اعلان

الأحد، 17 مايو 2015

ميكانيزم التطابق بين المعتقد والإستماع



ميكانيزم التطابق بين المعتقد والإستماع

آخر ما وصل إليه التنويم المغناطيسي ، هوتلك التجربة التي يقوم فيها الطبيب المنوم  ، أو الطبيب الإيحائي .. حيث يقوم بتمديد المريض على طاولة أو أريكة العلاج ، ويضع طاولة أخرى على بعد خمسة أمتار منه وعليها ورقة وقلم .
وبعد أن ينوّم الطبيب ذلك الشخض لدرجة السبات[1] .. يبدأ في مخاطبة عقله الباطني فيأمره بكتابة عبارة معينة على تلك الورقة الموضوعة على الطاولة..
وعند ذلك تحدث المعجزة ، إذ ينتصب القلم فوق الورقة ، ويكتب العبارة المطلوبة ثم يعود إلى وضعه الأول.
وغريب ما في الأمر ، أن القلم يكتب هذه العبارة ، بنفس الأسلوب الذي يكتب به الشخص الواقع تحت تأثير التنويم المغناطيسي ، وبنفس الخط ، ونفس الغلطات الإملائية إن وجدت ...
إن هذا يدفع إلى التأكد من أن الذي كتب هذه العبارة هو نفس الشخص لا غيره.. وقد تمت هذه الكتابة بمواصفات دقيقة جدا..
وقد ينحرف فكر الإنسان المشاهد أو المستمع في الحكم على هذه الظاهرة ، ويعمد كما هو شائع ، إلى التفسير السحري والشيطاني للظواهر العلمية ، ويقول بوساطة الجن فيها ، حيث يقوم هذا الجن حسب زعمهم بتنفيذ أمر المنوّم دون أي إتفاق مسبق بينهما[2] ، فيمسك القلم ليكتب ما أمر به على الورقة المطلوبة ..
غير أن تفسير الظواهر العلمية بالرجوع إلى الشيطان والجن والسحر هو مبادرة الشخص الفاشل في تقديم تفسير علمي للظاهرة ، نتيجة لعدم خضوعه للملموسية والشفافية والوضوح ، إذ يبقى الجواب يدور دائما في الإطار النظري المدعم بالدجل ..
وهو ما يماثل قصة الساعة الدقاقة التي قام بصنعها العرب أيام مجدهم العلمي والحظاري في عهد الأمين والمأمون ، حيث ظنها المرسل إليه بأن داخلها شياطين .
ونحن نعلم من جهة أخرى بان الشيطان لا يكتب البسملة على الإطلاق ، وذلك لأنها آية الإيمان ، وإن كتبها فإنه يشهد على نفسه بهذا الإيمان .
ومع ذلك فإن القلم يكتبها دون تردد ..
لأن فكر الإنسان شيء.. والواقع الذي حول هذا الإنسان شيء آخر..
وسيرد بعضهم بأن الذي كتب هذه المرة ، هو من الجن المسلمين الذين يكتبون آية الإيمان
دون خوف أو وجل..
وهذا معناه حسب معتقدهم ، أن الساحر يتفق مع الجن الغير مسلم على أداء أعمال محرمة مقابل مساعدة هذا الشيطان له في أعماله السحرية..
كما يتفق مع الجن المسلم بنفس الشروط أيضا .. حيث أن الجن المسلم يأمر الساحر بالقيام بأعمال محرمة مقابل رخصة مساعدته ، وهو وجه التناقض من المسألة ..
إلا إذا عدّل هؤلاء من معتقدهم.. حيث ينسبون الأعمال السحرية التي يقوم بها الساحر إلى تعامله مع الجن الغير مسلم الذي يأمره بالقيام بأعمال كفرية مقابل مساعدته له..
 بينما يتعامل هذا الساحر مع الجن المسلم بشروط أخرى ، حيث يأمره بالإلتزام بشرع الله وعدم مخالفته لحكمه ، مقابل مساعدته له..
وإن سلمنا بهذا المعتقد الجديد ، فإن هذا يرفع الظلم وضربات الجلاد عن القرآن وحملته الذين تعرضوا للإهانة باتهامهم بمعاملتهم مع الشيطان ، دون أي دليل ملموس سوى عن فلان يسمع عن فلان ..
وسوف لن يجد السحر مكانا أمام معطيات العصر الحديث والتي أصبحت تلوح براية العلم والتكنولوجيا التي ضربت صميم المعرفة لدى الإنسان..
وإذا رجعنا للتجربة السابقة نجد أن هذا المنوم لا يعرف شيئا عن الدجل ..
فهو لديه تقنيات معينة في التنويم ، يقوم بها عن خبرة وتجربة تمكنه من الوصول إلى التخاطب مع العقل الباطني لدى الإنسان..
ويرجع بعضهم الأمر إلى ما يسمى بالقرين ، مستندين في ذلك إلى بعض الآيات في القرآن الكريم ..
على أننا نشير إلى القارئ ، بأن هذه الآيات تتكلم عن وجود القرين ، بينما لم تتكلم عما يعمله هذا القرين.. حيث أن وجود القرين شيء.. والعمل الذي يقوم به هذا القرين شيء آخر.. تماما مثل مسألة المس الجني..
فهناك آيات في القرآن الكريم ، تكلمت عن الجن وخلقهم ، لكنها لم تتكلم عن مسهم لبني البشر..
فالإنتقال اللامنطقي من الخلق إلى المس هو إنتقال غير مشروع ..
وأهل الرقيا يقومون بقراءة هذه الآيات على المريض المصاب بالمس الجني حسب زعمهم ، والتي تتكلم عن وجود الجن ، فينخدع المريض في أن هذه الآيات تتكلم عن مس الجني له ..
وقد يشفى فعلا بموجب هذا الإعتقاد ، لكنه شفاء مؤقت ، حيث تعود الأعراص من جديد إلى الظهور بعد فترة قد تطول أو تقصر.. كما حدث ذلك آلاف المرات.
وقد ينخدع المريض في أن المس الجني أعاد كرته من جديد ، عوضا أن يتيقن ويعترف بأن التشخيص الأول كان خاطئا من أصله..
وعودة الأعراض في هذه المرة تكون أشد وطأة من الأعراض الأولى ، لأن العقل الباطني لدى الإنسان ينتبه إلى الخدعة التي تعرض لها من وراء المغالطة بالرقيا ، فيقوم بتعزيز قوته عن طريق شدة وحدّة الأعراض.. ولا دخل للجن في ذلك على الإطلاق.
وهو ما يحدث أيضا في مسألة السحر ، حيث يكون المريض لديه الرصيد الكافي من الإيمان بالتاثير السحري ، حسب ما إكتسبه من بئته التي تقوي الإعتقاد بهذا المفهوم الوهمي ، فيصبح لديه قوة الإستعداد الكامل لهذا المعتقد .. فهو بذلك يملك الارضية الصالحة لتقبل ما يقوله الراقي.. حيث تحدث مطابقة تامة بين ما يعتقده ، وبين ما يسمعه من الراقي..
 و هذه المطابقة هي التي تؤدي إلى السقوط في الغلط والأوهام والخرافات.. وفيها يقوم
الراقي بتلاوة الآيات الدالة على السحر ، فتحدث تلك المطابقة بين الإعتقاد والإستماع حيث ينخدع المريض بأنه يعاني من السحر فعلا..
ميكانيزم المطابقة يدخل ضمن المغالطات المنطقية الشائعة التي عددها إثنا عشر، والتي سوف نتطرق إليها واحدة بعد الاخرى بالتفصيل المقنع ليتمكن القارئ من حماية نفسه من السقوط في براثن الوهم.
إن عدم الإطلاع على الإنجازات العلمية ، والإطلاع على القرآن بتركيز كبير وعالي ، والتقيد بقراءة كتب معينة دون الاخرى ، هو الذي يمهد للسقوط في مثل هذه الأوهام..
وإذا أردنا أن نقوم بتعريف دقيق لعمل الجن والشيطان والسحر والقرين .. فهو ذلك التطابق الذي يحدث بين ما يعتقده الإنسان وبين ما يسمعه من الآخرين.. 
والذي يحدث في هذه الظاهرة التي تمت عن طريق التنويم المغناطيسي هو قوة التركيز الشديدة التي يبعثها المنوم في الشخص ، حيث تنطلق قوة أثيرية أشبه بالأشعة تعمل على القيام بالظاهرة.
وقد قامت دراسات علمية حديثة أثبتت بما لا يقبل الشك في أنه لا فراغ في الكون ، وأن هذا الكون مليء بما يسمى بالموجات الأثيرية.. وأنه لكل إنسان قدر من هذه الموجات الأثيرية التي تنطلق من جسمه تحت قيادة جهازه العصبي نحو هدف أو أهداف معينة .. وربما هي ما عبر عنه القرآن الكريم في الآية الشريفة :
" أفمن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس "
فالنور الذي ذكره سبحانه وتعالى في هذه الآية ، قد يكون هو الأثير الذي تكلم عنه العلماء..
فبطبيعة الحال ، وبناء على هذا المفهوم ، بالنسبة للتجربة التي ذكرناها ، فإن الطبيب المنوم يكون قد وجه إيحاءاته للعقل الباطني للنائم والهادفة إلى الامر بمسك القلم وكتابة العبارة المطلوبة.. وعند ذلك يجد العقل الباطني نفسه مأمورا بتنفيذ ما طلب منه.. فتخرج تلك الموجات الأثيرية صوب الهدف من أجل هذا التنفيذ..
وإذا رجع القارئ إلى إنجازات الإسقاط النجمي ، يعرف الحقيقة كاملة.


[1] الدرجة الثالثة من التنويم المغناطيسي-
[2] - هذا ينفي تماما إتفاقية الساحر مع الشيطان التي يروجها بعضهم

ليست هناك تعليقات: