تزامنت
الأمراض مع دخول العصر الحديث بأعراضها المختلفة.. وهرع الناس إلى الأطباء
مذعورين.. وراح هؤلاء الأطباء في وصف عقاقير كيميائية بين الحين والآخر دون أن
يكون لهذه الأدوية من فوائد سوى زيادة الطين بلة..
فالأمراض
تزداد يوما بعد يوم ، وتتزايد معها وصفات لأدوية ليس لها من سلطان .. وهم يهمون في
ذلك بقتل الميكروب المسبب حسب زعمهم للمرض.. دون القضاء على السبب الحقيقي .. في
حين أن هذا الميكروب لم يأت إلا في مرحلة متأخرة من مراحل المرض ، وهو لا يهجم إلا
حينما تكون منطقة ما من الجسم لها الإستعداد الكامل لتقبل هذا الميكروب .
وبهذا
يحق لنا أن نقف وقفة تساءل وتفكير مع فنجان قهوة لو سمحت..
هل
قطع الشجرة يكون من جذورها أم من أغصانها ؟
فنحن
وضعنا كمية من الأعشاب في مكان ما ، وجاءت العنزة فأكلتها..
ولولا
الأعشاب ما جاءت العنزة.
هيأنا
الجسم للإصابة بالمرض ، وجاء الميكروب ليأكله..
ولولا
هذا الإستعداد ما جاء الميكروب..
فأول
ما يتضرر في الإنسان هو النفس ، نتيجة لصدمة نفسية عنيفة ومبكرة في حياته ، وهي
تتحرك عند الدخول في ظروف خطيرة غير ملائمة ومشابهة لظروف الصدمة .. وعندما تعجز
النفس عن تحمل وقع هذه الصدمة، فإنها تدفع بها إلى الجسم .. وبالتالي يكون هذا
الجسم له الإستعداد الكامل لتقبل الميكروب ودخوله إليه..
وفي
هذه الحالة يحق لنا أن نفكر مع فنجان قهوة لو سمحت..
هل
في هذه الحالة نعالج الميكروب أم نعالج السبب الذي أدى لمجيء هذا الميكروب ؟
عندما
نقضي على الميكروب أو الفيروس فإن هناك فيروسات تعود من جديد ولو بعد مدة لأن
السبب لا يزال قائما..
وهو
ما حدث بالفعل في كثير من الأمراض .. إذ يشفى المريض مدة قصيرة ثم يعود المرض من
جديد..
فبالرغم
من إستئصال اللوزتين عند المريض إلا أن آلامها تعود من جديد..
وبالرغم
من الشفاء من بعض السرطانات إلا أنها تباشر عودتها..
وهناك
الكثير من الامراض الجلدية تعود بعد الشفاء منها..
والأمثلة
كثيرة ، تطالبنا بوقفة تفكير قبل فوات الأوان ، لأن الناس تحترق بغاز لا يزال
مجهولا ، ويرغمنا بالتوقف قليلا مع فنجان قهوة لو سمحت..
قم
وأغلق الباب أو النافذة ، هل يدخل الريح ؟
إن
السبب الرئيسي لكل الأمراض الجسدية هو ذلك الإستعداد النفسي لها ، والذي يستلزم
الدخول عليه من زاوية أخرى بعد تفكير طويل وصامت يتخلله فنجان قهوة ، وأقول لو
سمحت..
فأمراض
الرأس والتوتر الذي يحدث به على إختلاف أنواعه إنما يرجع إلى التعبير اللاشعوري عن
الخوف من فقدان الموضوع[1]
.. ولذلك نجد هذا المرض يظهر كثيرا عند الأطفال أيام دخولهم الأول إلى المدرسة..
لأنهم في هذه الحالة يبتعدون لساعات طوال عن الشخص المحبوب ، وقد تكون الأم أو
الآب أو كليهما.
فالقلق
عند الأطفال هو تعبير لاشعوري من فقدان الشخص المحبوب..وهذا التعبير اللاشعوري
تتخلله تلك الرمزية التي تظهر في صفة أعراض.. ويظل اللا شعور أو العقل الباطني
يحمل في طياته المنسية هذا الخوف إلى أبعد الحدود من سن متأخر ، ويربك الأطباء
بتشخيصات ليس لها سلطان.
ويحدث
مرض الشقيقة غالبا ، من الإنفصال عن أحد الأبوين في مرحلة مبكرة من طفولة المريض..
فهي تابعة لقلق الإنفصال..
فقد
يمكن أن يحدث شبه طلاق بين الأبوين ، الذي يؤدي إلى خروج الأم من بيت زوجها إلى
بيت أبيها لفترة من الزمن قد تطول أو تقصر ، حيث ينفصل فيها الطفل عن أبيه إذا أخذته
أمه معها ، أو ينفصل عن أمه إذا لم تأخذه معها..
أو
يمكن أن تصاب الأم بعاهة مرضية ، تلزمها المستشفى أياما أو أسابيع أو شهورا ،
وتترك وليدها تحت كفالة إمرأة أخرى.. وبذلك يسقط الشعور بالإنفصال في المجال
اللاشعوري ويصبح يلوح بعلائم مرضية و الشقيقة في مقدمتها.
وتتعدد
أشكال الإنفصال بصور شتى ، ومجملها أنها تؤدي إلى التوتر والآلام في الرأس حتى في
سن متأخر من العمر.
والتصلب
والألم في عضلات الجسم ينبعان من موقف لاشعوري للحركات المعبرة عن الرغبة في
التحطيم.. وهو ما ينشأ مباشرة في المرحلة الشرجية من مراحل النمو النفسي أو
الجنسي.. وهكذا يمنع التقلص العضلي الصراع من الوصول إلى التفكير الواعي حيث يمكنه
أن يسبب القلق .
وقد
يحدث إلتهاب المفاصل نتيجة لكبث مشاعر العدوان.. كما يحدث تنمل الأطراف نتيجة لإضطراب
التنفس الناتج عن القلق.
ونشير
كذلك إلى أن إضطرابات الحلق وإلتهاب الأحبال الصوتية باختلاف أنواعها يعود إلى كبت
المشاعر التي لها علاقة بالتعبير.. وتحدث كثيرا لدى الإناث بسبب ما يشعرن به من
تفضيل الوالدين لأحد الأطفال بصورة مبالغ فيها ..
فالبنت
في هذه الحالة تشعر أن لديها حقوق لكنها مهضومة من طرف الأبوين .. وتجد نفسها في
حاجة لمواجهتهما بخصوص هذا الإجراء.. لكنها لا تستطيع هذه المواجهة بسبب الخوف من
جهة ، وبسبب الحاجز المقدس الذي تشعر به البنت تجاه أبويها من جهة أخرى ، وعند ذلك
تكبت هذه المشاعر فتسقط في اللاشعور.. والإضطراب بعد حين من الزمن يذهب إلى مركز
التعبير أي إلى الحلق ، فيحدث إلتهاب اللوزتين ، أو إضطراب الأحبال الصوتية ،
أوتضخم الغدة الدرقية...
ويلجأ
الأطباء إلى معالجة الغدة الدرقية باعتمادهم على العقاقير الكيماوية ، لكن عبثا
يفعلون.. مما يؤدي بهم في نهاية المطاف في كثير من الحالات إلى القيام بعملية
جراحية.. لكن الغدة الدرقية تعود بعد فترة غير محددة من إستعصالها.. وكذلك الأمر
بالنسبة لاستئصال اللوزتين..
وهنا
يحق لنا ، ويسمح لنا أن نقف وقفة تفكير طويل في صمت مع فنجان قهوة لو سمحت ..
وتحل
العملية الجراحية محل الدواء في البوليبات الأنفية عندما تصل العقاقير الطبية إلى
الفشل.. لكنها تعود بعد فترة غير محددة أيضا ، وهو ما يوحي بأن المرض بقي متربصا
فترة الرجوع سواء إستعملنا عملية الشق أم لم نستعملها..
وأين المفر عندئذ..؟
ألا
يوحي هذا بعملية تقصير في فهم أسباب السلوك المرضي الجسدي لدى الإنسان ؟
ألا
يحق لنا أن نرتشف فنجان قهوة من أجل التفكير؟
وعلى
الصعيد الهضمي وأمراض المعدة والقولون ، فإننا نعلم علم اليقين بأن عقدة الإتكال
تولد قرحة المعدة ، التي يخطأ الأطباء في تشخيصها ، ويوجهون المريض توجيها كيماويا
بدلا من توجيهه توجيها نفسيا..
فالإكتئاب
يبدأ دائما بأعراض معدية دون جدال.. كما أن آلام البطن هي وسيلة للتحكم في
الآخرين..
كما
نعلم جيدا بأن ترك الطفل في دار وحده مع الشعور بالجوع ، قد يعرضه إلى اضطرابات
هضمية في ما بعد أي في مرحلة الشباب أو الكهولة.
الإمساك
المزمن سببه تلك العلاقة الصعبة بين الأم وطفلها في مراحل حياته المبكرة.. وعندما
يصل الطفل إلى عمر التدريب على التحكم في التبرز ، فقد يؤثر في ذلك إنفعالاته
وصراعاته مع أمه حيث يتحول ذلك إلى الإصابة بالإمساك ، والإحتفاظ بالبراز يعمل كرد
فعل يرمز للتحدي ويصنع أساسا لحدوث الإمساك لدى الكبار.
المريض
الذي يعاني من الإمساك المزمن يعاني من التشاؤم.. لايثق بالآخرين.. يشعر بأنه
مرفوض لا يحبه أحد..
إلتهاب
القولون يحدث عند الإخفاق في التعبير عن الإنفعالات والغضب ، فيصاب حالة القولون
التقرحي شديد مع الإحساس باليأس والقنوط.. ويغلب على المريض أن يكون غير ناضج
ويعتمد على غيره ، وكثيرا ما يكون مدققا متشددا ويكون أحد الأبوين مسيطرا ، ويظهر
كثيرا عند الذين تعرضوا لأزمة خطيرة في حياتهم وخاصة في الفترة السابقة للمرض
مباشرة.. ويظهر عليهم الإستسلام عند مواجهة العقبات ،يسهل عليهم أن يصابوا
بالإحباط ، وسرعان ما يشعرون باليأس.. إنهم يعانون من صراع شديد من أجل تأكيد
ذاتهم .
بعض
من يصابون بالتهاب القولون يثبت سلوكهم عند مرحلة الطفولة..
إلتهاب
القولون التقرحي غالبا ما يحدث بعد عمر الثمانية سنوات ، ويرتبط هذا المرض بالتهاب
المفاضل ،وتأخر النمو ، والأمراض الجلدية وفقر الدم.. ويكونون من النوع المنطوي ،
يدافعون عن أنفسهم ، ويشعرون بالذنب ، والميل للتزمت ، وفرط الحساسية ،وكثرة
التفكير ،وغالبا ما تعتريهم مشكلات تشمل الحياة الجنسية..
وتناوب
نوبات الإمساك والإسهال والتقلصات أو المغص ، إمتلاء البطن بالغازات.
عرض
القيء :
هو
دفاع هستيري ضد الأكل..
والقيء
له علاقة رمزية للإحتجاج على موقف معين ، أو الشعور بالتقزز أو الإشمئزاز من شخص
ما.. وقد يرجع إلى مرحلة قديمة جدا من مراحل نمو الطفل ، وبالضبط عند المرحلة
الفمية ،أيام الرضاعة .. فالإشمئزاز من رائحة الأم ، أو العرق المتصبب على ثدييها
أثناء الرضاعة ، أو المواقف الحرجة التي تتعرض لها الأم ، مثل خصامها مع زوجها ،
أو عملية الإتصال الجنسي بين الآب والأم في الوقت الذي يحتاج فيه الطفل إلى
الرضاعة.. هذه كلها من شأنها أن تسبب إضطرابات لاشعورية ذات موقف غير سليم تجاه الأكل
في المستقبل ، وقد يتمثل في القمه وفقدان الشهية ، أو القيء المستمر.. ويحدث
إرتباط شنيع بين أعراض قلة الشهوة للطعام ، والضعف الجنسي..
فالإتصال
الجنسي بين الأبوين وقت الحاجة إلى الرضاعة ، تجعل هذا الطفل يسلك سلوكا عدوانيا
تجاه العمليات الجنسية ، مما يؤدي في النهاية إلى إخصاء عضوه التناسلي مستقبلا
ويصاب بالضعف الجنسي[2]..
رفض
الأكل بسبب القلق ظاهرة معروفة في الحالات الذهانية (هذيان التسمم)
كما
يمكن أن يكون فقدان الشهية العصبي كرد فعل ضد الخوف من السمنة.. ويكون متبوعا عند
المرأة بانقطاع الحيض وانقطاع الرغبة الجنسية والهزال، إضطرابات سلوكية والإعياء
السريع .
ومدرسة
التحليل النفسي تعلل فقدان الشهية العصبي بمحاولة العودة من طرف المريض إلى
المرحلة اللاجنسية النسبية حيث تقل الفروق بين الفتى والفتاة إذا هي أجاعت نفسها
وأصبحت نحيفة ..
كما ترجعه إلى الإعتقاد اللاشعوري بحدوث الحمل
من الفم نتيجة للإرتباط الموجود بين اللذة الفمية في المرحلة الفمية حالة النمو
الجنسي وبين اللذة الجنسية في المرحلة القضيبية .. وكذلك الربط بين إمتلاء البطن
بالطعام وبين الحمل.
ومن
جهة أخرى فإن مرض الشراهة في الأكل هو سلوك يرتبط بالعدوان.
إننا
سننهي هذا الموضوع مع آخر إرتشاف لفنجان القهوة نظرا لطوله ، وتشعب نظرياته .. غير
أن الملخص الكامل يرمي إلى أن الأمراض الجسدية التي لم يفلح فيها الدواء والعمليات
الجراحية ، مع نسبة تزايدها يوما بعد يوم ، أجبرتنا على الوقوف لحظة تفكير في ما
وراء هذا الفشل الغير مشروع ، ونغيّر موقعنا من هذا التفكير ، إذ لابد من النظر من
زاوية أخرى التي قد تنصفنا ربما..
هذه
الزاوية ترجع بنا مع فنجان قهوتنا إلى النظر بمجهر آخر مصنوع من عدسات تختلف عن
الأولى.. فقد كانت في السابق عدسات مادية بحتة.. أما العدسات الحديثة فهي عدسات
روحية والتي بدأ العالم ينتبه إليها بعد فوات الأوان..
إنها
تلك العدسات التي تبحث في ما يسمى بالأمراض البسيكوسوماتية[3]..
فهي تفسر الأعراض بالرجوع لاضطرابات اللاشعور بدلا من تفسيرها بالميكروب
والفيروس..
فالمادة
ما فتئت تكشف عن حقيقتها التي تنتهي بعد تحليلاتها إلى مداخلة الجانب الروحي
المختبئ فيها[4]..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق