اعلان

الاثنين، 4 مايو 2015

التناقض بين البراءة والإتفاق



                                    

يقول بعضهم بأن الساحر يتفق مع الشيطان في أداء أعمال محرمة ليقوم ذلك الشيطان بمساعدته على القيام باعمال سحرية ضارة بالبشر..
ومنهم من يقول :
(من السحرة من يرتدي المصحف في  قدميه ويدخل به الخلاء ، ومنهم من يكتب آيات القران بقذارة ، ومنهم من يكتبها بدم الحيض ، ومنهم من يكتب آيات القرآن أسفل فديمة ، وكتابة الفاتحة معكوسة ، والصلاة بدون وضوء ، ومنهم من يضل جنبا ، والذبح للشيطان ، والسجود للكواكب ، ومنهم من يأت أمه أو إبنته ، وكتابة الطلاسم بألفاظ غير عربية تحمل معان كفرية... ) .
فأي دليل إرتكز عليه الكاتب في طرح هذا المفهوم..؟
وما هو المنهج الذي إعتمده في دراسته لهذه الظاهرة..؟
وما هو مصدر هذه المفاهيم ؟
هل جاء بها من الكتاب ؟ أم من السنة ؟ أم من مصدر آخر ؟ ..
مع العلم أن هذا الإدعاء لا أثر له في الكتاب ولا في السنة..
وأين هو المخبر الذي تمت فيه التجارب من أجل دراسة هذه الظاهرة ؟
وأين البعد التاريخي الذي إستمد منه هذه المعلومات في دراسته لهذه الظاهرة ؟..
فالسحر كان قد بلغ ذروته في زمن الفراعنة المصريين وفي زمن سيدنا موسى عليه السلام ، حيث لم يكن قرآن ولا حديث ولا فاتحة معكوسة ، ولا إرتداء مصحف .. وفي وقت سبق حتى نزول التوراة ، فمن أين جاء الفراعنة المصريون بهذا السحر ؟
ومن أين جاء الكاتب بهذا المفهوم إذن ؟
والله سبحانه وتعالى أخبرنا على أن مصدر السحر هو الملكان هاروت وماروت وليس القرآن ، طبقا للآية:
" .. وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت .."
وهو ما سبق نزول القرآن بآلاف السنوات ، فكيف يكون السحر بارتداء المصحف ومخالفة الشريعة الإسلامية التي لم تكن موجودة آنذاك ؟..
عندما تقرأ هذه الكلمات في الإدلاء السابق ترى كلمة " قرآن " مكررة بشكل مكثف كما هو واضح في :
 إرتداء مصحف القرآن..
 كتابة آيات القرآن بقذارة ..
كتابة آيات القرآن أسفل القدمين..
وكتابة الفاتحة معكوسة..
وهو ما سيدفع بالقارئ بصورة عفوية إلى إستنتاج خطير..
سيستنتج لا محالة بأن السحر له علاقة بالقرآن..
وأن القرآن هو السحر نفسه ، وهو ما حدث بالفعل.. حيث أصبح الإنسان عندما يجد القرآن مكتوبا على أوراق من أجل التداوي به ، يرميه في المزابل والمراحيض أو يبول عليه ، عن مشاهدات عيانية ، بحجة أنه سحر والعياذ بالله.
  الله سبحانه وتعالى يخبرنا في القرآن على أن وظيفة الشيطان تتمثل في عملية الوسوسة لا في عملية الإتفاق ..
فالوسوسة شيء.. والإتفاق شيء آخر
.. كما جاء ذلك واضحا في سورة الناس.
 فنظرة واحدة كافية في أبسط سورة من القران وهي سورة الناس تعرفنا بالعلاقة الموجودة بين الإنسان والشيطان:
 " قل أعوذ برب الناس ، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس ...الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس"[1] ..
ومنه فالعلاقة واضحة تتمثل في الوسوسة في إطار إبعاد الإنسان عن الجنة عن طريق الأمر في إفعل أو لا تفعل لاعن طريق الإتفاق كما يقولون..
بل أن الآية تشير إلى أن الشيطان يوسوس للإنسان من أجل أن يعمل عملا من الأعمال المحرمة.. وعندما يستسلم الإنسان لوسوسته يقول له هذا الشيطان:
 " إني بريء منك " 
وذلك كما هو واضح في الآية :
" كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين "[2]
وهكذا يكون من الواضح أن عبارة :
إني برئ منك
تتناقض مع فكرة الإتفاق بين الساحر والشيطان شكلا ومضمونا.
والله سبحانه وتعالى يعلم في غيبه الإهانة التي سوف يتعرض لها القرآن الكريم ، فوضّح
وظيفة الشيطان في أبسط وأصغر سورة من القرآن لكي تقرأها جميع الناس ، كبيرا وصغيرا ، ذكرا وانثى ، متعلما أو أميا أو جاهلا .. ولم يضعها في السور الكبيرة حيث يصعب على البعض قراءتها ...
إذن فالشيطان يدفع الإنسان إلى الكفر بوسوسته ، ثم يهرب منه بمجرد التنفيذ ، ولا يتفق معه مصداقا للآية الكريمة ، وعليه فمهمة الشيطان تنتهي بمجرد اسقاط الناس في الزلل فتتحدد بهذا الزلل والإيقاع لا بالإتفاق .
وقد جاء في قوله عز وجل :
" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم "
ومن غير المعقول أن يتفق الساحر مع الشيطان في الوقت الذي يقول له إني بريء منك.. وهو تناقض واضح بين ما يقوله الله القرآن وبين ما يقوله الإنسان بأحكامه اللامنطقية والمضادة لهذا القرآن..
فالإتفاق شيء.. والبراءة شيء آخر..




[1] - سورة الناس
[2] - سورة الحشر-

ليست هناك تعليقات: