قصة
واقعية تكلم فيها عيسى وهو في عمر سبعة وسبعين سنة.. يخبرنا قبل موته بستة سنوات
عن تعرضه لشبح في طريقه نحو السوق..
لقد
كان عيسى فقيد الآب ، حيث تركه أبوه في سن إثنتي عشر سنة دون إخوة أو أخوات غيره
.. وليس لديه من يكفله سوى أمه التي كانت تعيش معه في كوخ قديم بإحدى القرى ..
أرسلته
أمه ذات يوم إلى السوق الذي كان يبعد عنهما بحوالي إثنتي عشر كيلومتر من أجل شراء
بعض المصاريف ..
ركب
على حمار واتجه إلى السوق ..
وفي
منتصف الطريق أثناء عودته ، رأى زوبعة رملية تدور في شكل حلزوني ، وتقترب منه في
سرعة خاطفة ، ولما وصلت عنده ، إنقشعت وظهر منها إمرأة ذات شكل غريب ..
يقول
المرحوم عيسى بأنه شعر بقشعريرة تنتابه ، وارتجاف مصحوب بالخوف الشديد.. وقد إصطكت
أسنانه من هول المنظر الذي أمامه..
كانت
إمرأة سوداء اللون ، طويلة القامة ، مفتولة العضلات ، ذات أسنان كبيرة و بارزة.. مكشوفة
الصدر ، وقد لوت بثدييها إلى الوراء على كتفيها .. في حين أنه لم يدرك جيدا اللباس
الذي كانت تلبسه من شدة التأثر والخوف..
تقدمت
المرأة الشبح نحو الحمار ومسكته من عنقه لكي تمنع تقدمه للأمام ..
ويقول
عيسى بأن الحمار أيضا كان يرتجف..
وعندئذ
قالت المرأة بصوت عال وخشن :
"
إلى أين أنت ذاهب ؟ "
رد
عيسى بصوت مذعور:
"
أنا ذاهب إلى أمي "
قالت
المرأة في حسرة :
"
لك حظ عظيم ، عندما أحسنت الجواب.. لو لم تقل بأنك ذاهب لأمك لقتلتك.."
و
همت بالإنصراف ثم عادت لتقول :
"
ألا تخبرني عن حمّام خودة أين هو ؟ "
قال
عيسى بصوت مضطرب :
"
لا.. لا أعرف "
فقالت
بكلمات تهديد :
"
لو أعرف حمّام خودة أين هو ، فسأتركه حكاية للأجيال القادمة جيلا بعد جيل "
ثم
إنصرفت متحولة إلى زوبعة رملية ، تدور بسرعة خاطفة ، حتى إختفت..
وصل
عيسى إلى أمه يرتجف من شدة الخوف .. حيث أعطته مصحفا شجعته به ، إلى جانب أنها إستطاعت
أن توهمه بأنها مجرد إمرأة تسكن في تلك النواحي ولديها إمكانيات سحرية تقوم بها..
وبعد
أن قص علينا المرحوم عيسى القصة بحوالي سنتين.. جاء بعض من الرّحل الذين يسكنون
الخيام ، ويرحلون من مكان إلى مكان طلبا لرعي ماشيتهم ، إلى الإمام الحاج بن شهرة
رحمه الله يقصون عليه خبر شبح مرّ أمام خيامهم في وضح النهار..
كان
الوقت صيفا.. بعد صلاة العصر.. خرجت جماعة من أهل الخيام ليجتمعوا في مكان واحد
أمام خيمة كبيرهم إنتظارا للقهوة التي يشربونها جماعة على عادتهم.. وإذا بزوبعة
رملية تدور بسرعة خاطفة ، وانقشعت لتظهر منها صورة لإمرأة مخيفة ، غريبة المنظر،
سوداء
اللون ، وهي نفس المواصفات التي ذكرها المرحوم عيسى..
قالت
الجماعة للإمام بأن المرأة الشبح لم يظهر عليها أي هجوم عدواني علينا ، ولا أي
حركة مخيفة ، بل فقط سألتنا عن حمّام خودة أين هو.. لكننا إلتزمنا الصمت ولم نجبها
عن شيء من شدة التأثر من شكلها الغريب ، وكأنها جاءت من عالم آخر..
لكن
الإمام لم يجبهم إلا بما يعرفه عن الشياطين التي تقوم بهذه الملابسات صد بني
البشر..
وبطبيعة
الحال كانت هذه الجماعة خائفة على أموالها من الماشية وعلى أولادها ونسائها..
فاتجهوا لرجال الدرك .
قام
رجال الدرك بمحاولة إقتفاء آثار الشبح لكن دون جدوى..
مما
أدى بهؤلاء الرحل من مغادرة المكان ..
وبعد
تحريات طويلة ، وجدنا أن المكان الذي ظهر فيه شبح الجماعة ، هو نفس المكان الذي
ظهر فيه هذا الشبح على المرحوم عيسى.. مما يدل أنه نفس الشبح أيضا..
وتعاقبت
الأخبار بما يزيد عن عشرة قصص ، روت عن ظهور نفس الشبح بنفس المنطقة على أناس لم
يسمعوا قبل بهذه الحكاية.. وهو الأمر الذي جعلنا نتأكد من صحتها ..
وبعد
سنوات طوال ، جاءت جماعة من المغرب الأقصى ، وعددهم أربعة رجال في زي حملة القرآن
الكريم ، يحملون معهم مخططا يتكلم عن حمّام خودة.. ومكثوا بالمنطقة ما يزيد عن
عشرين يوما طلبا للعثور على هذا الحمّام دون أن يأثروا على شيء ..
يتكلم
المخطط عن كمية معتبرة من المجوهرات مدفونة بحمّام خودة منذ مئات السنين.. وقد جاء
هؤلاء للتنقيب عنها بتقنيات يعرفونها في البحث عن الكنوز.. وانتهت مهمتهم بالفشل
نظرا لجهلهم للمكان..
وبعد
سنة إلتقينا بالحاج مبروك البالغ من العمر حوالي تسعين سنة.. وقادنا بنفس المنطقة
إلى أرض جرداء ليس بها ما يدل على آثار هناك.. وأخبرنا بأن حمّام خودة يوجد بهذا
المكان ، حيث كان قد رأى بعضا من آثار بناء هناك عندما كان صغيرا.. وسمع أيضا من
بعض الناس الذين كانوا يكبرونه سنا في ذلك الوقت..
واعترف
لنا الحاج مبروك بأنه يعرف المكان جيدا ، بينما لم يخبر به هؤلاء المغاربة خوفا
منهم..
لم
يكن المكان كأرض فلاحية ، لكن صاحبه منعنا من الحفر من أجل التأكيد ، إلا بعد
محاولات طويلة..
حفرنا
بنفس المكان ، وعثرنا فعلا على آثار البناء في شكل هندسي رائع..
لما
تأكدنا من موقع حمّام خودة توقفنا عن البحث ، نظرا في أن الشيء الذي كان يهمنا هو
التأكد من صحة الشبح ولغزه ، ولا يهمنا تلك المجوهرات التي يتكلمون عنها ، حيث لا
يوجد دليل ملموس سوى رقعة عليها مخطط قد يكون خاطئا من أساسه..
لكن
ما اللغز الذي وراء ظهور هذا الشبح ؟
لماذا
يبحث عن حمّام خودة ؟
أيكون
قد جاء باحثا عن عائلة له كانت تسكن بهذا الحمّام وانقرضت دون أن يدري بها؟
أتكون
هذه المجوهرات من ملكه الخاص واختفت عنه باختفاء الحمّام بسبب زلزال رهيب هز تلك
المنطقة في زمن ما ؟
هل
هذا الشبح من عائلة الجن أم من عائلة مخلوقات أخرى في بقعة خفية من الأرض أو
الجبال ؟
هل
يمكن أن يكون هذا الشبح إنسان عاش في زمن آخر قديم وجاء إلى هذا الزمن لأسباب
معينة لا زلنا لا ندركها بعد ، خصوصا وأن التحريات أثبتت على مدى الأزمنة بأن هذه
الأشباح لا تختلف شكلها عن شكل الإنسان عدى في الطول أو ضخامة الجسم ؟
والتاريخ
الطبيعي الذي جاءت به الحفريات يثبت بما لا يقبل الشك في أن الإنسان القديم كان
طويل القامة ، وضخم الجسم..
والقدماء
يتكلمون في مجموعة من الكتب القديمة ، على وجود علاقة قوية تربط بين دفائن الارض
وطوائف الجن.. وأن هؤلاء الجن يمنعون الإنسان من الوصول إلى هذه الدفائن.. لكنه
دائما كلام نظري لا يحوي الملموس..
وعلى
كل سوف يبقى السؤال سؤالا..
ويبقى
اللغز لغزا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق