اعلان

الثلاثاء، 7 أبريل 2015

النظرة الحقيقية للأشياء



النظرة الحقيقية للأشياء

إنك حينما تنظر إلى شيء ما ، فإن نظرتك ليست حرة.. بل هي مقيّدة ومرتبطة بما يراه الآخرون.. الذين طبعوا هذه الرؤيا بالتسمية .. فيصبح عندئذ الإسم والمسمى شيئا واحدا .. والإلتصاق الذي حدث في هذه المادة يشكل مركّبا من مجموعة من الأشياء ..
 فأحدهم مادة.. وشكل.. ولون.. لهذه المادة.. ثم تسمية لهذه المادة..
وأصبحت هناك علاقة تربط بين الإسم والمسمى أو بين الدال والمدلول ..
وبهذه النظرة فأنت لم تر الشيء بمفهومه الحقيقي إلا من خلال تسميته التي وضعها الإنسان .. فأنت عندئذ تنظر لهذا الشيء بإسمه الذي تعلمته عن الآخرين.. لا بالتصور الحقيقي النابع من داخل ذاتك..
 أما إذا جردت الشيء من إسمه.. ثم بعد فترة إستطعت أن تجرده من مادته .. ومن شكله.. ومن لونه.. لتصل بعد وقت طويل من فصله عن مادته التي يتكون منها .. فأنت عندئذ وصلت إلى المفهوم الحقيقي لهذا الشيء .. وبمعرفتك الخاصة المستقاة من الفطرة التي خلقك الله عليها.. والخالية من التبعية للغير .. لأن هذه التبعية تأخذ من الناحية الصحية إنفصال الأنا عن الذات وانعدام الجوهر الروحي أو الميتافيزيقي للإنسان.. الذي هو أوسع بكثير من الأحكام التي تقدمها الحواس في شكلها السمعي الذي حكم على الأنا بعقوبة الإعدام دون محاكمة..
خذ مثلا كأسا وانظر إليه بعينيك لمدة دقيقة على الأكثر.. ثم أغمض عينيك.. وحاول أن ترى الصورة الذهنية لهذا الكأس كما كنت تراها سابقا في الواقع..
وفي هذه الحالة أصبحت ترى الكأس وأنت مغمض العينين بمثل ما كنت تراه وأنت فاتح عينيك..
فبأي عين ترى الآن ؟
إنك ترى بإحساسك الداخلي .. بالبصيرة التي أودعها الله فيك وهي خالية من أحكام الآخرين ..
وفي النظرة الأولى ، كانت رؤيتك خارجية ، أما في النظرة الثانية فرؤيتك داخلية..
الرؤية الأولى كانت بوساطة العينين والثانية بوساطة اللاعينين..
الرؤية الأولى كانت بالعقل أما الثانية فكانت بواسطة الإحساس..
والإحساس أوسع من العقل.. فالعقل تنتهي مهمته بمجرد صرف الإنتباه عن الشيء ..بينما الإحساس يظل قائما وإن أصرفت إنتباهك عن هذا الشيء..
النظرة الأولى كانت مستمدة من الواقع الخارجي بالإعتماد على الإدراك المطبوع بفكر الآخرين ، والثانية مستمدة من الواقع الداخلي بالإعتماد على الإحساس والبصيرة المطبوعة بالفطرة الإلهية فيك..
وأي شيء أثمن بين الإثنين ؟
هل تعاليم الغير أم تعاليم الذات ؟
وشيئا فشيئا ، ويوم بعد يوم ، من التدريب المتواصل ، على النظرة الداخلية للأشياء سوف تصبح قادرا على الفصل بين الإسم والمسمى ، ثم بين المسمى وشكله ، ثم بين هذا المسمى ومادته التي يتكون منها .. وعندئذ تتوصل إلى معنى الكأس الحقيقي والذي إستمديته من الفطرة الربانية فيك .. ومنه الوصول إلى مفاهيم تجعلك ترى أن العالم ما هو إلا في طوره الحقيقي والأخير من الوهم ، وما نحن إلا ضحية مفاهيم عمياء جاءتنا من مفاهيم الغير اللامشروعة بمشروعية العقل الخاطىء الذي يقودها تحت راية أنانيتنا النكراء..
فالبصيرة هي ذلك التحول من خارج الذات إلى داخلها ..كما هي عملية إنعكاس للعالم الخارجي على العالم الداخلي للإنسان..
النظرة الداخلية للواقع ، هي تلك التمرينات التي يقوم بها المتأمل..وهي عبادة كاملة لسيدنا إبراهيم عليه السلام ، ومعظم الأنبياء من قبله ومن بعده.. ووصلت إلى رجال الصوفية أيضا ، والذين جاءوا بحقائق هامة عن أسرار باطنية.. وهذا إلى جانب ما قام به رجال اليوغا.. وأهل الكارما..
إن الغوص العميق في الذات ، بواسطة هذه الذات ، يجعلك ترى الأشياء من داخل نفسك (عن طريق البصيرة) لا من خارجها.. طبقا لقوله عز وجل:
" فتبصروا يأولي الألباب "
والبصيرة أكبر وأوسع من العقل.. فهي تمثل السماء ، والأفكار المنبثقة عن العقل تماثل الغيوم السابحة في هذه السماء.. والسماء أوسع من الغيوم.. مماثلة للإحساس الذي هو أكبر من العقل.
إننا عندما نغوص في أعماق الكون برؤية داخلية نابعة من عمق بصيرتنا ، تتراءى لنا تلك الوحدة العضوية الموجودة في هذا الكون الشاسع ، بصورة مرتبطة مع بعضها البعض.. بحيث أن كل عنصر من هذا الكون يخدم العنصر الآخر ، وبحيث تنعدم الإستقلالية من هذا الموضوع إنعداما كاملا..على عكس ما تراه النظرة الخارجية..
وعندما نغوص في أعماق أنفسنا ، تتراءى لنا تلك الوحدة العضوية أيضا والموجودة في أجسامنا وأنفسنا بشكل مماثل تماما لوحدة الكون .. مما جعل العلماء يقولون بأن الإنسان صورة مصغرة عن هذا الكون.. من حيث التشابه والتركيب والتناسق ، وعدم وجود إستقلالية لعنصر ما عن العنصر الآخر..
والإنسان بهذا المفهوم هو الكون كاملا.. وهذا ما وصل إليه علم التأمل من حقائقه الحديثة عن الكون والإنسان..
ويقول الإمام علي كرم الله وجهه:
" وفيك إنطوى العالم الأكبر[1] "
وهي العبارة التي تلخص علم التأمل من جذوره ، والذي إذا تطرقنا للكتابة عنه فلا تكفي المجلدات..
وقد كتب الإمام أبوحامد الغزالي في علم البصيرة مفاهيم عميقة ، أخذتها ألمانيا لنفسها وكونت بها المدرسة الجشتالتية ، بعد مائتي سنة ، والتي تقوم على مبدأ أسبقية الكل لأجزائه.. والكل لا يمكن إدراكه إلا بالبصيرة ، التي تمد العقل في ما بعد بإدراك الأجزاء.
وبموجب الوحدة العضوية الموجودة في الكون ..
 تعرفنا أيضا على تلك الوحدة العضوية الموجودة في جسم الإنسان ..
ومنه إلى الوحدة العضوية الموجودة في القرآن..
لما قام سيدنا سليمان بتلك المبادرة التي جاء بها بعرش بلقيس في أسرع من لمح البصر[2]، كنا قد إستبصرنا بأن الجن وقف عاجزا أمام طلب الملك سليمان ، في حين أن الذي عنده علم من الكتاب فاز بالأمر المطلوب .. الأمر الذي يستثني الجن من هذه المبادرة ويرشح الإنسان الحامل لهذا العلم لا محالة..
فما هو هذا العلم الذي يمكّن الإنسان من جلب الأشياء في سرعة الضوء مهما كان بعدها الزمني ؟
لاشك أنه علم الروح.. الذي يبدأ بمداخلة البصيرة.. لأن علم المادة يتميز بطابع حاد متمثل في معرفة العلاقات بين الظواهر لا غير .. لكنه يقف عاجزا أمام االظاهرة نفسها بحكم إعتماده على الإدراك لهذه الظاهرة عن طريق الحواس التي لها قدرة محدودة .. فلا تستطيع العين مثلا أن ترى ملكة بلقيس على بعد من الاميال.. ولا تستطيع الأذن أن تسمع في حدود  ذلك البعد أيضا..
ولا تستطيع الأقدام أن تجري مسافة ما إلا في حدود زمن ما ..
أما الروح فبإمكانها أن ترى وتسمع بالرغم من آلاف الأميال ..
إنك عندما تبدأ في ملاحظة الأشياء ملاحظة خارجية ، تعقبها ملاحظة داخلية ، تتوصل كما قلنا سابقا من تجريد الشيء من الشوائب التي ألتصقت به ، أي أصبحت ترى روح الشيء لا مادته .. ثم تخرج من ملاحظتك الجديدة لذلك الشيء إلى إعدامه تماما بحيث يصبح أمامك الفراغ المطلق .. وحالما وصلت لذلك الفراغ فأنت عندئذ بمعية الله ..
 ولذلك يقول الرسول (ص) :
" تأمل ساعة خير من عبادة سبعين سنة "
والبصيرة تحوّلك من ذلك الطابع الحيواني ، إلى الطابع الإنساني الحقيقي الذي هو خليفة الله في أرضه ، والذي يرى الأشياء على حقيقتها بمنظار إلاهي لا بالمنظار الذي صنعه الغير له... أي أنها عملية تحوّل من الخارج إلى الداخل وصولا إلى الجوهر الحقيقي لذات الإنسان.
وحالما يبدأ الإنسان في التعامل مع الواقع عن طريق إعدام الفكر وتزكية البصيرة ، فإنه يرى الأحكام التي ينص بها العقل كما لوكانت سرابا يحسبه الضمآن ماء.. فيصبح يرى العالم على الحقيقة التي جاء بها.



[1] - من كتاب نهج البلاغة
[2] - سورة النمل

حفظ القرآن من التحريف



                                      

القرآن هو المصدر الأول للعلم.. ومن أجل ذلك توعد الله بحفظه وسلامته من التحريف عبر الدهور والأزمنة ، بحيث يكون صالحا لكل زمان ومكان.
فما هي الإجراءات والتقنيات والطرق والأساليب التي أدرجها الله من أجل حفظ و سلامة هذا القرآن ؟
إن القرآن بطبيعة الحال يتكون من الجوهر والعرض.
الجوهر هو الآية كما هي وكما نزلت على النبي محمد (ص) بواسطة الوحي.
العرض هو إعطاء مفهوم الآية وتفسيرها.. وقد يكون هذا التفسير صحيحا أو خاطئا حسب قدرة علماء التفسير في ذلك.. وحسب الزمان والمكان الذي تواجد فيه هذا التفسير. وفي حالة ما إذا كان هذا التفسير خاطئا أو يظهر عليه خلل منطقي لا يساعد على الإدراك الحقيقي للمفهوم.. فإن الله سبحانه وتعالى أدرج مجموعة كبيرة من الطرق تمنع الإنحراف عن المفهوم الحقيقي ومفهوم المعنى الذي جاءت به الآية.
ومن بين هذه الإجراءات ما يلي :
- 1/الطرح المكرر للآيات (تقنية توزيع المفهوم على مجموعة من السور) :
فقد جاء الطرح لأي مفهوم في القرآن الكريم بصورة مكررة في مجموعة من الآيات وعبر مجموعة من السور المتفرقة.. فلو إنحرف التفسير عن المفهوم على مستوى الآية في سورة ما.. فإن هذا الإنحراف لن يكمل مسيرته على مستوى الآيات المطروحة في السور الأخرى..
فقد جاءت هذه الآيات وكأنها تحرس بعضها من الإنحراف على المسار الصحيح .
فلو تناولنا مفهوم السحر في القرآن الكريم ، نجده قد نزل في ثلاثة وستين آية توزعت عبر السور الأخرى في شكل شجرة سمتها العلماء بشجرة القرآن[1] وكل واحدة من هذه الآيات تشرح الآية التي سبقتها وتمهد لما بعدها.
فقد نجد آية السحر على مستوى سورة البقرة :
" واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان.......................خلاق"
وقد نذهب في تفسيرها إلى أن الساحر يتفق مع الشيطان ويتحالف معه عن طريق القيام بأعمال محرمة تحوي مخالف الشرع في مضمونها ، مقابل مساعدة الشيطان له في التأثير على الطبيعة وما عليها..
غير أن الآية السابقة لها أو اللاحقة ،  تنفي مشروعية هذا التفسير من الوجهة المنطقية الصادرة عن القرآن الكريم.. حيث أن الآية نفسها تشير إلى أن الشياطين تعلم الناس السحر ولم تشر إلى هذا الإتفاق إطلاقا.. لأن المعنى المرادف لكلمة تعلم ليست يتفق.
وتكررت كلمة التعليم خمسة مرات في نفس الآية كدلالة على التأكيد ومنع تحريف المعنى ، وذلك في ما يلي :
" وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)
كما أننا نعلم مما علمنا القرآن الكريم أن الشيطان يسقط الإنسان في الزلل.. وما أن يسقطه في هذا الزلل حتى يلتفت إليه قائلا :
" إني بريء منك "
فهو يهرب منه ولا يتفق معه طبقا لما جاءت به الآية الكريمة..
فبراءة الشيطان من الإنسان تنفي إتفاقه معه..
ومن جهة أخرى ، فإن الآيات السابقة واللاحقة ، تشير إلى أن السحر عبارة عن عملية خداع بصري يتم عن طريق عدم الإدراك السليم للواقع ممثلا في عملية التخيل مصداقا للآية الكريمة :
" فإذا حبالهم وعصيهم يخـيّـل إليه من سحرهم أنها تسعى "
وجاءت الآية الأخرى لتخبرنا على أن السحر عبارة عن عملية هلوسة بصرية تحدث للناظرين :
" فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم "
فهذه الآية قامت بحراسة الآية الأولى.. حيث أن هذه الأولى تفسر باتفاقية الساحر مع الشيطان.. في حين أن الثانية تفسر بحدوث هلوسة بصرية تمت عن طريق التخيلات التي تمثلت في الإدراك الغير سليم للواقع..
مع العلم أن هذه الهلوسة البصرية يمكن إحداثها عن طريق التنويم المغناطيسي بصورة واضحة ، وملموسة ، ولا علاقة لذلك بالشيطان على الإطلاق ، ولا علاقة لها بهذا الإتفاق الخيالي الغير مشروع من الوجهة القرآنية ..
وكذلك الأمر بالنسبة للفكرة الطارحة للخوف الذي حدث لسيدنا موسى عليه السلام حينما واجه سحرة فرعون.. إذ يقول سبحانه عز وجل :
" فأوجس في نفسه خيفة "
فهي تكررت من أجل حفظ وحماية الآية :
" موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى "
وهي أيضا تكررت من أجل تأكيد وحماية الآية:
" ياموسى إني لا يخاف لدي المرسلون "
  والتكرار بين الآيتين :
" وقال موسى ما جئتم به السحر "
و
" إنما صنعوا كيد ساحر "
فلو إنحرف أحدهم عن المعنى المندرج في الآية الأولى ، فإنه عبثا يفعل مع الآية الثانية أو الثالثة أو..
و ما من آية جاءت في القرآن إلا وآلية التكرار تطبعها في نفس السورة أو في السور الأخرى.. 
- 2/ تقنية توظيف الكلمات في مكانها المناسب:
فقد وضعت في القرآن الكريم كلمات علمية بلاغية ، في مكانها المناسب ، بحيث لا يمكن إستبدالها بكلمات أخرى.. وبحيث تعطي المفهوم الحقيقي للمعنى بدقة لا متناهية ..
فعندما أراد الله مثلا أن يخبرنا في أن جسم النمل يتكون من زجاج ، جاءت الآية موظفة كلمة التحطيم الذي لا يمكنه أن يعبّر إلا على الأشياء السهلة الكسر مثل الزجاج، مصداقا للآية :
" قالت نملة يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون "[2]
كذلك عندما ندوس بيوت النمل بأقدامنا كما قد تفعل جنود سليمان عليه السلام ، فإنه لا يمكننا إستعمال كلمة أخرى بدلا من كلمة " يحطمنكم " مهما بلغ إستعدادنا اللغوي والبلاغي ..
وفعلا فقد ذهب بعضهم إلى القول بأن النملة التي تكلمت مع النبي سليمان عليه السلام ، ليست نملة كما قد نعتقد .. وإنما هي إمرأة تسمى بالنملة وتسكن بواد يسمى بواد النمل.. لكن كلمة التحطيم تقف ضد هذا التفسير وقوفا صارما.
ولما أراد الله أن يخبرنا بأن مخابرات النبي سليمان عليه السلام هي من الطيور فإنه إستعمل الكلمات التي تدل على الطير الممثل في الهدهد كما جاء في الآية :
" .. فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين "
و الإحاطة تدل على دوران الطير في السماء ..
وحتى التكرار كان واضحا في الكلمتين :
.. احطت.. تحط به..
فكلمة " تحط به " جاءت تأكيدا لكلمة " أحطت " و حارسة لها.
وكذلك في نفس السورة :
" ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبأ في السماوات والأرض .. "
لأن الطير ما يهمه إلا ما هو تحت التراب وما تحت الثرى ..
وهو ما يعطي دلالة قاطعة في أن الهدهد الذي تكلمت عليه الآية هو من الطير وليس شيء آخر كما جاءت به بعض التفسيرات الأخرى التي لم تنتبه إلى الإعجاز البلاغي والعلمي في القرآن الكريم ..
فقد قال بعض المفسرين بأن الطير الذي تكلم مع النبي سليمان هو إنسان يسمى بالهدهد والذي كان يستعمله هذا النبي في مخابراته العسكرية.. لكن الكلمات البلاغية التي جاءت في هذا المضمار تنفي هذا التفسير نفيا قاطعا..
وعندما طلب الله من موسى التوجه إلى فرعون ، دعاه موسى أن يجعل له وزيرا من أهله ممثلا في أخيه هارون .. وهذا إنما يدل على إصابة موسى بعقدة الدونية حيث يرى الإنسان نفسه دون غيره من الناس.. مما يعرضه إلى عدم القدرة على مواجهة هؤلاء الناس ، وهذا طبعا ناتج عن السلوك التربوي الذي مر به موسى إبان طفولته .. وهو نفس السبب في مناداة الله له :
" موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى "
وكلمة الأعلى هي الكلمة الوحيدة التي تعبر عن عكس الدونية..
ولما أراد الله أن يخبرنا عن يوم البعث إستعمل كلمة " زرتم " في الآية :
" ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر.."
ليدلنا أن عملية الدفن ما هي إلا زيارة مؤقتة للمقبرة ، لأنه سوف يحيا الإنسان من جديد يوم البعث..
وهناك أمثلة كثيرة في هذا الصدد.. ولا يمكننا إدراجها كلها.
-3/ تقنية الإزدواجية في المعنى :
وهكذا إستخلصنا بأن كل كلمة في القرآن جاءت في مكانها المناسب ، دون القدرة على إستبدالها بغيرها .. وهذا الطرح ياتي كذلك بصورة إزدواجية للمعنى أي يكون معنى الآية مزدوجا في مفهومين يكمل أحدهما الآخر دون أن يضاده ..
يكون المعنى الأول ظاهريا ، بحيث يمكن فهمه دون جهد أو عناء..
ويكون المعنى الثاني باطنيا ويتم إستخلاصه بعد إستخدام الآليات المنطقية التي أشار إليها القرآن الكريم..
وعلى سبيل المثال ، في ما جاء في سورة يوسف عن طريق الآية :
" إذ قال لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين "  
فالمعنى الظاهري يشير إلى أن سيدنا يوسف عليه السلام رأى عددا معلوما من الكواكب والشمس والقمر في حالة سجود له.
أما المعنى الباطني فيشير إلى مفهوم أعمق.. ويذهب هذا المفهوم إلى الإمكانيات اللغوية التي كان إنسان ما قبل التاريخ يستعملها في التواصل مع غيره من البشر.. إنها أول لغة عرفها الإنسان على وجه الأرض وهي اللغة الرمزية.
فكان الإنسان يعبر عن الإخوة بالكواكب في رسالته إلى الغير.. والشمس والقمر بالأبوين .. والشجرة بالحياة أو الموت.. والأزهار بالفرحة أو العرس.. و..
وهذه اللغة سكنت في العقل الباطني لدى الإنسان وتوارثتها الأجيال جيلا بعد جيل لآلاف السنوات.. وأصبحت تظهر في أحلام الإنسان .. ولذلك يقول سبحانه عز وجل :
" وعلم آدم الأسماء كلها "
والأسماء هي اللغات التي بإمكان الإنسان أن يستعملها إضافة إلى العلوم التي علمها الله لسيدنا آدم عليه السلام[3].
وإذا غصنا في الموضوع أكثر فأكثر ، نجد أن الله يعلمنا علم الوراثة عن طريق النظرة الباطنية للآية .
وهناك آلاف المفاهيم من وراء الآية المذكورة والتي يتم إستخلاصها بالإستبطان والذي نادى به أهل الصوفية.
كما نجد أن كل آية في القرآن تؤدي معناها الأدبي كما يراها أهل التفسير الظاهري .. لكنها في واقع الأمر تؤدي معناها العلمي على أدق وجه.. وهو ما يعطيها إزدواجية المعنى ومما يجعل التحريف أيضا أمرا مستحيلا.. 
-         4/ تقنية التعزيز
ونقصد بذلك إحاطة الآية بكلمة تمنع هذه الآية من الإستسلام إلى التحريف عن المسار الصحيح في المعنى.. ثم إحاطة هذه الكلمة بكلمة أخرى تعمل على سلامة وحفظ الكلمة الأولى..
وكمثال على ذلك ، نتوجه إلى الآية :
" ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا يحزنون "
فقد كان سبحانه عز وجل يعلم الحالة التي سوف يتعرض لها أولياءه الصالحين من إنتقادات جارحة.. وضربات مبرحة.. فحفظهم بمؤكدين إثنين[4].. يتمثل الأول منهما في المؤكد "..ألا.." ويتمثل الثاني في المؤكد ".. إن.." .
فقد أكد الله الخبر بالمؤكدين ليقوم أحدها بحراسة وتأكيد الآخر..
فالمؤكد الثاني "..إن.." يقوم بتقديم وتأكيد المفهوم الكامل لأولياء الله الصالحين على هذه الصورة :
" .. إن أولياء الله الصالحين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "
ثم يأتي المؤكد الثاني من أجل تأكيد وحراسة الأول بهذه الصورة :
" ألا إن أولياء الله الصاحين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "
وبصورة عامة ، فإنه إذا تكلمنا عن الإجراءات والأساليب التي إستخدمها الله في محاربة التحريف لآياته وحفطها بالحفظ الذي توعد به في الآية :
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "
فإنه لا تكفينا هذه الصفحات القليلة ، اللهم إلا في طرحها عبر مجلد كامل في مجموعة كبرى من الأجزاء.. وإنما ليعلم القارئ بأن في حالة إصدار حكم ما أو تفسير لآية من الآيات ينبغي الرجوع إلى الآيات المرافقة لها في نفس المقام نتيجة للترابط الموجود بينها.. والرجوع للكلمات الطارحة للمعنى.. بحيث تنتهي عملية الشرح بخيط واحد يربط مفهوم كل هذه الآيات بمفهوم واحد وموحّد لا يظهر عليه خلل في الإدراك السليم لهذا المفهوم.

                                                ر.م
            



[1] - الشيخ محمد الغزالي رحمه الله
[2] - سورة النمل
[3] - هذا الموضوع طويل جدا ولا يمكن الكلام عنه في عدد قليل من الصفات.. وسنتكلم عنه بالتفصيل في كتاب بإطن الله.
[4] - الإمام الجرجاني

الأحد، 5 أبريل 2015

الحظرة عند أهل التصوف



                                       
يقوم أهل " الحظرة " بطقوس يتم فيها إعلاء ذكر الله والصلاة على نبيه ، وبعض المدائح الدينية ، بطرق فنية رائعة يتم فيها القيام بحركات تشبه الرقص في مضمونها .. لساعات طوال وفي مناسبات معينة كمناسبة المولد النبوي الشريف...
وهذه الطقوس التي يقومون بها ، تعتمد على مفاهيم علمية أورتوفونية عميقة المفهوم.. ولا يمكنها إلا أن تكون مستمدة من القرآن الكريم ، الذي يشرح الجهاز الصوتي والمفهوم الأورطوفوني شرحا دقيقا لا يمكن فهمه إلا من وراء المفهوم الباطني للقرآن الذي ظل ولا يزال مختفيا بألف غطاء..
فالاصوات تنطلق من الجهاز الصوتي وفقا لمفاهيم أورتوفونية دقيقة طرحت في القرآن في شكلها الباطني شكلا واضحا..
فهناك الصوت الذي ينطلق من الصدر وهو ما يسمى في الأورطوفونيا بالأصوات أو الحروف الصدرية..
وهناك الأصوات التي تنطلق من الحنجرة وتسمى بالأصوات الحلقية..
ومن الأصوات من تنطلق من داخل تجويف الفم وتسمى بالأصوات اللثوية..
ومنه أخيرا ما ينطلق من إنطباق الشفتين بصورة ساكنة وتسمى بالأصوات الشفوية..
والتدريب على القيام بهذه الأصوات يتطلب دراية ومهارة عالية ويأخذ وقتا طويلا قد يستغرق عدة شهور أو سنوات.. خصوصا وأن إصدار هذه الأصوات لابد وأن يتناسب مع الحركات التي يقوم بها الجسم الشبيهة بالرقص ، كدلالة على ما يوجد بين الجسم والعقل من علاقة موحدة .. وحتى هذه الحركات التي يقوم بها الجسم في شكلها المتناسب مع الموجات الصوتية المنطلقة وفقا لقواعد أورتوفونية ليس من السهل على القيام بها إلا بعد تدريب طويل وشاق..
 وعلاوة على ذلك فهي لا تنطق بغير ذكر الله والصلاة على رسوله.. مقابل أن غير المسلمين الذين يقومون بها في الخارج ، كالولايات المتحدة والهند والصين ... يقومون بإصدار أصوات تشبه عواء الذئاب ، ومواء القطط ، ونباح الكلاب و.. ولكن وفقا لقواعدها العلمية الأورطوفونية..
لكن أهل الصوفية ، وبدلا من إستعمالهم لهذه الأصوات المقلدة للحيوانات .. إستعملوا ذكر الله والصلاة على نبيه ، لتكون نتيجة الحظرة عميقة المفهوم .. فقد ينطلق صوت الله من حناجر المؤمنين الذين إستمدوا تعاليمهم من كتاب الله لا غير .. بشكل فني هادف لاستجلاء ما وراء الحس البشري ..
والعلم الحديث يثبت أن القيام بهذه الأصوات في شكلها المضبوط علميا ، والمتناسبة مع الحركات التي يقوم بها الجسم كما لو كان يوحي بازدواجية الجسم والروح.. أو بالأحرى القيام بهذه الأعمال الفنية الرائعة والمعقدة إنما له جانب علاجي عميق لمختلف الإعراض التي تطرأ على الحنجرة والصدر بما فيها الأورام السرطانية .. وهو ما يسمى بتنظيف الحنجرة[1]..
فالأعراض التي تظهر على مستوى الحنجرة عموما لها سابق الإستعداد للإصابة بهذه الأعراض ، منذ الطفولة الأولى لدى الإنسان.. بمعنى أن الطفل الذي يشعر أثناء طفولته بوجود حقوق مهضومة من طرف الوالدين ، خاصة الإناث حينما يشعرن بالظلم والحرمان ، والشعور بتفضيل الذكور ربما على الإناث بصورة مبالغ فيها ، والشعور بالإهمال.. مع شعوره أيضا بعدم قدرته على مواجهة الأبوين في هذا الموضوع نتيجة للخوف من جهة ، ومن جهة أخرى بسبب الحاجز المقدس الذي يمنعه من المواجهة ، مما يجعل هذا الطفل يكبت هذه المشاعر ويسقطها في المجال اللاشعوري ..
والإضطراب في هذه الحالة عند الظروف المواتية لذلك يذهب إلى مركز التعبير بما فيه من إضطرابات في الحنجرة لا ينفع معها الدواء شيئا..عدا العلاجات النفسية قد تكون تمارين تنظيف الحنجرة في مقدمتها النهائية والحظرة هي الشكل الأسمى من هذه المقدمة.. 
فكيف إستطاع أهل الصوفية من الإطلاع على هذا السر العظيم إن لم تكن الحالة التي يسمونها بالمكاشفة الباطنية ؟
إن العلم الحديث وفي مقدمته القرآن يقوم على إعتبار أن جميع الأمراض النفسية والجسدية والروحية على إختلاف أنواعها إنما ترجع إلى الإستعداد للإصابة بهذه الأمراض.. وما دور الميكروب أو الفيروس إلا دور متأخر من العملية حيث يجد منطقة الإستعداد جاهزة.. والقضاء على هذا الإستعداد يتم بمواصفات روحية والحضرة في مقدمتها..
ويرى بعضهم أن هذه بدعة.. في أننا لا نعلم أبدا أن السنة تتعارض مع العلم أو الطب إطلاقا.. بل أن مصدر العلم والطب هو السنة النبوية الشريفة ..
إنه ليس من السهل أبدا أن نحلل أو نحرم..
وليس من السهل أن نحكم بالظلالة وغير الظلالة ..
 والبدعة وغير البدعة ..
 بل أن الأمر يتطلب دراية واسعة حينما نحكم على الموضوع بمنهجية كاملة ومن جميع الجوانب ، بحيث يكون الجواب عبارة عن خيط متماسك الحلقات ولا تناقض فيه..
وعلى سبيل المثال ، حينما نريد مناقشة أية فكرة .. يجب مراعاة المنهج الطارح للفكرة والمعالج لها بكل حذر ، لكي لا نمس الجانب المنطقي فيه.. وعند ذلك يترتب علينا طرح الموضوع من جوانب مختلفة ، ومن زوايا معينة ..
فهل نناقش الفكرة من الجانب الأيديولوجي ؟
أم من الجانب الأنتربولوجي ؟
أم من الجانب السايكولوجي ؟
أم من الجانب السوسيولوجي ؟
أم الجانب البيولوجي ؟
 ام الفيزيولوجي ؟
 أم المورفولوجي ؟
أم.....؟
 والنتيجة التي نتوصل إليها من وراء حكم ما ، يجب أن تكون نفس النتيجة التي نتوصل إليها من وراء الحكم الآخر.. وتلك هي السنة النبوية في معناها الحقيقي.. لأن السنة هي تلك الأحكام العامة التي جاء بها الرسول ، وليست الأحكام المتعلقة بالجانب الشرعي فقط .. وهي ذلك العلم الكامل والمتكامل مع جميع الفروع العلمية والتي تتماشى جنبا إلى جنب مع السنة.. وإن حدث تناقض فالرسول بريء مما يقولون..
وعليه فالحظرة هي جسم ذو وجهين ، الوجه الأول منها يكشف عن مفاهيم علمية دقيقة تستوفي الإنسان الخلاص من أعراض مرضية تعجز العقاقير عن علاجها..
والوجه الثاني منها يفتح حلقة للذكر والمذاكرة لأسماء الله والصلاة على نبيه..
والظاهرة العلمية تفتح دائما ثغرة واسعة للنقاش..
فيراها البعض من الزاوية العلمية.. بينما يراها البعض الآخر في أنها إما سحر أو بدعة أو ضلالة..
ولا يمكن لكلام الله في أي مجلس كان أن يكون بدعة.. طبقا لحديث النبي (ص) :
 " ما من مجلس علم إلا وحافته الملائكة" .
 وفي حديث آخر :
 " إن الشيطان لا يدخل بيتا ذكر فيه بسم الله الرحمن الرحيم "..
وفي الحظرة لا يوجد إلا ذكر الله والصلاة على نبيه ، والمدائح النبوية.. أو مدائح تتعلق بأولياء الله الصالحين.




[1] - سوف تجدون هذا الموضوع بالتفصيل في الصفحات الخاصة بالتأمل

أرجع وعد من حيث أتيت





دخل العصر الحديث بآلياته الجديدة.. مصحوبا بالسرعة.. واضطرابات نفسية ، وجسدية ، لا عهد للإنسان بها ، فعكرت صفو حياته ، وفقد عنصر الإطمئنان والثقة بالنفس ، وأصبح يتخبط في الشعور بعدم الإستقرار ، والمعاناة من الإكتئاب ..والقلق والخوف.. يستوي نهاره وليله في آن واحد.. دون تشخيص ، ولا دواء..
ولا يجهل أحدنا أن الطب وقف عاجزا أمام إنبثاق أمراض لم يتمكن الأطباء من السيطرة عليها ، وراحت تفتك بالأجساد البشرية وصولا بها لدرجة الفناء.. كما لا يجهل أن هذه الأمراض- سواء كانت جسدية أم نفسية- إنما هي حديثة العهد ولم يعرفها الإنسان من قبل بالشكل الذي هي عليه الآن .. وقد جاءت متزامنة مع دخول هذا العصر الذي تميز بما هو جديد على الساحة العقلية والمعرفية والصحية للإنسان ..
وما منا إلا من يقف حائرا يتساءل.. لماذا إنقلبت الدنيا إلى هذا الحد ؟..
لماذا إنعدمت اللذة في كل شيء ، وحل الألم محلها ؟
لماذا إختفت الأحاسيس الإيجابية وحلت الأحاسيس السلبية بدلها ؟
ما السبب في ظهور هذه الإضطرابات المخيفة ؟
والجواب على ذلك يظهر بعد وقفة طويلة في التأمل..
سوف نكتشف بعد هذه الوقفة بأننا أصبحنا نتعامل مع الحياة الحالية بعكس معاملتنا لها في الماضي.. فتغيرنا بتغير الأحداث العصرية .. وأصبحنا كالريشة التي يحملها الريح إلى حيث ما يشاء ويريد..
واهتزت مشاعرنا باهتزاز ضربات هذا العصر.. وسافرنا معه سفرا طويلا دون أن ندري إلى أين سوف يصل بنا..
قضينا سفرا طويلا وشاقا.. وذهبنا إلى أبعد الحدود..
لقد سافرنا بعيدا عن أنفسنا بمسافة تقدر بآلاف أو ملايين الأميال عبر سنوات طويلة..
وعشنا غرباء..
لقد فارقنا جوهرنا الحقيقي النفسي..وتركنا فطرتنا التي ولدت معنا.. وأصبحنا نترامى بين أحضان المهدءات العصبية.. والمسكنات.. والأدوية السامة..
لقد تركنا الأدوية الحقيقية الموجودة في أنفسنا.. التي ولدت معنا..الفطرة الإلهية..الطبيعة الحسناء..واستبدلنا كل ذلك بعكسه تماما..
لقد تركنا أنفسنا..وأهلنا..وأصدقاءنا .. وجيراننا .. منذ طفولتنا ورحلنا مع تيار العصر إلى حيث لا ندري..
تركنا راحة البال والضمير.. وتركنا الجذور الحقيقية للحياة.. ورحنا نبحث عن الأغصان والفروع..
تركنا القشور والجذور واللباب التي هي من صنع الطبيعة..واستبدلناها بمصنوعات الإنسان..
هربنا من الجوهر الميتافيزيقي الموجود في أنفسنا .. وتركناه بعيدا عنا..
والحل يكمن في العودة.. والرجوع إلى أنفسنا..وإلى الجذور الحقيقية والحياة الطبيعية..
إنه يكمن في الرجوع إلى الحقيقة.. وإلى الذات الحقيقية و الفطرة الربانية في الإنسان..
وإني لأوجه ندائي إلى كل قارئ..
قف حيث ما كنت.. وتذكر طفولتك.. وكيف إختفت..
تذكر مجالس الحب والعطف والحنان التي كانت متداولة بين الناس ، وكيف ذهبت وتوارت إلى غير رجعة..
تذكر أن الحب والعطف والحنان حلت محله مشاعر العدوان الفتاكة..
روح التعاون ورحمة الضعيف والمستضعفين في الأرض ظهرت بمظهر قاتل وخداع..
الصدق والإخلاص والوفاء ، حل محله الكذب والنفاق والخداع والرياء..
مجالس البحث والعلم والمناقشات العلمية تغيرت إلى مجالس للنميمة وقول الزور..
رعاية اليتيم وحمايته تحولت إلى الطمع في ماله أو إستعباده..
التحلي بالمبادئ السامية والقيم الأخلاقية تغير إلى التحلي بالدينار والدولار.. ولا قيمة لمن لا يكتسب..
إلى أين أنت ذاهب إذن ؟
أرجع من حيث أتيت..
أمسك بأي مركوب تصادفه واركب..
قل لدنيا الغربة وداعا..
أرجع وعد إلى نفسك..
إرتم في أحضان الطبيعة الهادئة.. وتمتع بصفوها وجمالها وسكونها..
تمتع بجمال الأزهار.. واخضرار النباتات.. وزقزقة العصافير..وضوء الشمس.. وأشعة الكون الفاتنة التي لا راد لها ولا مانع ولا منازع..
يكفيك ما قاسيته من عناء سفرك الطويل..
أترك آليات العصر جانبا..
أترك المتاعب ، والآلام.. والإضطرابات النفسية بعيدا عنك.. وعد إلى نفسك فتمتعها بجمال ما فوقه جمال..
إنه جمال الطبيعة بسكونها وهدوئها .. بأزهارها ونباتاتها.. وفراشاتها وعصافيرها..
عد إلى نفسك لتعود نفسك إليك..أرجع دون تأخر.. وتذكر قوله عز وجل :
" .. يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي.."
عندما تبدأ في الرجوع إلى نفسك.. فإن نفسك تعود إليك.. وتفترق تماما مع جميع الإضطرابات النفسية باختلاف أنواعها..
إن هذا الرجوع عبارة عن عملية إنعكاس للطبيعة على الذات..
أتدري ما هذا الإنعكاس ؟
إنه التأمل..

السبت، 4 أبريل 2015

طريقـة القبـض والبسـط



طريقـة القبـض والبسـط

لقد دخل علينا هذا العصر مليئا بالمشاكل.. والإضطراب والتوتر.. والقلق والخوف..
عصر تميز بالسرعة الرهيبة .. وما يرافقها من آلام نفسية نتيجة لعدم الشعور بالإستقرار.. وعدم الشعور بالإطمئنان.. وظهر بموجب ذلك ما يسمى بأمراض الشدة..
والمهم ماذا نعمل عندما نصطدم بهذا النوع من الإضطراب ؟
إستلق على ظهرك وعلى فراش وثير.. بثياب واسعة.. في غرفة شبه مظلمة..
أغلق عينيك دون الضغط عليهما.. إسترخ قدر الإمكان وتنفس بهدوء وببطء كبير لمدة دقيقة أو دقيقتين .. أترك ذراعيك ممدودتين على جانبي جسمك.. أغلق يدك اليمنى بشدة واضغط عليها قدر الإمكان لدرجة الإحساس بالتعب والإجهاد والتوتر في الأصابع..
ثم إبدأ بالحساب بهدوء وبطء كبير من 1إلى 50 بحيث تقوم في نفس الوقت بفتح أصابع يدك بهدوء وبطء أيضا وبحيث يكون العد متناسبا مع الفتح ، فيكون العدد 50 قد إنتهى مع آخر خطوة في فتح الأصابع..
خذ نفسا عميقا 5 مرات..
كرر نفس التمرين على يدك اليسرى وبنفس المواصفات السابقة..
خذ نفسا عميقا 5 مرات..
كرر نفس التمرين عل اليدين مع بعض لكي يحدث الإتزان النفسي ..
خذ نفسا عميقا 5 مرات..
وبعد القيام من مكانك ستشعر بارتياح نفسي غريب لم تشعر به من قبل..
ستشعر بنشوة البهجة والسعادة طوال اليوم.. دونما حاجة للمهدئات العصبية..
هذه الطريقة من الأمور المجربة مئات المرات وناجحة في كل الإضطرابات النفسية المصحوبة بالقلق والخوف وعدم القدرة على التركيز والإستقرار.. خصوصا أيام الإمتحانات

                                                                         ر. م