اعلان

الأحد، 5 أبريل 2015

أرجع وعد من حيث أتيت





دخل العصر الحديث بآلياته الجديدة.. مصحوبا بالسرعة.. واضطرابات نفسية ، وجسدية ، لا عهد للإنسان بها ، فعكرت صفو حياته ، وفقد عنصر الإطمئنان والثقة بالنفس ، وأصبح يتخبط في الشعور بعدم الإستقرار ، والمعاناة من الإكتئاب ..والقلق والخوف.. يستوي نهاره وليله في آن واحد.. دون تشخيص ، ولا دواء..
ولا يجهل أحدنا أن الطب وقف عاجزا أمام إنبثاق أمراض لم يتمكن الأطباء من السيطرة عليها ، وراحت تفتك بالأجساد البشرية وصولا بها لدرجة الفناء.. كما لا يجهل أن هذه الأمراض- سواء كانت جسدية أم نفسية- إنما هي حديثة العهد ولم يعرفها الإنسان من قبل بالشكل الذي هي عليه الآن .. وقد جاءت متزامنة مع دخول هذا العصر الذي تميز بما هو جديد على الساحة العقلية والمعرفية والصحية للإنسان ..
وما منا إلا من يقف حائرا يتساءل.. لماذا إنقلبت الدنيا إلى هذا الحد ؟..
لماذا إنعدمت اللذة في كل شيء ، وحل الألم محلها ؟
لماذا إختفت الأحاسيس الإيجابية وحلت الأحاسيس السلبية بدلها ؟
ما السبب في ظهور هذه الإضطرابات المخيفة ؟
والجواب على ذلك يظهر بعد وقفة طويلة في التأمل..
سوف نكتشف بعد هذه الوقفة بأننا أصبحنا نتعامل مع الحياة الحالية بعكس معاملتنا لها في الماضي.. فتغيرنا بتغير الأحداث العصرية .. وأصبحنا كالريشة التي يحملها الريح إلى حيث ما يشاء ويريد..
واهتزت مشاعرنا باهتزاز ضربات هذا العصر.. وسافرنا معه سفرا طويلا دون أن ندري إلى أين سوف يصل بنا..
قضينا سفرا طويلا وشاقا.. وذهبنا إلى أبعد الحدود..
لقد سافرنا بعيدا عن أنفسنا بمسافة تقدر بآلاف أو ملايين الأميال عبر سنوات طويلة..
وعشنا غرباء..
لقد فارقنا جوهرنا الحقيقي النفسي..وتركنا فطرتنا التي ولدت معنا.. وأصبحنا نترامى بين أحضان المهدءات العصبية.. والمسكنات.. والأدوية السامة..
لقد تركنا الأدوية الحقيقية الموجودة في أنفسنا.. التي ولدت معنا..الفطرة الإلهية..الطبيعة الحسناء..واستبدلنا كل ذلك بعكسه تماما..
لقد تركنا أنفسنا..وأهلنا..وأصدقاءنا .. وجيراننا .. منذ طفولتنا ورحلنا مع تيار العصر إلى حيث لا ندري..
تركنا راحة البال والضمير.. وتركنا الجذور الحقيقية للحياة.. ورحنا نبحث عن الأغصان والفروع..
تركنا القشور والجذور واللباب التي هي من صنع الطبيعة..واستبدلناها بمصنوعات الإنسان..
هربنا من الجوهر الميتافيزيقي الموجود في أنفسنا .. وتركناه بعيدا عنا..
والحل يكمن في العودة.. والرجوع إلى أنفسنا..وإلى الجذور الحقيقية والحياة الطبيعية..
إنه يكمن في الرجوع إلى الحقيقة.. وإلى الذات الحقيقية و الفطرة الربانية في الإنسان..
وإني لأوجه ندائي إلى كل قارئ..
قف حيث ما كنت.. وتذكر طفولتك.. وكيف إختفت..
تذكر مجالس الحب والعطف والحنان التي كانت متداولة بين الناس ، وكيف ذهبت وتوارت إلى غير رجعة..
تذكر أن الحب والعطف والحنان حلت محله مشاعر العدوان الفتاكة..
روح التعاون ورحمة الضعيف والمستضعفين في الأرض ظهرت بمظهر قاتل وخداع..
الصدق والإخلاص والوفاء ، حل محله الكذب والنفاق والخداع والرياء..
مجالس البحث والعلم والمناقشات العلمية تغيرت إلى مجالس للنميمة وقول الزور..
رعاية اليتيم وحمايته تحولت إلى الطمع في ماله أو إستعباده..
التحلي بالمبادئ السامية والقيم الأخلاقية تغير إلى التحلي بالدينار والدولار.. ولا قيمة لمن لا يكتسب..
إلى أين أنت ذاهب إذن ؟
أرجع من حيث أتيت..
أمسك بأي مركوب تصادفه واركب..
قل لدنيا الغربة وداعا..
أرجع وعد إلى نفسك..
إرتم في أحضان الطبيعة الهادئة.. وتمتع بصفوها وجمالها وسكونها..
تمتع بجمال الأزهار.. واخضرار النباتات.. وزقزقة العصافير..وضوء الشمس.. وأشعة الكون الفاتنة التي لا راد لها ولا مانع ولا منازع..
يكفيك ما قاسيته من عناء سفرك الطويل..
أترك آليات العصر جانبا..
أترك المتاعب ، والآلام.. والإضطرابات النفسية بعيدا عنك.. وعد إلى نفسك فتمتعها بجمال ما فوقه جمال..
إنه جمال الطبيعة بسكونها وهدوئها .. بأزهارها ونباتاتها.. وفراشاتها وعصافيرها..
عد إلى نفسك لتعود نفسك إليك..أرجع دون تأخر.. وتذكر قوله عز وجل :
" .. يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي.."
عندما تبدأ في الرجوع إلى نفسك.. فإن نفسك تعود إليك.. وتفترق تماما مع جميع الإضطرابات النفسية باختلاف أنواعها..
إن هذا الرجوع عبارة عن عملية إنعكاس للطبيعة على الذات..
أتدري ما هذا الإنعكاس ؟
إنه التأمل..

ليست هناك تعليقات: