الأوراق طلاسم سحرية..
إلا أننا نشير بأن السحر ليس هو كتابة الطلاسم ، بل هو :
" النفاثات في العقد "
بصورة واضحة للعيان ، لا تحتاج إلى تفسير أو مفسر..
ثم أن هذه الطلاسم التي يبررون كلامهم بها ، موجودة في القرآن بشكل
مكثف ، وبصورة واضحة ، لا تقبل تدخل أو مداخلة .. فأول ما تفتح المصحف الشريف تجد
سورة البقرة تبتدئ بـ "...ألم..." وكررت سبعة مرات في بعض السور الأخرى
.. وتتواصل بداية بعض السور الأخرى بـ "...ألر...ألمص... حم.. ن..كهيعص...حم
عسق ...."
وجاءت هذه الطلاسم في القرآن تحمل شيفرات غريبة تفسر مجاهيل الكون
وأسراره إذا نحن تمعنا النظر فيها بتركيز ، وطردنا وهمية السحر وفتنته من
أذهاننا..
إن ما يعتبرونه طلاسم ، والتي يكتبها حملة القرآن الكريم ، ماهي إلا
مستنبطة من كتاب الله الذي لم يأت لتعليم الناس السحر ، بل جاء ليكشف عن وهمية هذا
السحر ودجله كما جاء ذلك واضحا في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع سحرة فرعون[3].
وعندما تجادلهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبالتي هي أحسن ، كما
أمرنا بذلك سبحانه وتعالى ، يتطرقون إلى شيء آخر..
يتطرقون إلى أنهم وجدوا جداول مكتوبة على هذه الأوراق .. والجدول هو
السحر في نظرهم ..
لكن القرآن الكريم لم يشر إلى أن السحر هو كتابة الجداول ، بل أشار
سبحانه وتعالى في أن السحر هو :
" ... النفاثات في العقد..."
ثم أن هذه الجداول الشريفة التي يتكلمون عنها موجودة في القرآن بشكل
واضح للعقل والبصيرة ، دون جدال أو مناقشة ..
فالله كان يعلم الخطوة التي سوف ينتهي إليها هؤلاء المهاجمون على
القرآن وحملته فأكدها تأكيدا تاما في ما
يسمى بآيات الحدس[4]..
هناك خمسة آيات تعجيزية في القرآن الكريم ، جاءت موزعة على مجموعة من
السور ، لكي لا يتمكن الأعداء من تحريفها[5].
وهذه الآيات هي :
1/ " كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح "
2/ "هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم"
3/ "يوم الآزفة إذا القلوب لدى
الحناجر كاظمين ، ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع "
4/ " علمت نفس ما أحظرت فلا أقسم بالخنس والجوار الكنس والليل إذا عسعس
والصبح إذا تنفس"
5/ " ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وانشقاق "
إن هذه الآيات الخمسة يكمن وراءها جانب كبير جدا من الإعجاز الذي جاء
في القرآن الكريم وبصورة مدهشة..
فأنت ترى الجدول الذي وضعه الله بصورة واضحة في القرآن الكريم.. حيث
بدأت الآية الأولى بحرف من حروف كهيعص وانتهت بحرف من حروف حم عسق.
وبدأت الآية الثانية بالحرف الثاني من حروف كهيعص لتنتهي بالحرف الثاني من
حروف حم عسق..
والآية الثالثة بالحرف الثالث من كهيعص لتنتهي بالحرف الثالث من
حم عسق..
والآية الرابعة بالحرف الربع من كهيعص لتنتهي بالحرف الرابع من حم
عسق..
والآية الخامسة بالحرف الخامس من كهيعص لتنتهي بالحرف
الخامس من حم عسق..
وهو ما يظهر بالصفة التالية على شكل جدول :

ويظهر جانبه الإعجازي من خلال شكله التركيبي ، لنتمعن فيه وندرك السر
الذي يتواجد وراء إرتباط هذه الآيات التي سمتها العلماء بآيات الحدس وبين كهيعص ،
وحم عسق.. وهذه الآيات هي التي تكشف السر والنقاب والغطاء عن هذه الطلاسم
المتواجدة في القرآن والتي ظل العالم الإسلامي وعلماء الإسلام يبحثون فيها دون
إهتداء لمعرفة ألغازها ..
كما يظهر جانبه الإعجازي في تصليح مشاكل النزاع والخصومات الزوجية
بين الزوجين ، عن إعتبارات مجربة آلاف المرات على يد أصحابها ..
ومن أراد التأكد من ذلك فليجرب بنفسه.. لكنني أأكد للقراء على
كتابتها لا قراءتها كما يعتقدون.. وهو ما يسمى بكرامات القرآن التي أعطاها الله
لعباده من المؤمنين ، والتي سماها أهل الفتنة بالسحر والعياذ بالله.
ولا تقتصر كرامتها في تصليح مجرى المشاكل الزوجية فحسب ، وإنما في
أمور كثيرة تسبق حسابها وعدّها.. مثل الشفاء من بعض الأمراض ، إن لم أقل كلها ،
ونجاح التجارة ، والدراسة .. وزواج البائرة .. وأمور خيرية أخرى..
وتكاد هذه الآيات الشريفة السر الأساسي في إدراج كرامات القرآن من
وراء كتابته..
وأخيرا فإن الكلام في هذا الموضوع طويل جدا وعريض ، وله مسالك يصعب
على الإنسان الإحاطة بها كلها.. ولذا فإنني أقول للقارئ الكريم أن يتسلح بإرادة
جبارة وقاسية لا تعرف الرجوع إلى الوراء في الدفاع عن القرآن الكريم وحمايته من
الأوساخ والقاذورات والبول.. ويعلم أن هذا فاق بكثير الرسومات الكاريكاتورية التي
طعنوا بها حبيبنا محمد عليه أفضل الصلوات والسلام..
دافع وجاهد ضد المساس بقداسة القرآن الكريم ، والتأثر بما يقولون..
يؤتك الله أجرك مرتين.. مرة في الدنيا .. ومرة في الآخرة..
" إنه قرآن مجيد في لوح محفوظ.."
[1] - يتميز مرض الفوبيا بالوسوسة
والخوف الشديد من أشياء معينة كالحيوانات
أو الجني أو السحر.. الأماكن الضيقة أو المرتفعة...