اعلان

الخميس، 30 أبريل 2015

ثنائية بين إثنين





إن الكلمة من حيث موقعها منفردة ، غير الكملة من حيث موقعها في جملة.. وغير الكلمة من حيث موقعها في نص .. وغير الكلمة من حيث موقعها في كتاب..
فالكلمة يختلف معناها حسب موقها ..
وهذا الموقع قد يحدد بنيتها..
تلك البنية التي تكون إما بنية فوقية.. وإما بنية تحتية..
البنية الفوقية تحدد المفهوم الظاهري للكلمة..
والبنية التحتية تحدد المفهوم الباطني لها ..
وبالتالي فإن المفهوم الظاهري للكلمة غير مفهومها الباطني ..
 فالمفهوم الظاهري يعطي المفهوم الأدبي للكلمة ..
والمفهوم الباطني يعطي المفهوم العلمي لهذه الكلمة..
ويترتب عن ذلك أن المفهوم الأدبي للكلمة غير المفهوم العلمي لهذه الكلمة ..
و هو ما يفرض منهجية خاصة في مناقشة أي فكرة من الأفكار ، وخاصة تلك التي تتعلق بنص قرآني بما يحوي من آيات وكلمات .. وهذا إلى جانب ما يحمله الإنسان من أفكار مسبقة عن مفهوم ما والتي تجعله أسيرا لها ، حيث تقف كعائق ابستيمولوجي تجاه أي تصور جديد ، مما يفرض لزومية الإنطلاق خارج إطار هذه القيود التي يفرضها عليه الغير بتصوراته اللاعقلانية.
وكثيرا ما بقي الإنسان أسيرا لنظرية طيلة آلاف السنوات ولم يكتشف خطأها إلا منذ سنوات قليلة ، مما جعل العلماء يقولون بأنه لابد من إعادة النظر في كل المفاهيم وتحديد نقطة الصفر للإنطلاق ، وهذا بمعنى البداية من اللامفهوم للوصول إلى المفهوم ..
 فعندما يعتقد الإنسان بمفهومية فكرة ما خارج سلطة المنطق ، فإنه يغلق على نفسه دائرة الفهم ويصبح أسيرا لفكرة قد تكون خاطئة من أساسها ، لأن الحقيقة المطلقة يعلمها الله وقد أودعها في العقل السليم المتحرر من التبعية للآخرين .
فالفكرة التي يؤمن بها الإنسان قد تكون عائقا إبستيمولوجيا تجاه المعرفة بحيث لا تسمح له بالبحث أو المناقشة لمفهوم ما.. إعتقادا منه بأنه يعرفه ولا داعي للبحث فيه.. وما هو من هذه المعرفة في شيء سوى أنه راح ضحية الإنقياد لأفكار الآخرين وآرائهم الخاطئة والمنطلقة أساسا من اللامفهوم.
فقديما كانت الآية :
" وجعلنا الرياح لواقح "
حملت إلى إعتقاد المفسرين إلى أن الريح تلقح السحاب في السماء فتحمله إلى أماكن مختلفة مما يؤدي إلى ظاهرة الرعد والبرق و... وكان هذا التفسير حقيقة مطلقة لا يمكن مناقشتها ولا الطعن فيها كونها من قول العلماء الذين لا يخطئون وبعبارة أخرى معصومين من الخطأ..
لكن علم الوراثة قلب موازين التفسير ، وعلم الإنسان تلك البنية التحتية التي لم يصل إليها التفسير الظاهري .. وأثبت بما لا يقبل الشك في أن الريح تقوم بحمل حبيبات الطلع من الأزهار الذكرية إلى الأزهار الأنثوية وبذلك تتم عملية التلقيح..
كما كان العالم  باستور عاكفا أيام زمانه على البحث في إيجاد ترياقا للقضاء على فيروس مرض الكلب الذي إنتشر آنذاك بصورة مروعة.. فقام بتجربة كلفته الثمين والأثمن لمدة شهور.. حيث زرع فيروس الكلب في إناء وبدأ يجرب الأدوية والترياقات الممكنة للقضاء على هذا الفيروس دون أن يهتدي لذلك..
وفي يوم ما تم بمشيئة الله سقوط جزء من التراب من السطح في إناء التجربة.. وراح باستور يتحسر ويتألم ويبكي خسارة التجربة.. لكنه تفاجأ في أن فيروسات الكلب لقيت حتفها عن بكرة أبيها.. مما ألزمه الإستنتاج بوجود مادة كيماوية بالتراب تقتل فيروسات الكلب..
لقد كانت هذه الحقيقة في حديث قرة أعيننا وسيدنا محمد(ص)  منذ أربعة غشر قرنا ، حيث يقول عليه الصلاة والسلام بما معناه أنه إذا لعق كلب في إناء فاغسله بالتراب سبعة مرات .. لكن التخلي عن البحث و تبليغ الأمانة العلمية لانتفاع البشرية بها.. هو الذي أدى إلى عدم وصول هذه الحقيقة إلى ميدان الطب ..
كما أن الخلفية الفكرية للإنسان تعتبر كعائق إيبستيمولوجي تجاه الفهم الصحيح للمعنى ... فالذي يؤمن بالمبدأ الإشتراكي مثلا ، يجد في القرآن التأييد المطلق للإشتراكية ... و الذي يؤمن بالرأسمالية يجد أيضا في هذا القرآن التأييد المطلق للرأسمالية ...في أنه لا هذا ولا ذاك ، والأمر يتعلق بمنطق الفهم لهذا التأييد الذي ينطوي وراء منطق آخر يدل على النظام الإسلامي الذي يوحد بين النظامين .
وبالمثل فالمؤرخ الذي يكتب عن النازية الهتلرية وهو يحمل خلفية الإنتماء  إلى هذه النازية غير المؤرخ الذي يحمل خلفية مضادة لها ..
 و المؤرخ الفرنساوي حينما يكتب عن الثورة الجزائرية غير المؤرخ الجزائري الذي يكتب عن هذه الثورة .... فالمؤرخ الفرنساوي يحمل خلفية فكرية تغير مفهوم النزعة الإستعمارية الفرنسية للجزائر بمفهوم الحماية مالإنتداب .. بينما المؤرخ الجزائري يراها أنها فكرة استعمارية بحتة .
و الذي يحمل خلفية المفاهيم السحرية لا يفسر الظواهر العلمية إلا بالرجوع للسحر كمرجع أولي ... أما الذي يحمل خلفية المفاهيم العلمية فلا يفسر إلا على أساس هذا الإتجاه ... ولا يشذ عن القاعدة الذي يحمل خلفيات سياسية...
أما إذا تطرقنا إلى مسألة تدخل الذاتية في الموضوع المعالج فإن ذلك يطرح عائقا آخر أكثر أهمية مما سبق وأكثر تأثيرا من حيث أنه يخلط العدد بالشيء المعدود .
وفي المقاييس الأدبية أو الإنسانية بصفة عامة ، تجد هذه الأشياء نقاط الضعف التي تتسرب منها ، أما المقاييس العلمية فتشذ عن القاعدة كون الواحد مع الواحد بالجمع لا يعطي إلا واحدا بالضرورة ، وهو ما تراه في شرح الأيات القرآنية يعطي خيطا واحدا منسجما مع بعضه البعض لا إنفصام فيه .
وعندما نريد شرح مفهوم ما مثل النفاثات في العقد ، فإن شرحنا يخضع للخلفية الفكرية التي يحملها الإنسان أو إتجاهه الفكري ....فإذا كان هذا الإتجاه أدبيا فإن الفكرة تصبح بما معناه أن ما يخرج من فم الإنسان على خيط به عقد لا أكثر ولا أقل .
وإذا كان الإتجاه سحريا فإن المفهوم يصبح عبارة عن قوة خارقة تظهر في النفث على الخيط لها قوة سحرية .
أما إذا كان الإتجاه علميا فإن المعنى يصبح عبارة عن تأثير قوة التخيل في علاقتها مع الإدراك  ، كما جاء ذلك واضحا في القرآن الكريم دون جدال ...
فالخلفية الفكرية للإنسان و إتجاهه الفكري إلى جانب الأفكار المسبقة التي يحملها عن مفهوم ما ، هي التي تحدد فهمه للمعنى الذي يفرض جدلية واضحة لا تزول إلا بانسجام هذا الفكر مع معطيات القرآن .
والعقليون يعترفون بأن العقل وحده بدون القرآن يصل إلى المتناقضات ..
 والقرآن بدون عقل يبقى كتابا مغلقا لا يفتحه إلا هذا العقل ..
 وهذا ما يفرض لزومية الإعتراف بثنائية لا مناص منها وهي ثنائية العقل والقرآن .. وأن القرآن هو الذي يشرح هذا القرآن اعتمادا على العقل الذي يتدبره ..
و القرآن هو الذي يصحح مسار العقل ، لأن الآية الواحدة قد تتكرر مرات عديدة لكنها بصغة مختلفة تسهيلا للمعنى وتقريبه للذهن وتثبيتا للمعلومات ، مما يسهل مهمة العقل في الوصول للمعنى المطروح .

ليست هناك تعليقات: