اعلان

الخميس، 23 أبريل 2015

المس الجني في القرآن الكريم



                                    

ظهرت فتنة المس الجني بشكل حاد مع دخول العصر الحديث .. وهاجم هذا الموضوع القنوات ، والمجلات ، والجرائد ، والكتب .. وتداولت الناس أطراف الحديث في ترويج هذه المسألة بشكل فاق حدود الكلام عن مواضيع أكثر أهمية..
وأغلب هؤلاء الناس هم من الطبقة الشبه مثقفة من جهة ، ومن الذينهم يستمعون إلى الشرح الخاطئ للقرآن والسنة الشريفة من جهة أخرى.. والسبب الأكثر من هذا هو الخلل المنطقي في فهم الأحكام التي يسمعونها أو يقرأونها.. فيستدلون بالحديث الشريف :
" إن الشيطان ليجري مجرى الدم في العروق "
غير أن هذا الحديث من الوجهة المنطقية ليس له أي علاقة بالمس الجني على الإطلاق.. فهو يشير إلى أن الشيطان بوسوسته ، يتصرف بمختلف الطرق والإمكانيات حتى أنه يجري في عروق الإنسان مثلما يجري الدم في هذه العروق .. لكن في حدود معينة ومضبوطة متمثلة في إبعاد الإنسان عن الجنة والزج به في النار، لا في إيذائه كما يتصوره البعض.. وهو ما جاء واضحا تماما في سورة الناس.
فقد نزلت سورة الناس لتعرفنا بالوظيفية الحقيقية للشيطان والمتمثلة في الوسوسة لا غير.. وهذه الوسوسة تهدف لشيء واحد لا غيره وهي الدفع بالإنسان إلى نار جهنم لا إلى إيذائه .. ذلك لأن الشيطان يعلم جيدا أن إيذاء الإنسان لا يخدم مصلحة هذا الشيطان.. لأن الإنسان قد يتحصل على مثوبة من الله سبحانه وتعالى فيكفر عنه ذنوبه وسيئاته وخطاياه من جراء هذا الإيذاء ، ويدخله الجنة التي لا ترضي الشيطان.
فغشاوة المس الجني للإنسان يتعارض مع مهمة الشيطان شكلا ومضمونا.. و فضحتها سورة الناس.
حكمة الله سبحانه وتعالى ومعرفته للغيب أوضحت لنا الأمر ، حيث أنزل وظيفة الشيطان في أبسط سورة من القرآن ، لكي تتمكن كل الناس من قراءتها ، على عكس ما لو وضعت في السور الكبيرة كسورة البقرة أو آل عمران ، فلا يطلع عليها معظم الناس..
ولم يأت في القرآن الكريم ، ولا في الحديث الشريف ، مفهوم يدل على مس الجن للإنسان بل جاء في آيات أخرى من القرآن مفهوم الوسوسة واضحا ، كما في سورة طه.. حيث يامر الله سبحانه وتعالى الشيطان في أن يسجد لآدم .. لكنه أبى واستكبر ، وذهب إلى آدم يحثه على الأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها وجاءت في ذلك الآيات واضحة حيث يقول عز وجل :
"... فوسوس إليه الشيطان ، قال ياآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى"[1] ؟..
وتكررت الآيات الدالة على وظيفة الشيطان في مجموعة من السور في القرآن ، وذلك منعا لتحريف مفهوم وظيفة الشيطان ، وهي من ضمن التقنيات التي وضعها الله سبحانه وتعالى من أجل المحافظة على القرآن[2] وسلامته من التحريف .
فقد كان الله سبحانه وتعالى يعلم في غيبه ، الخلط الذي سقطنا فيه ، والإيهام الذي تعرضنا له ، والخلل المنطقي الذي حدث في فهمنا لوظيفة الشيطان .. فوضع المفهوم أولا وقبل كل شيء في أبسط سورة من القرآن لتتمكن الناس من قراءته ، عوضا عن وضعه في سور أخرى كبيرة لا تمكّن بعضهم من قراءتها.. ثم عزز المفهوم بآيات أخرى موزعة على مجموعة أخرى من السور تأكيدا ومنعا للإلتباس وتحريف المفهوم.
وزاد الله في تعزيز الموضوع بسورة الفلق التي زادت الأمر وضوحا وتجلية وزودته بالمنطق السليم ..
حيث لم تأتينا سورة الفلق إلا بأربعة أشياء حذرنا الله منها وهي بعد البسملة ، وبعد قل أعوذ برب الفلق:
 1/ من شر ما خلق
 2/ ومن شر غاسق إذا وقب
3/ ومن شر النفاثات في العقد
4/ ومن شر حاسد إذا حسد
لم يذكر الله هنا أبدا المس الجني على الإطلاق على غرار السحر الذي هو
" النفاثات في العقد"
وليس هو ما يكتبه المؤمنون على أوراق من أجل التداوي.
وليس هو الطلسمات الشريفة التي جاء بها القرآن..
وليس هو ما يكتبه القلم من آيات القرآن أو جداول موجودة في هذا القرآن.
بل هو :
" النفاثات في العقد "
فوهمية المس الجني للإنسان ، حطمت المفاهيم المنطقية لدى هذا الإنسان ، وتجاوزت حدود المعرفة العلمية إلى مفاهيم فسلجية ليس لها أي سلطان عدى تلك الغشاوة البصرية التي وضعت على العيون البريئة.
وقد يستدلون بوجود الجن في آيات كثيرة من القرآن الكريم.. وما دام الجن موجودا ، فإنه يمس بني البشر في نظرهم .. إنه خلل منطقي واضح في فهم هذه الآيات ..
فالآيات تكلمت عن وجود الجن وخلقه من طرف الله سبحانه وتعالى ، ولم تتكلم عن مسه لبني الإنسان.. حيث أن وجود الجني شيء.. ومسه لبني البشر شيء آخر.
 كما قد يستدلون بالآية :
" الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس "
وفي ذلك يجب أن يرجع القارئ إلى متابعة كل الآيات التي نزلت فيها كلمة المس ، فيهتدي للمفهوم الصحيح للكلمة .. وذلك نتيجة لوجود بنية ترابطية بين كل الآيات المشيرة لمفهوم ما.
فعلى سبيل المثال نجد أن هذه الكلمة نزلت في سورة يوسف حيث يقول سبحانه وتعالى على لسان إخوة يوسف عليه السلام :
"... مسنا وأهلنا الضر..."
وهنا أشار الله إلى مفهوم المس في عبارة التعرض إلى ألم الجوع..
وفي الآية التي تشير إلى عظمة القرآن الكريم :
"... لا يمسه إلا المطهرون.."
أي يفهمه أولائك المطهرون من الخلل المنطقي في تفهم المعنى مثلما أشرنا إليه سابقا.. وهو التفسير الأرجح الذي قال به مجموعة من العلماء.. أي أن المس هنا أصبح بمعنى الفهم الصحيح..
وهناك آيات كثيرة التي تناولت كلمة المس ، والتي إذا ربطنا بينها ، نخرج بالمفهوم الحقيقي للمس بعيدا عن مفهوم الجني تماما.
فالقرآن الكريم يتوفر على مفهوم الإكتفاء الذاتي ، فلا يحتاج إلى تفسير أو مفسر ، إذا ذهبنا للبنية الترابطية بين أجزائه ، ولذلك يقول سبحانه وتعالى :
" ما فرطنا في الكتاب من شيء "

 


 







                                                                                                                                                                                                                                                  



[1] - سورة طه
[2] - أرجع إلى موضوع حفظ القرآن من التحريف في هذه المدونة

ليست هناك تعليقات: